< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 72 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

الفرع الثاني: - إذا دفع البائع العين إلى المشتري فللمالك الحق في الرجوع إلى أيهما شاء، والمستند في ذلك أيضاً الارتكاز العقلائي فإنه قاضٍ بلك، فكل من مرت في يده العين يجوز الرجوع عليه وحيث لا ردع فيثبت الامضاء.

وهل يمكن التمسك بصحيحة زيد الشحام التي ورد فيها ( ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ) في اثبات جواز الرجوع على أي واحد منهما ؟

والجواب: - إنه لا يمكن لك، لأن الصحيحة تقول ( من كانت في يده .. فليؤدها إلى من ائتمنه)، والذي في يده الآن هو واحد، فتدل بالالتزام على جواز الرجوع على هذا الواحد الذي في يده المال، أما الذي ليس في يده المال فالصحيحة لا تشمله، فلا يمكن اثبات تخير المالك في جواز الرجوع على كل من جرت يده على العين، بل هي خاصة بمن كانت العين في يده فيجوز للمالك أن يرجع إليه، أما إذا لم تكن العين في يده بالفعل فلا تشمله هذه الصحيحة.

فإذاً المدك المناسب هنا هو السيرة العقلائية أو الارتكاز العقلائي غير المردوع عنه.

الفرع الثالث: - إذا تلفت العين فإن فرض أنها تلفت في يد البائع فيجوز للمالك الرجوع عليه والمطالبة بالبدل، ولا يجوز الرجوع إلى المشتري إذا فرض أن البائع دفع العين إلى المشتري وتلفت عنده فيجوز الرجوع بالتالف على أي واحد منهما.

وهنا توجد تكملة لم يبينها السيد الماتن: - وهي أنه صحيح يجوز للمالك الرجوع إلى أي واحد منهما ولكن الضمان يستقر على أي واحد منهم؟، يعني صحيح أنه لو تلتف العين في يد المشتري فالمالك له حق الرجوع على الاثنين، فإذا رجع على البائع وأخذ منه البدل فبالتالي ماذا يكون بعد ذلك؟ إنَّ هذه المسألة لم يتعرض إليها السيد الماتن، وهو الآن ليس بصدد بيانها، وإلا فالمناسب أن يرجع البائع بعد ذلك على المشتري، وهكذا العكس، فلو فرض أن العين تلفت بيد البائع ولكن رجع المالك على المشتري بأن كان المشتري قد قبضها ثم أرجعها إلى البائع لسببٍ ما ثم تلتفت عند البائع فحينئذٍ الضمان يستقر على البائع، فلو رجع المالك على المشتري رجع المشتري على البائع، ولكن السيد الماتن ليس بصدد بيان هذا، وإنما هو في صدد بيان أنَّ العين لو تلتفت في يد شخصٍ رجع المالك عليه ولو كان قد دفعها إلى الآخر جاز له أن يرجع على أيّ واحد منهما، والدليل على ذلك الارتكاز العقلائي أيضاً فإنه يرى جواز الرجوع على أيّ واحد منهما مادام الأخذ من المالك لم يكن بسببٍ صحيح مقبول، فإذا تلتفت يجوز للمالك الرجوع على أيّ واحدٍ منهما إذا فرض أن كلتا يديهما صارتا عليه، وهذا من الأحكام الواضحة التي لا إشكال فيها ولم يعرف الخلاف فيه.

نعم توجد قضية جانبية أشار إليها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب وحاصلها: - أنه يوجد إشكال في جواز رجوع المالك على أيّ واحدٍ منهما في حالة ما إذا كانت هناك يد لكل واحد منهما على العين التالفة، والاشكال هو أنَّ البدل المضمون هل هو واحد ولكن في ذمة الاثنين – البائع والمشتري- فعليهما بدل واحد ولكنه ثابت في ذمتهما أو أنه بدل في ذمة البائع وبدل في ذمة المشتري، فأيهما المناسب؟ فإن قلنا بالأول فهذا محل إشكال فإن الواحد لا يثبت في الذمم المتعددة كما أنه في الخارج لا يوجد الشيء الواحد في أمكنة متعددة فكيف تشتغل الذمم ببدل واحد ويكون ثابتاً في جميع هذه الذمم؟!! إنه لا يمكن لتعذر وجود الواحد في الأماكن المتعددة وإلا صار الواحد متعدداً أو المتعدد يصير واحداً، وإن قلنا بالثاني فإذا كان عدد الذمم اثنين فحينئذٍ يوجد بدلان بدل في ذمة هذا وبدل في ذمة ذاك، وإذا كانت ثلاث ذمم فتوجد ثلاثة أبدال ..... وهكذا.

وهذا لا يرد عليه الاشكال السابق ولكن يرد عليه إشكالان آخران: -

الأول: - إنه مادام التالف واحداً فلا معنى لضمانه بأبدال متعددة، فإنه ينبغي أن يضمن الواحد بالواحد لا الواحد بالكثير.

الثاني: - إنَّ لازم هذا أنَّ المالك يجوز له الرجوع عليهما، لأنه له بدل في ذمة هذا وله بدل في ذمة ذاك وهذا لا يلتزم به أحد.

هذا إشكال أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) في الكاسب ثم أخذ بالتخلص منه والجواب عنه، قال: - ( قلت:- توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشغال ذمة كلٍّ من اليدين ببدل التالف وصيرورته في عهدة كلمنهما مع أن الشيء الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة واحدة وأن الموصول في قوله عليه السلام " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " شيء واحد كيف يكون على كل واحدة من الأيادي المتعددة؟!! ) [1]

أما جواب الاشكال:- فلا نذكره، وقد أطال الشيخ الأعظم(قده) فيه.

والذي نريد أن نقوله: - إنه كان من المناسب للشيخ أن يشير إلى أنَّ قياس الأمور الاعتبارية على الأمور الحقيقية شيء مرفوض، فإنَّ ثبوت البدل في الذمة أمر اعتباري، فإنه لا يوجد بدل ولا توجد ذمة، فلا يوجد مكان حسّي ولا مكين حسي وإنما هذه قضايا اعتبارية وهذا التشبيه هو لمجرد إيصال الفكرة، وما نذكره ( من أنه كيف يستقر البدل الواحد في الذمم المتعددة وهل ذلك إلا كاستقرار الشيء الواحد في الأمكنة المتعددة ) فإنَّ هذا نذكره لأجل توضيح الفكرة، وإلا فهذا التشبيه باطل، لأنَّ هذا أمر اعتباري فيمك على مستوى الاعتبار أن يعتبر جميع الذمم مشغولة ببدل واحد والاعتبار لا مشكلة فيه، ومرجع ثبوت هذا البدل في الذمم المتعدد ليس إلى هناك بدل في ذمة وهذا وبدل في ذمة ذاك وهكذا، وإنما مرجعه إلى مسؤولية الجميع عن هذا البدل ولكن مسؤولية بنحو البدل، وهذه قضية عقلائية، أي أنَّ أيَّ واحدٍ رجع عليه المالك فحينئذٍ لا حق للمالك أن يرجع على الآخر، وإذا رجع المالك على الآخر فلا حق له في أنَّ يرجع إلى الأول، هذا هو المقصود، وهذا معنى عقلائي لا إشكال فيه، فأصلاً طرح الاشكال من قبل الشيخ الأعظم(قده) يكون في غير محله.

الحكم الرابع: - إذا كان التالف مثلياً فضمانه بالمثل، وإن كان قيمياً فضمانه بالقيمة.

ولعله من الصعب تحصيل مدرك لفظي لهذا الحكم.

نعم توجد عندنا صحيحة أبي ولّاد حيث قالت ( قيمة بغل يوم .... )، ولكنها واردة في القيمي فقط وأنه يضمن بالقيمة، أما أنَّ المثلي يضمن بمثله فلا يوجد عندنا دليل عليه، فهذه الرواية تنفعنا في نصف المدّعى، فتعال لنجعل صحيحة أبي ولاد شاملة له، يعني نقول إنَّ المدار على القيمة في القيمي والمثلي معاً، فالمقصود أنَّ هذا لا مدرك واضح له وإنما المستند كل المستند هو الارتكاز العقلائي،.

إذاً اتضح أنَّ المدرك هو الارتكاز العقلائي، وحيث لا ردع فيثبت المطلوب.

ولو قال قائل: - يوجد دليل ثانٍ، وهو أنه لو كان الضمان بغير ذلك - يعني المثلي بغير المثل والقيمي بغير القيمة - لاشتهر وذاع، لأنَّ المسألة ابتلائية، وهذا دليل آخر قد يُعِين الارتكاز.

هذا وقد نقل الشيخ الأعظم(قده)[2] عن الشيخ الطوسي(قده) في المبسوط والخلاف أنه استدل على ضمان القيمي بالقيمة والمثلي بالمثل بقوله تعالى:- ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )، بتقريب أنَّ الاعتداء بالمثل إنما يكون بالمثل في المثلي وبالقيمة في القيمي فإن هذا يصدق عليه الاعتداء بالمثل.

ولكن قد يقال:- إنَّ هذا وارد في باب الجنايات، حيث إنَّ الآية الكريمة قالت:- ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )[3] ، فربما يقال إنها واردة في باب الاعتداء.

والجواب واضح: - فإنَّ الآية الكريمة تعطي كبرى كلية، والمورد لا يخصص الوارد الكبرى، فنأخذ بهذه الكبرى ويتم بذلك كلام الشيخ الطوسي(قده).

ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ الأمر بالاعتداء بمثل ما اعتدي يمكن أن يفسّر بشكلٍ آخر أي، بمعنى أنه إذا ضربك بسكين في بطنك فاضربه بالسكين في بطنه، وإذا صفعك صفعة على رأسه فاصفعه على رأسه صفعة ... وهكذا، فالاعتداء بالمثل يكون بهذا الشكل، وإذا فرض أنه كسر لك إناءً فاكسر له إناء يماثل إناءك المكسور ....... وهكذا، فإنَّ الآية الكريمة من القريب أن يكون المقصود منها ذلك، لا أنه إن اعتدى عليك بكسر إناء فخذ منه مثل ذلك الاناء إذا كان مثلياً أو خذ منه قيمتهإن كن قيمياً، ولا أقل الآية الكريمة مجملة من هذه الناحية، فلا يمكن التمسك بها.

نعم قد تقول دفاعاً عن الشيخ الطوسي(قده): - إن هذا الاحتمال وإن كان وجيهاً ولكن لا يلتزم به فقيه، فلو ضربك شخص على رأس لا يقول فقيه اصربه على رأسه وإنما يدفع الدية مقدار تأثير هذه الضربة على الرأس، لا أنك تضربه كما ضربك، فهذا المعنى وإن كان وجيهاً ولكن لا يلتزم به فقيه.

قلت: - إنَّ هذا صحيح، ولكن لنجعل عدم التزام الفقهاء بذلك قرينة على اختصاص نظر هذه الآية الكريمة وهذه الكبرى الكلية الموجودة فيها إلى باب الاعتداء من قبل الكفار وأنَّ الكافر إذا اعتدى عليكم وعلى مقدساتكم فاعتدوا عليه بالمثل، فتكون خاصة في هذا المورد ولا تكون شاملة لمقامنا.

فإذاً تصير الآية مجملة من هذه الناحية لما ذكرنا، فإنَّ ظاهرها لا يمكن الالتزام به، فيتعين الحمل على خلاف ظاهرها، وخلاف الظاهر يمكن أن يكون هو تخصيصها بخصوص موردها وهو ما كان مع الكفار، فإن الوارد فيها ( الشهر الحرام بالشهر الحرام )، فإذا هتكوا مقدساً لكم فاهتكوا مقدساً لهم بمثل ما صنعوا، ولا أقل يحتمل أن يكون المقصود هو ذلك، فتصير مجملة لا يصح الاستدلال بها في مقامنا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo