< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 71 ) لو باع الفضولي مال غيره وهذا الغير باع نفس المال لشخصٍ آخر، مسألة ( 72 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

مسألة ( 71 ):- لو باع مال غيره فضولاً فباعه المالك من شخصٍ آخر صح بيع المالك ويصح بيع الفضولي أيضاً إن أجازه المشتري.

..........................................................................................................

مضمون المسألة هو أن يبيع شخص مال غيره فضولاً ولكن المالك للمال يبيعه على شخصٍ آخر فيحصل عندنا مالك آخر غير المالك السابق حين عقد الفضولي، وهنا حكم السد الماتن بأن بيع المالك يصح، لأنه باع ملكه، والمشتري - أي هذا المالك الجديد - بعد أن ملك المال يمكنه أن يجيز بيع الفضولي.

وقد تعرض الشيخ الأعظم (قده) إلى ذلك ولكن على مستوى الإشارة، واكتفى بهذا المقدار تحت قول ( وأما القول في المجيز ) [1] فذكر بعض المسائل تحت هذا العنوان وقال في المسألة الثانية:- ( أن يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع[2] أو غيره[3] ).

وبعد أن اتضح الفارق بين مسألتنا هذه والمسألة المتقدمة، نسأل ونقول: - ما هو المناسب فهل نحكم بصحة عقد الفضولي المكور بعد إجازة المالك الجديد أو نحكم بالبطلان؟

والجواب:- المناسب الحكم بالصحة تمسكاً بالعمومات، ومدعي الفساد لابد وأن يبرز المانع، ولا دليل للمنع إلا الروايات التي تقدمت في المسألة السابقة، حيث قال عليه السلام ( ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبه )، يعني عليك أولاً أن تشتري الشيء ثم تبيعه منه، لا أنك تبعه الشيء الذي لا تملكه أولاً ثم تشتريه، ولا يوجد عندنا غير هذا، وهو كما ترى مرتبط بأن يبيع الفضولي الشيء ثم يشتريه نفس الفضولي، أما أن يشتري شخصٌ آخر الشيء من المالك الأول ويجيز بيع الفضولي الذي باعه من مشترٍ آخر فهذه الروايات ليست ناظرة إلى هذه الحالة، إلا أن تلغي خصوصية المورد، والعهدة عليك، حيث يبقى احتمال الخصوصية للمورد السابق موجود - الذي هو مورد الروايات السابقة -، فالمنهي عنه هو أن يبيع الشخص بالفضولية ثم يتملك هو بعد ذلك - أي نفس الفضولي -، أما أن يتملك شخص آخر للشيء بشراءٍ من مالكه الأول ثم يجيز هذا الشخص بيع الفضولي فإلغاء الخصوصية شيء صعب، وعلى أي حال من المناسب الحكم بالصحة.

وقد يقول قائل: - إنه توجد نكتة أخرى غير الروايات تستدعي الحكم بالبطلان، وهي أنَّ المالك حينما باع المبيع لشخصٍ آخر غير الفضولي فلك يعني بالدلالة الإلتزامية ردّ عقد الفضولي، ومادام قد تحقق ردّ عقد الفضولي فالاجازة من المالك الجديد لا تجدي، لأنها إجازة بعد تحقق الردّ من المالك.

وهذا كما ذكرنا ليس تمسكاً بالروايات وإنما هو تمسك بمانع جديد.

ويرده: -

أولاً: - إنَّ هذا إن تم فهو يتم في بعض الحالات، يعني هو يتم فيما إذا كان المالك حينما باع للشخص الجديد ملتفتاً إلى بيع الفضولي وكان يقصد به الرد، ولكن أحياناً قد لا يكون ملتفتاً إلى تحقق عقد الفضولي فاصلاً لم يكن عنده خبر بذلك أو كان عنده خبر ولكنه حينما باع كان غافلاً عن بيع الفضولي أو انه كان ملتفتاً ولكنه لا يقصد بذلك الرد، فإذاً هذا أخصّ من المدّعى.

ثانيا: - عدم اجداء الاجازة بعد الرد أوّل الكلام كما تقدمت الإشارة إليه.

ثالثاً: - إنَّ الرد من المالك إذا كان مؤثراً فهو مؤثر على اجازته هو إذا أراد أن يجيز، أما أن يجيز شخص آخر ومالك آخر فهذا لا يؤثر آنذاك.

إذاً حتى لو قبلنا بأنَّ الردّ يمنع من الاجازة فهو يمنع من الاجازة الصادرة من نفس المالك حين عقد الفضولي أما صدور الاجازة من مالك جديد لم يصدر منه الرد وإنما صدر الرد من المالك القديم، فمانعية مثل هذه الاجازة أوّل الكلام، فلعلنا نقول إنه مع رد المالك لا تجدي إجازة نفس المالك أما أنه لا تجدي إجازة المالك الجديد الآخر فهذا أول الكلام.

والخلاصة: - إنه لا مانع من صحة بيع الفضولي المذكور مادام المالك الجديد قد أجاز.

مسألة ( 73 ):- إذا باع الفضولي مال غيره ولم تتحقق الاجازة من المالك فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال وإن كانت في يد البائع جاز لمالك الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على كل من البائع والمشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري أو إلى أحدهما إن دفعها إليه بمثلها إن كانت مثلية وبقيمتها إن كانت قيمية.

..........................................................................................................

تشتمل السألة على عدة فروع، أما ما ذكره في صدر المسألة وهو ( إذا باع الفضولي مال غيره ولم تتحقق الاجازة من المالك فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال ) فلا نعده فرعاً وحكماً يستحق الإشارة والبحث.

نعم البحث يبدأ من حالة ما إذا كانت العين التي بيعت بالفضولية في يد البائع الفضولي فهنا قال:- ( جاز للمالك الرجوع بها عليه ) أي الرجوع على الفضولي.

وما هو الدليل على ذلك؟والجواب: - قد يذكر دليلان:-

الدليل الأول: - إنه قد يقول قائل إنَّه لقاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي.

والجواب عنه: - إنَّ هذه ليست قاعدة معتبرة وإنما مدركها السيرة، على أنه يمكن أن يقال إنها ناظرة إلى الضمان عند التلف، نعم يمكن أن نتمسّك بروحها ولبّها وهو السيرة العقلائية أو الارتكاز العقلائي بعدم الردع، فالمرتكزات العقلائية والمتشرعية على أنَّ الشخص متى ما كان ملكه موجوداً عند شخصٍ آخر فله الحق في أن يطالب به ويأخذه منه.

وهذا يحتاج إلى ضم ضميمة حيث نقول: - وحيث إنَّ هذا الارتكاز العقلائي لا ردع عنه من قبل الشرع فيثبت امضاؤه، وأما إذا كان ارتكازاً متشرعياً فلا نحتاج إلى ضمّ هذه الضميمة، إذ الارتكاز المتشرعي مأخوذ من الشرع فلا نحتاج إلى إمضائه.

الدليل الثاني: - صحيحة أبي أسامة زيد الشحام عن أي عبد الله عليه السلام: - ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وقف بمنى ...... ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه )[4] .

وقد يقول قائل: - إنَّ هذه الرواية موردها الأمانة حيث قالت ( ألا من كانت عنده أمانة ) فهي خاصة بمورد الأمانة، ومورد كلامنا ليس من الأمانة؟

والجواب: - إن لم يكن موردنا من الأمانة وإن كان أحياناً ربما يكون من الأمانة كما لو استودعه المالك ولكنه أنكر ذلك وباعها، فافترض أنَّ موردها هو الامانة ومحل كلامنا ليس من الأمانة ولكن العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية، يعني لا يحتمل أنَّ الأمين يلزمه أن يؤدي الأمانة أما غير الأمين فلا يلزمه أن يؤديها، بل لعل وجوب الأداء لغير الأمين يكون بالأولوية، فإذا كان من ائتمن يجب عليه الرد بالمطالبة ويجوز الرجوع إليه والأخذ منه فبالأولى يجوز الرجوع إليه إذا لم يكن قد أستأمنه.


[2] وها إشارة إلى مسألة من باع ثم ملك.
[3] وهذا اشرارة إلى مسألتنا ولم يتكلم بشيء أكثر من هذا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo