< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 70 ) من باع ثم ملك – شروط المتعاقدين.

وعلى منوالها:- ما رواه خالد بن الحجاج[1] قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- الرجل يجيء فيقول اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا، قال:- أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟ قلت:- بلى، قال:- لا بأس به إنما يحل الكلام ويحرّم الكلام )[2] ، ومقصوده من ( يحل الكلام ويحرم ) هو أن الكلام وهو بعت واشتريت ) إذا سبق وتقدم على الشراء يعني قبل أن أشتري الحاجة بعتها لطالبها فهذا يحرّم، أما إذا فرض انه تأخر فذهبت واشتريت أولاً ثم بعتها له فهذا يحلّ، فبعت واشتريت إذا تقدم على شرائي أنا الوسيط لذلك الشيء يكون محرّماً وأما إذا كان بعدما اشتريت فيكون محلِّلاً، هذا ما ذكرته الرواية.

فإذاً هاتان الروايتان وردتا في المبيع الشخصي والأولى صحيحة السند بيد أن الثانية فيها تأمل من ناحية خالد بن الحجاج حيث لم يرد في حقه توثيق، وسندها ( الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالج بن الحجاج )، ولكن يوجد شخص آخر وهو خالد بن نجيح وهو ثقة، أما خالد بن الحجاج فلا يوجد في حقه توثيق ولكن على ما قال في المخطوطة من الكافي كتب في نسخة كتب خالد بن نجيح بدل خالد بن الحجاج، فإذا أمكن اثبات أنَّ الوارد في سند الرواية هو خالج بن نجيح فتصح الرواية ولكن القضية صعبة لأنه سوف يصير عندنا نسختان فيحتمل أنَّ الوارد في السند هو خالد بن الحجاج الذي لم يوثق أو خالد بن نجيح الثقة، والتردد لا ينفعنا، وبالتالي لا يمكن التمسك بالرواية، نعم يمكن التمسك بها على مستوى التأييد والدعم للرواية الأولى.

وتوجد روايتان أخريان فإن كانتا واردتين في المبيع الجزئي فبها ونعمت وإلا فلا صلح التمسك بهما وهما: -

الأولى: - صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( في رجلٍ أمر رجلاً يشتري له متاعاً فيشتريه منه، قال:- لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه )[3] ، يعني أن المفروض أنَّ الدلال يشتري الشيء أولاً ثم يبيعه على الطالب للمتاع، ودلالتها تتوقف على مطلبين:-

الطلب الأول: - أن نستفيد من كملة ( أمر رجلاً أن يشتري له متاعاً ) يعني الجزئي، وإلا لو كان المقصود هو الكلي فحينئذٍ لا تنفعنا للاتفاق على أن بيع الكلي قبل تملك فرد منه جائز ولا إشكال فيه فلابد أن نستظهر من كلمة متاع الجزئي، ويحتمل أن كلمة متاع قد تكون أقرب إلى الجزئي، فلذلك هه الرواية تواجهها هه المشكلة.

المطلب الثاني:- إنَّ الامام عليه السلام قال:- ( لا بأس بذلك إنما البيع بعدما يشتريه )، وهي بالمفهوم تدل على أنه يوجد بأس إذا فرض أن بيع الدلال المتاع على الذي طلبه قبل أن يشتري الدلال المتاع ولكمة بأس إذا استظهرنا منها الحرمة في موارد الأحكام التكليفية أو البطلان في الأحكام الوضعية - وموردنا هو من الأحكام الوضعية ولا يوجد احتمال الحرمة التكليفية - فإذا استفدنا منها البطلان فهو جيد، وأما إذا لم نستفد منها البطن قولنا إن ّكلمة ( فيه بأس ) تتلاءم مع الكراهة فلا يكن الحكم بالبطلان، وتبقى المسألة تابعة لاستظهار الفقيه، فلذلك تصير هذه الرواية حيادية من ناحيتين.

الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال:- ( سألته عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعاً لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله، قال:- ليس به بأس إنما يشتريه منه بعدما يملكه )[4] ، ونفس الكلام المتقدم في الرواية السابقة يأتي هنا.

إذاً اتضح أنَّ الرواية التامة سنداً ودلالة هي الرواية الأولى أما الرواية الثانية فهي مؤيدة لها، وأما الروايتين الثالثة والرابعة فهما تتلاءمان مع دلالة الرواية الأولى، ولكن استظهار الحرمة قد يكون مشكلاً لورود كلمة البأس، فالمهم هي الرواية الأولى المدعومة بالرواية الثانية.

يبقى شيء: - وهو أنه توجد رواية تدل بذاتها أو بإطلاقها على أنه لا يجوز ذلك حتى في بيع الكلي، وهي صحيحة معاوية بن عمّار: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: - يجيئني الرجل يطلب بيع الحرير وليس عندي منه شيء ثم أهذب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه، فقال:- أرأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه مما عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك أو وجدت أنت لك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟ قلت:- نعم، قال:- فلا بأس )[5] ، وهذه الرواية بإطلاقها تشمل الكلي أيضاً وتدل على أنه إذا لم يجر البيع قبل الشراء وإنما كان الشراء أولاً ثم البيع فلا بأس بذلك، بناءً على أنَّ كلمة البأس تدل على الالزام، فحينئذٍ سوف تدل على أنَّ الحكم بعدم جواز بيع من باع ثم ملك يعم الكلي أيضاً ولا يختص المنع بالجزئي، وحينئذٍ لا تعارض الروايات المتقدمة، وإنما هي تدل على شيء لا نلتزم به، وهو أنها تدل على أنَّ بيع الكلي لا يجوز قبل الشراء، فماذا نصنع مع هذه الرواية - بناءً على أنَّ البأس يدل على الالزام -؟

والجواب: - إنه إما أن نقيّدها بالجزئي للقرينة الخارجية، والقرينة هي الاتفاق على صحة بيع الكلي قبل الشراء، فيصير هذا الاتفاق قرينة على الحمل على خصوص الجزئي، ولا بأس بذلك، أو نحملها على التقية، فإنَّ الاتجاه المقابل لا يجوّز حتى بيع الكلي قبل تملّكه، وفي الرواية ردَّ الامام عليه السلام عليهم وقال: - ( فإذاً ما رأيهم في السلف؟! ) لأنَّ بيع السلف هو أن يبيعك الشيء قبل وجوده وهذا بيع للكلي لأنه ليس جزئياً، فإنه في بيع السلف عادةً يكون كلياً وربما يكون غير موجود أصلاً، فبلا إشكال يجوز هذا في بيع السلف فما رأيهم في هذا المقام؟!، والرواية الواردة في ردّه عليهم هي صحيحة اسحاق بن عمّار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعاً، قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاً، قال:- ليس به بأس، قلت:- إنهم يفسدونه عندنا؟ قال:- وأي شيء يقولون في السلم؟!)، وهذه الرواية واردة في الكلي بقرينة تعبير ( ليس عنده )[6] فهذه قرينة واضحة على أنه يتعيّن في الكلي.

وعلى منوالها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الأخرى[7] .

والخلاصة التي ننتهي إليها من خلال كل ما ذكرناه: - هي أنَّ الرواية الأولى تامة الدلالة والسند على بطلان بيع من باع ثم ملك ثم أجاز، والرواية الثانية تكون مؤيدةً لها.

وإذا قال قائل: - من قال بأنها واردة فيمن باع ثم ملك ثم أجاز فإنَّ الاجازة ليست مذكورة فيها.

فنقول: - إنه يستفاد منها البطلان إذا باع قبل أن يملك سواء أجاز أو لم يجز فمقتضى الاطلاق أنه باطل، فلا يحتمل محتمل أنَّ هذه الرواية حينما حكمت بالبطلان هي ناظرة إلى صورة عدم الاجازة فهي لا تضرّنا، كلا، وإنما هي مطلقة من هذه الناحية، فإذاً نحكم بالبطلان لبيع من باع ثم ملك لأجل هذه الروايات.

يبقى شيء: - وهو أننا في الوجه الأول من الوجوه المتقدمة وجهنا الصحة وقلنا إنَّ المالك بعدما باع ثم اشترى فإجازته هي بمثابة الايجاب، فإذا انضم ما صدر من المشتري إليها يصير بمثابة العقد الكامل فأحدهما إيجاب والآخر قبول، ففيما سبق حكمنا بالصحة، فيحصل تافٍ بين ما ذكرناه في الوجه الأول وبين ما انتهينا إليه هنا في الوجه السابع من الحكم بالبطلان؟!

والجواب: - إنَّ ذاك على مقتضى القاعدة، فيمكن بمقتضى القاعدة أن نصحح البيع بالطريقة التي ذكرناها، أما بعد ورود النص فلا نتمسّك بمقتضى القاعدة، فلا يوجد تنافٍ في البين.


[1] وخالد بن الحجاج لا يوجد توثيق في حقه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo