< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 70 ) من باع ثم ملك – شروط المتعاقدين.

الاشكال الثاني: - ما أفاده السيد الخوئي(قده) وحاصله: إنَّ الاجازة لابد وأن تتعلق بالعقد من حين صدروه إذا بنينا على أنها كاشفة، أما أن يجيز من بعد صدوره فيقول أجزته على أن يكون مجازاً بعد يومين أو ثلاثة من حين تحقق العقد فهذا لا يمكن، فإنَّ الاجازة لابد أن تطابق العقد المجاز، أما العقد الصادر يوم السبت هو لا يريد أن يقع صحيحا ومجازاً من يوم السبت وإنما يريده من يوم الاثنين مثلاً فهذا لا معنى له، فإن الاجازة هنا لم تطابق العقد المجاز ويشترط في صحة الاجازة مطابقتها للعقد المجاز، وفي مقامنا المفروض أنه لا تحصل هذه المطابقة، لأنَّ الاجازة من الذي باع ثم ملك سوف تكون إجازة من حين ملك الابن الدار من والده، فمن حين ملكه للدار تكون الاجازة صحيحة ومؤثرة لا من حين صدور العقد الذي صدر قبل يومين مثلاً، فإنَّ مفروض كلامنا أنَّ العقد متقدم على الاجازة، فإنَّ الابن أجرى العقد يوم السبت وملك الابن الدار يوم الاثنين بشراءٍ من والده أو بموت والده فحينئذٍ إذا كانت الاجازة من حيث أمكن - يعني بعد يومين من صدور العقد - فهذه الاجازة لا تطابق العقد المجاز، فإذاً تقع هذه الاجازة باطلة وغير نافعة وإن فرض أنه لا يمكنه أن يجيز من حين العقد حيث نقول صحيح أنه لا يمكنه أن يجيز من البداية ولكن بالتالي مثل هذه الاجازة ولو لقضية لا ترتبط به وليس بتقصيرٍ منه باطلة لأنها لا تطابق العقد المجاز، فإنَّ العقد صدر يوم السبت والاجازة تأخذ تأثيرها من يوم الاثنين مثلاً وهذا لا يمكن، إذ لا توجد مطابقة بين الاجازة وبين العقد المجاز فتقع باطلة وإن كان المنشأ أمر غير ارادي بل لا فرق بين أن يكون ارادياً أو غير ارادياً[1] .

وقبل أن نعلق نشير إلى شيء: - وهو أنه لماذا يلزم أن تتطابق الاجازة العقد المجاز، فإنَّ الفقهاء كأنه واضح عندهم وتسالموا على أنَّ الاجازة لابد أن تطابق العقد المجاز؟

والجواب: - لعل النكتة في ذلك عرفية عقلائية وليست شرعية توقيفية، إذ العقد الصادر له وجودٌ واحد عقلائياً وعرفاً وليس له وجودات متعددة وهذا الوجود الواحد إما أن يجاز أو لا يجاز ويمضى أو لا يمضى، ولا معنى لأن يجاز بعضه دون البعض الآخر فإنه ليس قابلاً للتبعيض، فإن النظرة العقلائية العرفية تراه شيئاً واحداً.

وفي مقام التعليق على ما ذكره السيد الخوئي(قده) نقول:- نحن نسلّم بكل ما تقول، ولكن نقول إنَّ الابن حينما يجيز العقد فهو لا يجيز من حيث أمكن حتى تقول لا معنى لأن يبعّض وإنما هو يجيز العقد من حين صدوره غايته الشارع لا يمضي الاجازة المذكورة بهذا المقدار، وإنما يمضيها من حيث أمكن، فإذاً الاجازة طابقت العقد المجاز ولم يحصل تخلف حتى تقول إن من أحد شرائط صحة الاجازة مطابقتها للعقد المجاز فهنا نقول إنَّ المطابقة موجودة، فإنَّ الابن يقول أجزت للعقد الذي صدر مني من حين صدوره - في يوم السبت - غايته هذه الاجازة لا تكون فعّالة إلا في يوم الاثنين، وهذا لا يعني التفكيك بين الاجازة والمجاز، بل هناك تطابق، غايته أنَّ التأثير والامضاء الشرعي والعقلائي لا يكون يوم الاثنين، فهذا تخلف في الامضاء وليس تخلفاً في المطابقة بين الاجازة والعقد المجاز وهذا مطلب ينبغي الالتفات إليه.

الاشكال الثالث:- ما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[2] ، وأشار إليه بعض الأعلام أيضاً، وحاصل ما يقال: إنَّ تصحيح العقد بفكرة الاجازة من حيث أمكن تتم فيما لو كان عندنا دليلان، الأول يدل على نفوذ العقد بالاجازة، والثاني يدل على أن الاجازة كاشفة، فهنا يكون ما ذكره الشيخ الأعظ(قده) يكون تاماً، فإنه بالدليل الأول نصحح أصل العقد، وبالدليل الثاني نصححه من حيث أمكن لا من حين العقد، ولكن واقع الحال وجود دليل واحد وهو دليل نفوذ العقد بالاجازة، وهو( أوفوا بالعقود ) وما شاكله، فلك ما نمتلكه دليل واحد ولا يوجد دليل ثانٍ يدل على أنَّ الاجازة كاشفة حتى نقول إذا لم يمكن أن تكون الاجازة كاشفة من البداية لتكن كاشفة من حيث أمكن، وإنما الدليل واحد وهذا الدليل الواحد - وهو ( أوفوا بالعقود ) - كل ما يدل عليه هو أن العقد صحيح بالاجازة أما إذا لم يمكن تصحيحه بالاجازة من بداية صدروه فتصحيحه من حيث أمكن يبقى من دون دليل، إذ المفروض أنه لا يوجد دليل ثانٍ، وإنما كل ما نملك هو هذا الدليل واحد، وهذا الدليل الواحد يدل على صحة العقد بالاجازة من حين صدوره، فإذا لم يمكن الأخذ به - لأنَّ الحكم الصحة من البداية قلنا هي غير ممكنة لأن هذا الابن الفضولي بَعدُ ليس بمالك فكيف يصح عقده من البداية - فتبقى صحة العقد من حيث أمكن من دون دليل.

وعليه فهذه الفكرة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) لا يمكن الأخذ بها، لأنها تحتاج إلى فرض وجود دليلين، وفي الواقع لا يوجد عندنا إلا دليل واحد، فما أفاده يكون باطلاً.

وفيه: - إنَّ ما أفيد شيء وجيه، يعني لا يوجد دليل واحد، وهذا الدليل الواحد يدل على الصحة بالاجازة من البداية، أو يدل على الصحة بالاجازة من حيث أمكن، أما كلاهما فلا يمكن ذلك، وهذا شيء صحيح، وحيث إنَّ الأول - أي الصحة من البداية فإن الدليل يدل على ذلك - في نظر الحاج ميرزا علي الايرواني صحيح، فالصحة من حيث أمكن تبقى من دون دليل.

ونحن نقول:- لماذا لا نجعل مدلول ( أوفوا بالعقود ) هو الصحة بالاجازة من حيث أمكن لا من حين العقد، ولكن مداق امكن يختلف باختلاف الموارد، ففي العقود العادية غير من باع ثم ملك يكون من حين العقد، أما فيمن باع ثم ملك يكون من حين التملّك، فإذا قلنا بأنَّ مفاده هو هذا فيكون شاملاً لكلا الموردين، والدليل على ذلك مقتضى الاطلاق، فإنه بإطلاقة يشمل كل العقود إلا ما جزمنا بخروجه، وشموله لكل العقود يتناسب مع فكرة كون المقصود أنه يجب الوفاء بالعقد من حيث أمكن، وحينئذٍ يكون شاملاً للعقد الذي يمكن وجوب الوفاء به من البداية، ويشمل مثل موردنا أيضاً، فبناءً على فكرة الاطلاق - وخصوصاً أنَّ أمرهم في الاطلاق سهل المؤونة - أنَّ الاطلاق موجود فيجب الوفاء بكل العقود، والذي خرج منه جزماً فسوف نخرجه، أما الذي لا نعلم بأنه خرج منه أو لا فيبقى تحت الاطلاق، وهذا يتناسب مع فكرة وجوب الوفاء من حيث أمكن، فيشمل كلا الموردين.

فإذاً لا يوجد إشكال من هذه الناحية في تصحيح معاملة من باع ثم ملك من الزاوية التي ذكرها الشيخ الأنصاري(قده).


[2] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص286.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo