< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

وأما الظاهر من الروايات: - فيمكن ذكر روايتين، أحداهما ترتبط بمن يتصرف بمال اليتيم من دون إذن من حاكم الشرع أو الولي وقد حكمت بأنَّ الربح كله لليتيم وإذا حصل تلف فيكون ضامناً، والرواية الثانية ترتبط بعامل المضاربة حيث دفع شخص مالاً لشخصٍ آخر وقال له اعمل به في هذا المتاع دون ذاك لكن العامل خالف الشرط فاشترى من المتاع الثاني وقد حكم الامام عليه السلام بأنَّ الربح يوزّع بينهما حسب الاتفاق وإذا حصل تلف فالضمان على العامل.

أما الرواية الأولى: - فهي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في مال اليتيم قال: ( العامل به ضامن ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال وقال إن عطب أدّاه )[1] .

وتقريب الدلالة: - هو أنَّ المعاملة فضولية لأنَّ هذا الشخص تصرف في مال اليتيم من دون إذن ولو كان مستأذناً من جدٍّ أو من الامام لافترضت الرواية ذلك، فإذاً المفروض أنه تصرف من دون إذن فالمعاملة تكون فضولية، وفي مثل هذه الحالة من المناسب أن يصير كل الربح لليتيم لأنه تصرف في مال اليتيم فيكون كل الربح لليتيم، هذه هي الركيزة الأولى في الاستدلال وهي افتراض كون المعاملة فضولية، وقد افترضنا ذلك لأنها لم تذكر وجود إِذن، والركيزة الثانية التي يتوقف عليها الاستدلال هي أن نقول إنَّ الرواية مطلقة، فهي بإطلاقها تشمل حتى إذا مات المالك، والمالك هو اليتيم بأن افترضنا أنه مات قبل أن يبلغ ففي مثل هذه الحالة لم تستمر شروط المتعاقدين إلى حين الاجازة، أو نفترض أنه مات بعد بلوغه وقبل أن تصدر منه الاجازة، واثبات ذلك يكون من خلال الاطلاق، فالرواية مطلقة وهذا معناه أنَّ هذا الربح كلّه يكون لليتيم حتى لو فرض موته قبل الاجازة، فإذاً يمكن التمسّك بالرواية.

وأما الرواية الثانية:- فهي موثقة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة فذهب واشترى به غير الذي أمره، قال: هو ضامن والربح بينهما على ما شرط )[2] .

إذا فرضنا أنَّ المورد هو معاملة فضولية، لأنَّ العامل قد خالف، فلابد من فرض هذا الركن الأوّل في الاستشهاد بالرواية، وأما الركن الثاني هو كما في بيان الرواية السابقة حيث نقول إنها بمقتضى اطلاقها يكون الربح بينهما حتى لو فرض أنَّ المالك مات قبيل الاجازة، فتدل حينئذٍ على عدم لزوم استمرار شرائط المتعاقدين إلى حين الاجازة، بل حتى لو انخرمت كفى ذلك.

ويردّهما:- إنه لم يفترض فيها صدور إجازة لا في الرواية الأولى ولا في الثانية، ففي الثانية المالك لم يفترض أنه أجاز يعني أن الامام عليه السلام لم يشترط الاجازة بل ابتداءً قال ( الربح بينهما ) ولم يقل ( بشرط الاجازة )، وكذلك الرواية الأولى لم تقل ( إذا أجاز الولي الشرعي )، وبناءً على هذا نحتمل أنَّ الحكم تعبّدي خاص بالمورد ولا يمكن التعدّي منه إلى غيره من الموارد وتستفيد منه فيها وتخرج بقاعدة كلية وهي أنه ( إذا اختلت شرائط المتعاقدين قبيل الاجازة في عقد الفضولي يقع العقد صحيحاً إذا أجاز المالك الثاني )، فلا يمكن الخروج بهذه القاعدة العامة بعد احتمال كون ذلك حكماً خاصاً بمورد الرواية، فلذلك لا يمكن التمسك بهما.

ومن الغريب أنَّ الشيخ الأعظم(قده)[3] ذكر هاتين الروايتين في باب الفضولي وقال لا ظهور لهما في ذلك بل يوجد استئناس أو مؤيد، ولكنه تمسك هنا بالظهور، فما عدى مما بدى؟!!

وإذا قلت: - لعل مقصود الشيخ رواية أخرى فإنَّ مقصوده من الأخبار الظاهرة روايات أخرى، فمن قال إنَّ مقصوده هو هذه الروايات حتى يرد عليه الاشكال؟

قلت: - قد ذكرنا سابقاً أنَّ استقصاء روايات الباب أمرٌ صعب، والطريقة الفنّية هي الرجوع إلى الروايات التي استشهد بها الشيخ الأعظم(قده) على صحة بيع الفضولي، فجزماً كان نظره متوجهاً إلى تلك الروايات ولا يحتمل وجود رواية ثانية في باب المضاربة مثلاً أو غيره وهو لم يذكرها، فمادام المدار على ما ذكره في بيع الفضلي فالقضية محصورة بالروايات المذكورة في بيع الفضولي، وأحسن الروايات التي يمكن التمسّك بها لإثبات الظهور هما هاتين الروايتين ولا يوجد غيرهما، وهو قد قال سابقاً ليس فيهما ظهور وإنما يوجد استئناس.

وأما الطائفة الثانية: - فهي خبر أبي عبيدة الوارد في زواج الصغيرين، وموردها موت أحد المتعاقدين.

إن قلت: - إنَّ هذه الرواية واردة في باب النكاح وليس في باب المعاملات الأخرى.

قلت: - قد أجاب الشيخ عن ذلك حيث عبّر بالفحوى فقال ( فحوى عبارة أبي عبيدة )، فهو تمسك بالأولوية لأنه لو كان موت أحد المتعاقدين في النكاح لا يؤثر ويكون العقد صحيحاً فبالأولى عدم تأثيره في غيره من المعاملات.

والجواب عن هذه الطائفة: - إننا نحتمل أنَّ الحكم هنا تعبّدي خاص بالمورد، والذي قد يكون منبهاً لذلك هو القسم، لأنَّ الرواية قالت إذا مات الزوج فعلى الزوجة أن تحلف على أنه لم يدعها على القبول والاجازة تحصيل الإرث والحال أنَّ القسم لا يلتزم بأنه واجب - أي لا يلتزم بأنه إذا مات أحد المتعاقدين فالوارث لابد أن يحلف - فنحتمل بسبب ذكر القسم أنَّ هذه قضية في موردٍ خاص وهو باب نكاح الصغيرين والتعدّي منه إلى غيره محل إشكال، وهذا شيء ينبغي الالتفات إليه.

وأما الطائفة الثالثة: - فهي رواية عروة البارقي حيث دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم له ديناراً ليشتري شاةً للأضحية وهو ذهب اشترى شاتين ونتمكن أن نقول إنَّ شراء الشاتين ليس فولياً لأن من يأذن في شراء شاة واحدة بدينار فهو آذن بمفهوم الموافقة - أو بالأولوية - بشراء شاتين أو ثلاث شياه بدينار، فالإذن موجود فهذا ليس شراءً فضولياً وإنما الفضولية في بيع عروة لشاة من الشاتين فإنَّ هذا بيع من دون إذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحينما أخبر عروة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ( بارك الله في صفقة يمينك ) يعني قد أَجازه، وحينئذٍ يكون هذا البيع فضولياً، وعليه نقول: إننا نحتمل اختلال شروط أحد العوضين، إذ لعل هذه الشاة ماتت قبل إجازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنتمسّك حينئذٍ بالإطلاق فتشمل حتى حالة موت الشاة قبل الاجازة.

والجواب عن ذلك: -

أولاً: - إنَّ هذه قضية في واقعة، وهذا ليس اطلاقاً لفظياً، فنحتمل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله أحرز أنَّ الشاة بَعدُ موجودة، فإذاً التمسك بالإطلاق لا معنى له مادام هذا حكماً في واقعة، فهو ليس تمسكاً بإطلاق اللفظ وإنما هو تمسك بإطلاق المقام ولكن نحتمل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحرز بقاء الشاة فحينئذٍ أجاز، فلا يصلح أن تكون هذه الرواية شاهداً، فإذاً هذه قضية في واقعة فلا ينعقد لها إطلاق.

ثانياً: - إنَّ بين شراء الشاة ثم اخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فترة قصيرة واحتمال موت هذه الشاة خلال هذه الفترة شيء بعيد، فالإطلاق يصعب التمسّك به من هذه الناحية لاستبعاد موت الشاة خلال هذه الفترة القصيرة.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ جميع الروايات التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) في مقابل صاحب الجواهر(قده) قابلة للتأمل لما أشرنا إليه، وأيضاً مناقشته من خلال النقض هي ايضاً محل تأمل كما أشرنا، فالنقض والحل معاً قابلان للتأمل.

يبقى شيء يسجل على الشيخ الأعظم(قده):- وهو التمسك بالآيات الكريمة، فكان من المناسب له التمسك بإطلاق بعض الآيات الكريمة إلى جنب الروايات من قبيل ( أوفوا بالعقود ) فإنه تمسك بها لتصحيح عقد الفضولي، فكان من المناسب أن يتمسّك بها مع الروايات، فهذا شاهد جيد فنقول إنَّ مقتضى اطلاق ( أوفوا بالعقود ) أنَّ عقد الفضولي بالاجازة ينتسب إلى المالك سواء فرض أن المالك السابق مات أو لم يمت فيشمله ( أوفوا بالعقود ) بإطلاقه، وهذا طريق واضح ومعبّد أما أنه يأتي عليه إشكال أو لا فهذا أمرٌ آخر.


[3] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الأنصاري، ج3، ص359_ 360.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo