< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

وأما على الكشف: - فهناك رأيان: -

الأول: - يقول مرة نفترض احتمال تحقق الاجازة من المالك وأخرى نفترض الجزم بتحقق الاجازة من المالك، فإذا لم نجزم بتحقق الاجازة من المالك فيجوز للأصيل - الذي باع الدار- أن يتصرف إذ المفروض لم يجزَم بتحقق الاجازة وبالتالي لا نجزم بتحقق النقل والانتقال والملكية فهو باقٍ إذاً على ملكه، بل مقتضى استصحاب عدم تحقق الاجازة – وهذا الاستصحاب الاستقبالي- ولا تتحقق فيجوز آنذاك التصرف بلا مانع ، ولكن إذا تصرف الأصيل - البائع في فرضنا - ثم بعد ذلك أجاز المالك فنحكم بأن هذا التصرف باطل، لأنه ينكشف أنَّ النقل والانتقال ثابت من حين العقد، فمع بقاء العين يردّها إلى المالك الجديد - أي إلى المشتري - وعلى تقدير تلفها يضمن له البدل ، وأما إذا عُلِم بحتمية تحقق الاجازة فلا يجوز التصرف.

وقد نقل الشيخ الأعظم(قده) هذا التفصيل عن بعض المعاصرين، وهو حينما ( عن بعض المعاصرين ) يقصد بذلك صاحب الجواهر(قده)، ولكن لم نجد ذلك عند صاحب الجواهر، قال الشيخ الأعظم(قده):- ( وربما اعترض عليه بعدم المانع من التصرف لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له ولذا صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقاً ، نعم إذا حصلت الاجازة كشفت عن بطلان كل تصرف منافٍ لانتقال المال إلى المجيز فيأخذ المال مع بقائه وبدله مع تلفه، نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له لتصرف ) [1]

وهو رأي وجيه.

الثاني: - ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده): حيث إنه على الكشف لا يجوز التصرف مادمنا نحتمل تحقق الاجازة، بل لو قطع بعدم تحقق الاجازة لا يجوز للأصيل التصرف أيضاً ، فالبائع لا يجوز له التصرف في داره بأن يبيعها أو يؤجرها لشخصٍ آخر.

وهذا غريب منه: - فإنه إذا جُزِم بعدم تحقق الاجازة فقد جُزِم بعد تحقق النقل الانتقال، فهو باقٍ على ملكه السابق فلماذا لا يجوز له التصرف؟!، ودليله هو أنه قال ( لعموم وجوب الوفاء بالعقود )، والظاهر أنَّ مقصوده من العموم هو الاطلاق، أي أن دليل وجوب الوفاء بالعقود مطلقٌ ولم يقيد بتحقق الاجازة، يعني أنَّ الآية الكريمة قالت ( أوفوا بالعقود ) ولم تقل أوفوا بالعقود على تقدير الاجازة.

ووجه الغرابة والاشكال عليه: - هو أنه من دون إجازة لا ينتسب العقد إلى الطرفين - يعني البائع الأصيل والمالك الجديد - فإذاً لم ينتسب العقد إليه كيف نتمسّك بإطلاق أو عموم ( أوفوا بالعقود )؟!!

وربما يقول قائل تأييداً للشيخ الأعظم: - إن الآية الكريمة قالت ( أوفوا بالعقود ) ولم تقل أكثر من ذلك، فهي مطلقة فنتمسك بإطلاقها ويكون الحق مع الشيخ الأعظم(قده).

والجواب: - إنَّ المقيد اللُّبي موجود جزماً، وإلا لو فرض أن شخصين أجريا عقداً فهل يجب عليَّ أو عليك رغم كوننا أجنبيين ولسنا من طرفي العقد الوفاء وهل نقول إنَّ الآية مطلقة وقالت ( أوفوا بالعقود ) فيجب علينا الوفاء؟!، إنَّ هذا لا يمكن قبوله، فإن القرآن الكريم يتكلم مع الطرف صاحب المعاملة وتوجد قضايا واضحة يعتمد فيها على الوضوح.

فإذاً لابد من تقييد كلمة العقود، أما ما هو القيد؟ وهو أن نقيّد بكونها العقود الصادرة منكم، أو لا أقل بقيد بالعقود المنتسبة إليكم، وهذا مقيد لبّي عرفي، فإنه إذا لم يكون العقد منتسباً لي كيف يجب عليَّ الوفاء به؟!، ومعلوم أن المالك الجديد[2] إذا لم يُجِز فالعقد لا ينتسب إليهم، فإذاً لا يوجد عقد منتسب إلى الطرفين، وحينئذٍ لا يصدق عقدٌ منتسبٌ إلى الطرفين حتى يتوجه ( أوفوا بالعقود ).

إذاً لا معنى للتمسك بطلاق ( أوفوا بالعقود ) فإنَّ المقيد اللبي القطعي موجود وهو أشبه بالمقيد المتصل وأن المقصود مثلاً أوفوا بالعقود المنتسبة إليكم، ولا انتساب إلى المالك الجديد قبل تحقق الاجازة، قال(قده): - ( مقتضى عموم وجوب الوفاء ....... وجوبه على الأصيل[3] ....... ووجوب الوفاء عليه ليس مراعى بإجازة المالك بل مقتضى العموم وجوبه حتى مع العلم بعدم إجازة المالك )[4] .

وهل يمكن توجيه ما أفاد الشيخ الأعظم(قده) بشكل وآخر؟

والجواب: - إنه قد يوجه بتوجيهين: -

التوجيه الأول: - إنَّ المدار في صحة عقد الفضولي على عدم الرد وليس على الاجازة، وحيث أنَّ المالك لم يرد وإن كان في نفس الوقت لم يجز فيكون ذلك مشمولاً لـ( أوفوا بالعقود ).

والجواب واضح: - فإنَّ العقد لا ينتسب إلى الشخص بمجرد عدم الرد، فلو فرض أنه قيل لي إنَّ فلان باع دارك بالفضولية وسكتُّ عن ذلك من دون أن يدل سكوتي على القبول وإنما كان سكوتي ناشئاً عن تحيّر فهل يحتمل أنَّ هذا السكوت وحده يكفي لمضيّ العقد وشمول ( أوفوا بالعقود ) له ؟ إنَّ هذا كلام أوّل الكلام ولا يحتمله عاقل ولا متشرع، فإذاً هذا التوجيه ليس بتام.


[2] ونعبّر هنا بالمالك الجديد من باب ضيق التعبير.
[3] وهنا هو الذي باع داره ولا علم أن الطرف الآخر فضولي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo