< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 67 ) – اشتراط اللفظ في تحقق الاجازة – شروط المتعاقدين.

الطائفة الثالثة:- وهي ما ورد في العبد فيما إذا تزوج من دون إذن مولاه والامام عليه السلام قال ( إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز ) ، وسنقرأ الرواية ، والشيخ الأعظم(قده) لم يقرّب الدلالة وإنما تلفظ بلفظة تصلح أن تكون تقريباً حيث قال :- ( دلت على أنَّ المانع من الصحة هي المعصية التي تزول بالرضا ) فهذا قد يستفاد منه أنه يريد أن يقرّب الدلالة وأنه إذا رضي المولى تزول المعصية فيكفي ذلك.

والرواية هي:- روى محمد بن يعقوب عن علي بن أبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة[1] عن أبي جعفر عليه السلام:- ( سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال:- ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما ، قلت:- أصلحك الله إنَّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إنَّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه السلام:- إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا اجازه فهو له جائز )[2] ، وقد قلنا إنَّ تقريب الدلالة على ما يريده الشيخ الأعظم(قده) هو من هذه الكلمة التي ذكرها حيث نقول إنَّ الرواية ذكرت أنَّ لمانع من الصحة هو عصيان المولى وهو يزول برضاه ، فإذاً المدار على رضا المولى.

ويردّه:-

أولاً:- إنَّ موردها هو تزويج العبد نفه وليس غيره بالفضولية فما صدر من العبد ليس هو العقد الفضولي بذلك المعنى أي الفضولية الكالة بل هي إن صحّ التعبير نصف فضولية لأنه تصرف في نفسه ولكن من دون إذن المولى ولعل هذا يتساهل فيه ما لا يتساهل في غيره ، فالرواية دلت فيه على كفاية الرضا فلا يمكن أن نستفيد أن الفضولي لو تصرف في أموال غيره أو في نفس غيره أيضاً يكفي الرضا فهذه الرواية في غير موردنا فموردنا هو الفضولية الكاملة لا الفضولية الناقصة ، فلا تنفعنا.

لعل الرضا هنا وطيب النفس يكفي مسالة الزواج كما في الزواج ببنت أخ الزوجة أو بيت أختها فكما يكفي رضاهما وطيب نفسهما من دون حاجة إلى لفظ وإجازة ، فلعله هنا لخصوصية في المورد كما الزواج ببنت أخ الزوجة أو أختها يكفي طيب النفس والرضا وإن لم يكن هناك مبرز لخصوصية في المقام.

ثالثاً:- إن الرواية قالت ( فإذا أجاز جاز ) فجعلت المدار على الاجازة أما أنَّ الاجازة بم تتحقق فهل تتحقق بالرضا الواقعي أو يحتاج إلى لفظ فهذه قضية مسكوت عنها إن لم نقل بأن تعبير ( فإذا اجاز ) ظاهر في لزوم ابراز شيء حتى يصدق عنوان الاجازة ، فإذاً لا يمكن أن يستفاد منها أنَّ الرضا الواقعي يكفي.

وأما ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنه يمكن أن يقال إنَّ الرضا يكفي باعتبار أنَّ العصيان يزول بالرضا فجوابه:- إنَّ الامام عليه السلام بعدما جعل المدار على الاجازة لا معنى للتمسك بما ذكره من أنَّ المعصية تزول بالرضا فهذا في الحقيقة إن تم إذا لم يجعل الامام عليه السلام المدار على الاجازة أما بعدما جعل المدار على الاجازة فما ذكره لا معنى له وعلى الأقل ما ذكره معارض بجعل المدار على الاجازة فتصير الرواية مجملة من هذه الناحية.

وهنا كلام ذكره السيد الخوئي(قده) حاصله[3] :- إنَّ سكوت المولى يمكن أنقول هو نحو مبرزٍ للرضا ، فيصير المدار على الرضا المبرز لا على الرضا الواقعي من دون إبرازٍ بمبرز.

الاشكال عليه واضح:- فإنَّ الرواية لم يرد فيها لفظ ( سكوت ) حتى يتمسّك به ، فحصلت غفلة من هذه الناحية ، ولعله حصل التباس بين روايةٍ وأخرى ، فلا معنى لأن يقول إن السكوت هو نحو مبرزٍ للرضا ، فهنا لم يفرض سكوت المولى حتى يتمسّك به.

الطائفة الرابعة:- ( ما دل على أنَّ التصرف من ذي الخيار رضا منه ) ، يعني من اشترى شيئاً وعنده خيار ولكنه تصرّف رغم علمه بالموجب للخيار كالعيب فتصرفه حينئذٍ يكون رضا منه وهذا يدل على أنَّ المدار على الرضا ، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( الشرط[4] في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط ، قيل له :- وما الحدث ؟ قال:- إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء .... الحديث )[5] ، وتقريب الدلالة كما ذكرنا أنه عليه السلام قال ( فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً فذلك رضا منه ) فيدل على أنَّ المدار على الرضا.

وجوابه:-

أولاً:- يمكن أن نقول إنَّ المدار على الرضا المبرز ، لأن الامام عليه السلام قال ( فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً فذلك رضا منه ) وهذا يعني أنَّ الحدث الدال على الرضا - أو لا أقل الرواية تحتمل ذلك - فذلك رضا منه ، وإلا فنفس الحدث ليس هو رضا وإنما يدل على الرضا ، فإذاً المقصود إن لم يكن جزماً هو هذا فلا أقل الرواية مجملة ، فالمقصود نأنه مع الحديث الدال على الرضا آنذاك يتحقق امضاء العقد.

إذاً الرواية لا تدل على أنَّ المدار على الرضا المجرّد وإنما إذا أحدث حدثاً يدل على الرضا ، والامام علي السلام اختصر هذه العبارة فعبَّر بهذا التعبير ، وما ذكرناه إن لم يكن مقصوداً جزماً فلا أقل الرواية تتحمل ذلك ، وبذلك تصير مجملة لا يصلح أن يتمسّك بها الشيخ الأعظم(قده).

ثانياً:- إنَّ الرواية أجنبية عن المقام بالكلية ، لأنَّ كلامنا في الاجازة بينما مورد الرواية هو اسقاط الخيار ، فهما ليسا من وادٍ واحد بل من واديين مختلفين ، فالرواية ناظرة إلى إسقاط الخيار والشيخ الأعظم(قده) غافل عن ذلك بالكلّية ، والقرينة على أنه غير ملتفتٍ إلى ذلك هو أنه لو كان ملتفتاً إلى ذلك فلا أقل يقول إنَّ موردها وإن كان هو سقوط الخيار دون اجازة الفضولي ولكن لا فرق بينهما ، فلا أقل ينبّه على ذلك ويقول إنه لا فرق بينهما ، فعدم بيانه لذلك يدل على أنه حصلت غفلة منه عن هذا.

وأما سندها:- فهي عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا ، وقد يقول قائل إن العدة مجهولة وعلى هذا الأساس تكون غير معتبرة ، وقد يجيب مجيب كما أجاب السيد الخوئي(قده) حيث سألته بعد الدرس مرةً وقلت له كيف تبني على اعتبار هذه العدة فأجاب وقال إنه في بداية الكافي في أوّل حديث قال الشيخ الكليني ( عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى ) وهذا قرينة على أنه دائماً يريد من العدّة الذين أحدهم محمد بن يحيى ، ولكني لم أر ذلك في كلماته ، فهو لم يتعرض إلى هذا في التقرير ، ولكنه أجاب بهذا الجواب.

والتأمل في ذلك واضح:- فإنَّ هذا صحيح في هذا المورد ، ولكن كيف تثبت أنَّ الأمر هكذا دائماً في كل الموارد ، ولو طرحنا هذا على السيد الخوئي(قده) فسوف يجيب بأنَّ المقصود هو أنَّ ظاهره هو هذا ، ولو كانت القضية هكذا فقد صارت قضية استظهارية والأمر إليك ، وعليه فقد يتغلّب على مشكلة العدّة من هذا الطريق.

ويوجد طريق آخر لحل هذه المشكلة:- وهي أنَّه توجد عند العلامة الحلي(قده) فوائد في آخر الخلاصة قال في أحدها:- ( إنه كلّما قال الكليني عدّة من أصحابنا عن فلان فالمقصود منهم فلان وفلان وفلان ، وكلما قال عن فلان الآخر فالمقصود منهم فلان وفلان ) ، وحيث إنَّ أحد العدَّة حسب تفسير العلامة هو من الثقات كفى ذلك.

وجوابه:- من أين للعلامة هذا فإنه لا يعرف له سند ؟!! ، فلعله من استظهاراته ، كاستظهار السيد الخوئي(قده) من عبارة الشيخ الكليني(قده) التي ذكرها في الراوية الأولى من الكافي ، فلعل هذا اجتهاد من العلامة ، وعلى هذا الأساس تبقى المشكلة في العدّة على حالها ، إلا عدّة واحدة وهي العدَّة عن أحمد بن محمد بن عيسى ، فإنَّ النجاشي بمناسبة يذكر بسندٍ معتبر أنَّ المقصود من هذه العدَّة هم فلان وفلان ، ولكن في عدّةٍ واحدة فقط وهي عدَّة أحمد بن محمد ، ولو لم يذكر النجاشي السند لرفضنا ذلك كما رفضنا ذلك من العلامة.

ولا تقل:- لماذا تقبل توثيقات النجاشي ولا تقبل تفسيره للعدَّة ؟

فنقول:- إنَّ التوثيقات نأخذ بها لأنه توجد كتب ويوجد وضوح ، كما نحن الآن نوثق الشيخ الأنصاري والشيخ العراقي والشيخ النائيني فإنَّ هذا من الأمور الواضحة ، فالتوثيقات في ذلك الزمان يمكن أن يقال هي هكذا حيث إنَّ كتب التراجم وغير ذلك كانت موجودة ، وهذا بخلاف عدّة الكليني فكونها واضحة بهذا المقدر شيء بعيد ، فيوجد تفاوت واضح بين الموردين ، فعلى هذا الأساس ربما يقال بأنَّ العدة تبقى على اجمالها وحينئذٍ تسقط عن الاعتبار.

ولكن يمكن التغلّب على ذلك بطريق آخر حيث نقول:- إنَّ العدّة أقلها ثلاثة ، واجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب في قضية لا داعي للكذب فيها ضعيف بحساب الاحتمال ، فيتولد الاطمئنان بأنَّ القضية ليس فيها تدليس ، وهذا طريق استظهاري وليس علمياً ، فإن قبلته فبها ونعمت وإلا فلا.


[1] والسند معتبر، فهو عالي جداً.
[3] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص379.
[4] ومقصوده من الشرط هنا الخيار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo