< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

قال السيد الخوئي(قده) في كتاب النكاح:- ( وهذه الرواية وإن كانت مروية بطريق الشيخ بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضّال وأن الطريق ضعيفاً ألا أنها معتبرة نظراً إلى أنَّ الشيخ قدس سرّه إنما تلقى كتاب ابن فضّال مع النجاشي عن شيخهما ابن عبدون طريقه هذا ضعيف أيضاً إلا أنه بعد أن يذكر طريقه هذا يذكر أن له إلى هذا الكتاب طريقاً آخر وهو ما تلقاه عن شيخه محمد بن جعفر ، وحيث أن من غير المحتمل أن يكون ما تلقّاه الشيخ قدس سرّه من ابن عبدون مختلفاً عما تلقاه النجاشي منه كان وجود طريقٍ معتبر للنجاشي إلى كتاب ابن فضّال كافياً في الحكم بصحة ما يرويه الشيخ قدس سره عن كتاب ابن فضّال )[1] .

فالمهم نحن أشرنا إلى أننا نعتمد على طريق النجاشي الآخر ، ولولا طريقه الآخر الذي بدايته محمد بن جعفر لا يكفينا ذلك الطريق الذي بداليته ابن عبدون فإن فيه الزبيري كما ذكرنا.

ولعل عبارته في مباني التكملة تلمّح وتشير من بُعدٍ إلى هذا حيث قال:- ( المخبر بكتب علي بن الحسن بن فضّال بالنسبة إلى الشيخ والنجاشي واحد وهو أحمد بن عبدون فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي وبما أنَّ للنجاشي طريقاً آخر معتبراً فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة )[2] .

فإذاً صار مقصود السيد الخوئي(قده) واضحاً وهو الاستعانة بالطريق الآخر.

وبعد أن اتضح هذا المطلب نقول:- إنَّ ما أفاده السيد الخوئي(قده) يتركب من مقدمات ثلاث:-

المقدمة الأولى:- إنَّ شيخ العلمين واحدٌ وهو ابن عبدون فإنه نقل إليهما روايات ابن فضّال ، والمنقول من قبل ابن عبدون إليهما واحد ، لا أنه نقل للشيخ بشكلٍ وللنجاشي بشكلٍ آخر.

وكيف نثبت هذه المقدمة ؟

والجواب:- إنه لم يتعرض في كلامه إلى هذا ، ولكن الظاهر أنه واحد ، ونحن نقول لإثباتها: إنَّ ما تلقّاه ابن عبدون عن ابن فضّال حيث إنه واحد فيلزم أن ينقل هذا الواحد ، إذ لو نقل بشكل آخر لأحدهما للزم أن يكون ابن عبدون كاذباً ، والمفروض أنه ثقة ، فثبتت هذه المقدمة.

المقدمة الثانية:- إنَّ النجاشي يوجد له طريقان إلى ورايات ابن فضّال أحدهما ابن عبدون عن الزبيري عن ابن فضّال والآخر محمد بن جعفر عن ابن عقدة عن ابن فضّال ، وقد نقل النجاشي هذا المعنى.

المقدمة الثالثة:- الظاهر أنَّ ما نقله النجاشي بأحد الطريقين قد نقله بالطريق الآخر ، يعني لا يوجد اختلاف بين النقلين ، أذ لو كان ما نقله محمد بن جعفر للنجاشي من روايات ابن فضّال مغايراً لما نقله ابن عبدون للنجاشي لنبّه النجاشي عليه وقال هكذا ( أخبرني ابن عبدون بالرواية ولكن ابن جعفر أخبرنيٍ بشكل آخر ) ، فعدم تنبيهه على الاختلاف في نقلهما لروايات ابن فضال وسكوته عن الاختلاف يدل عرفاً على وحدة المنقول.

وإذا تمت هذه المقدمات الثلاث ثبت أنَّ ما ينقله الشيخ الطوسي بطريق ابن عبدون عن الزبيري عن ابن فضّال هو متَّحد مع ما نقل النجاشي عن محمد بن جعفر عن ابن عقدة عن ابن فضّال ، وحيث إنَّ الطريق الثاني صحيح فالمنقول بالطريق الأول يكون صحيحاً ، لأنه مطابق للنقل الآخر.وأساس هذه المقدمات هما المقدمة الأولى والثالثة.ولكن يمكن مناقشة كلتا المقدمتين:-

أما المقدمة الأولى:- نقول صحيح أنَّ ما نقله ابن فضّال إلى الزبيري يلزم أن يكون واحداً ، ولكن هذا صحيح إذا فرض أنه كان واصلاً إلى الزبيري بالقراءة ، يعني كان ابن فضّال يقرأ والزبيري يستمع ، ولكن لعل ابن فضّال أعطى الزبيري نسخة والزبيري كتب نسختان وقد غيّر فيهما ، أو غيّر في نسخة واخدة ، ويكفينا تغييره في إحدى النسختين - بعد فرض أنَّ الزبيري لم تثبت وثاقته - ثم دفع النسختين إلى ابن عبدون وابن عبدون استنسخ النسختين ودفع أحدهما إلى الشيخ والثاني إلى النجاشي ، فإذاً ابن عبدون لم يصنع خلافاً وزلالاً وانحرافاً وإنما دفع ما وصل إليه من النسخ واحدة إلى الشيخ وواحدة إلى النجاشي ، وفي مثل هذه الحالة لا ثبت مطلوبنا الذي نريده بعد احتمال التزوير في إحدى لنسختين أو كليهما من قبل الزبيري.

إن قلت:- أليس ابن عبدون يطابق هذه النسخة مع تلك النسخة ، فلابد أنه طابقهما فرأى أنهما واحدة ؟

قلت:- إنَّ عملية المطابقة ليست بالأمر السهل ، فهو كتب نسخة في وقت ثم كتب نسخة أخرى في وقت آخر ولعل الفاصل بين كتابتهما طويل ، وواحدة من النسخ توجد فيها الرواية وفيها عبارة ( يجوز كذا ) وفي النسخة الثانية توجد عبارة ( لا يجوز كذا ) ، وحيث إنَّ الفاصل طويل فإثبات وحدة النسختين أو تغايرهما شيء صعب ، نعم هذا يتم فيما إذا فرض أنه جلس ونظر فيهما وحصل له الاطمئنان بالوحدة.

والخلاصة:- إننا نحتمل وصول نسختين من قبل الزبيري إلى ابن عبدون وقد دفع ابن عبدون احداهما إلى النجاشي والأخرى إلى الشيخ الطوسي ، وهذا الاحتمال لا دافع له ، والمفروض أنَّ الشيخ والنجاشي في عبارتهما لم يقولا إنَّ ما وصل عن ابن فضّال قد وصل كلّه بالقراءة ، لأنه إذا كان بالقراءة على الشيخ فاحتمال التزوير هنا يكون بعيداً ، وإنما قال الشيخ الطوسي:- ( أخبرنا بكتبه قراءة عليه أكثرها[3] والباقي اجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً واجازةً عن علي بن الحسن بن فضّال ) ، فإذاً كتب بني فضّال التي وصلت إلى الشيخ الطوسي من خلال ابن عبدون بعضها قراءة وبعضها بالاجازة - يعني أن ابن عبدون أعطاه نسخة وقال له أجزتك أن تروي هذه النسخة - ، وأيضاً قال النجاشي:- ( وقرأت أنا كتاب الصيام عليه[4] في مشهد العتيق عن ابن الزبير عن علي بن الحسن وأخبرنا بسائر كتب ابن فضّال بهذا الطريق ) ، يعني أحمد بن عبدون عن الزبيري عن ابن فضّال ، فلعله كان بالاجازة أيضاً فإنه يصدق ( أخبَرَنا ) بالاجازة ، فإذا كان بالاجازة فإثبات وحدة النسختين ليس بالأمر السهل.

ثانياً:- إنه يرد على المقدمة الثالثة أنَّ السيد الخوئي(قده) قال الظاهر إنَّ ما نقله النجاشي عن محمد بن جعفر يطابق ما نقله النجاشي عن أحمد بن عبدون.

ونحن نقول:- إنَّ اثبات المطابقة شيء صعب، فلعله أعطى هذا نسخة من روايات ابن فضّال وأعطى ذاك نسخة أخرى من روايات ابن فضّال ، يعني أنَّ محمد بن جعفر أعطى نسخةً للنجاشي ، ومحمد بن عبدون أعطى نسخةً للنجاشي ، وعبارة النجاشي لا تنافي هذا ، فكيف نثبت أنَّ هذه النسخة مطابقة لتلك النسخة ؟

وقولك:- إنه لو كان هناك اختلاف لنقله.

يرد عليه:- إنَّ هذا يتم فيما إذا كان النجاشي حينما أخذ هذه النخسة وتلك النسخة طابقهما معاً فلم يجد بينهما اختلافاً ، بل لعله أخذ النسخة ووضعها مع كتبه ، وتلك النسخة الأخرى وضعها مع كتبه أيضاً ، فيصدق أنَّ روايات ابن فضّال وصلت بهذا الطريق ووصلت بذاك الطريق ، أما أنَّ هذه النسخة تطابق تلك النسخة فلا مثبت له ، نعم إذا كان الجميع وصلت إليهم الروايات بالقراءة فهذا ربما يكون شيئاً صحيحاً ، أما إذا وصل بالنسخة فلا يمكن اثبات اتحاد النسختين.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ هذه الطريقة محل إشكال لما ذكرناه ، إلا أنَّ الذي يسهّل الخطب هو أنَّ مشايخ الاجازة المعروفين بإجازاتهم لا يحتاجون إلى توثيق ، باعتبار أنَّ هؤلاء لو كان فيهم زلل لما قُصِدوا لكسب الاجازة ، فنفس توجّه الرواة إلى كسب الاجازة من شخصٍ بكثرةٍ فيه دلالة عرفية على أنَّ هذا الشخص ثقة ، كالأغا بزرك الطهراني والمرعشي النجفي حيث كانا يُقصَدان بكسب الاجازة وهذا فيه دلالة واضحة على أنهما بأعلى درجات الوثاقة.وبهذا ننهي كلامنا عن هذه الرواية دلالةً وسنداً.

[3] أي كتب ابن فضّال.
[4] يعني على ابن عبدون.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo