< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 61 ) ، مسألة ( 62 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

مسألة ( 61 ):- لو أكرهه على بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة وصح بيع الولد...........................................................................................................مضمون المسألة واضح ، وهو أنَّ الاكراه متعلق ببيع الحيوان الأم ولكن المالك باع ولدها معها فحكم(قده) بالفساد بالنسبة لبيع الأم ، والوجه واضح ، لأنه مكره على بيع الأم ، وأما بالنسبة إلى الولد فليس مكرهاً على بيعه فيكون بيعه صحيحاً.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة حيث قال:- ( ولو اكره على بيع معيّن فضم إليه غيره وباعهما دفعة فالقوى الصحة في غير ما اكره عليه )[1] ، والتوجيه الفنّي لهذا ما أشرنا إليه.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذا وجيه إذا فرض أنَّ بيع الولد لم يكن طيب النفس به متفرّعاً على الاكراه ، فإنه قد يبيع المالك الولد ولكن من باب أنه أكره على بيع الأم فبالتالي هو يبيع الولد ويرضى ببيعه ولكنه رضاً متفرع على الاكراه ، ومثل هذا الرضا يكون بحكم الاكراه كما تقدم.

فإذاً المناسب هو التفصيل ، دون ما أفاده(قده) ، فيقال يصح بيع الولد إن لم يكن الرضا ببيعه متفرّعاً على الاكراه ، هكذا ينبغي أن يقيّد بهذا القيد ، وإلا أمكن الحكم بالبطلان من باب أنَّ هذا رضاً متفرع على الاكراه فهو بحكم الاكراه.

إن قلت:- إنَّ بطلان بيع الولد مخالف للمنَّة ، لأنَّ المالك سوف يضطر إلى بيع الولد ، إذ بقاء الولد من دون أمه أمر حرجي وصعب عليه ، فهو بالتالي مضطر إلى بيع الولد كي لا يقع في الحرج ، فصحة البيع حينئذٍ هي التي تكون موافقة للامتنان.

وبالأحرى قل:- إنه مضطر إلى بيع الولد ، والاضطرار كما تقدم ليس من موجبات بطلان المعاملة ، فمن اضطر إلى بيع داره لعلاج أو لقضاء دَين يحكم بصحة البيع ، لأنَّ البطلان مخالف للمنَّة وسوف يبقى الدَّين حينئذٍ من دون ما يمكن القضاء به أو المرض يبقى بلا علاج ، فهنا أيضاً كذلك نقول من المناسب الحكم بصحة بيع الولد ، باعتبار أنَّ المالك مضطر إلى بيع هذا الولد إذ يبقى بلا أم وهذا يشكّل له حرجاً .

قلت:- إنَّ الاضطرار على نحوين ، فتارةً يكون الاضطرار متفرّعاً على الاكراه ، وأخرى لا يكون متفرّعاً عليه ، فإذا لم يكن متفرّعاً على الاكراه من قبيل المرض أو يوجد عنده ديَن ويريد قضاءه فهنا هذا الاضطرار ليس متفرّعاً على الاكراه ، فالمناسب هنا الحكم بالصحة ، وذلك هو الموافق للمنَّة ، وهذا بخلافه فيما إذا كان الاضطرار متفرّعاً على الاكراه فإنه بحكم الاكراه.

فإذاً لابد من التفرقة بين نحوين من الاضطرار.

ولك أن تقول شيئاً آخر:- وهو أن نقول إنَّ صحة بيع الولد لو كانت موافقة للمنَّة فإنما تحصل الموافقة للمنَّة فيما لو فرض أنَّ بيع الأم كان صحيحاً ، بيد أنَّ المفروض هو أنَّ بيع الأم للإكراه ، يعني أنَّ الكلمة قد اتفقت على أنَّ بيع الأم باطل جزماً للإكراه ، حينئذٍ بطلان بيع الولد لا يولّد مشكلةً جديدة ، إنما تتولد مشكلة فيما لو فرض أنَّ بيع الأم كان صحيحاً فمن المناسب صحة بيع الولد ، أما إذا فرض أنَّ بيع الأم كان باطلاً فبطلان بيع الولد لا يوجب زيادةً في المحذور ، فهو يبيعه ولكن البيع يكون مكرهاً عليه ويكون باطلاً.

يبقى شيء:- وهو أنَّه ماذا يفعل البائع المكرَه بثمن الأم والولد لأنَّ المفروض أنَّ البيع باطل ؟ليس من البعيد أن نقول إنه يجوز له أن يأخذه من باب المقاصّة ، فيجوز له حينئذٍ أن يتصرف فيه ، فإذاً سوف تنحل مشكلته ، فالولد قد أخذه المكرِه وبالتالي يجوز المشتري أن يتصرّف في الثمن من باب المقاصّة ، وعلى أيّ حال مادام بيع الأم فاسداً فلا يكون في بطلان بيع الولد زيادةً في المحذور ، بل لا يلزم من ذلك محذور زائد حتى نتغلّب عليه من خلال الحكم بالصحة.إذاً لا مشكلة من هذه الناحية ، وكان المناسب للسيد الماتن(قده) أن يفعل هكذا ، وإذا أردنا أن نعلّق فنقول ( صحّ بيع الولد إن كان الرضا ببيعه ليس متفرعاً على الاكراه على بيع الأم وإلا بطل كبيع الأم ).

بقي شيء:- وحاصله: إنَّه كيف يمكن توجيه التبعيض في الصفقة الواحدة ؟ ، يعني أنَّ السيد الماتن حكم بالصحة بلحاظ بيع الولد ونحن وافقناه إذا لم يكن الرضا ببيعه متفرّعاً على الاكراه على بيع الأم ففي مثل هذه الحالة نحكم بالصحة ، فيحصل حينئذٍ تفصيل بين الحكمين ، فحكم بيع الأم باطل ، وحكم بيع الولد صحيح ، الحال أنه بيع واحد والبيع الواحد إما أن يكون صحيحاً بلحاظ الاثنين أو يكون باطلاً بلحاظ الاثنين ، أما أنه يكون صحيحاً بلحاظ واحدٍ وباطل بلحاظ واحدٍ فهذا خلف الصفقة الواحدة ، فالصفقة الواحدة إما أن يكون الكل صحيحاً ويأخذ الكل أو الكل باطلاً ولا يأخذ شيئاً منه ، أما أن نبعّض ونقول إنه بالنسبة إلى نصفٍ صحيح ويأخذه وأما بالنسبة إلى النصفٍ الآخر فليس بصحيح فهذا تبعيض يحتاج إلى مثبت ، والمفروض أن المعاملة قد وقعت على المجموع من حيث المجموع ، فلو كنّا والقاعدة فربما يصح الاشكال بذلك وهو أنه كيف نقسّط ؟

والجواب:- إنَّ هذا وجيه إذا لم يكن التقسيط أمراً عقلائياً ، وأما إذا كان أمراً عقلائياً فحينئذٍ لا يكون مخالفاً للقاعدة بعدما فرض أنَّ المناسب هو أن البيع يكون صحيحاً فيما يتراضى عليه الطرفان ، فإذا تراضيا على نصفٍ ولم يتراضيا على النصف الآخر فربما يقال بأنَّ القضية العقلائية تقتضي التقسيط ، فنتمسّك بأدلة الصحة بهذا النحو إذا فرضنا أنَّ هذه القضية عقلائية ، وأنا لست جازماً بهذا أو بذاك ، ولكن إذا شكّكنا في عقلائية ذلك فلنا التمسّك ببعض الروايات الدالة على التقسيط ، من قبيل محمد بن الحسن الصفار الواردة فيمن باع ما يملِك مع ما لا يملِك ، فأجاب الامام العسكري عليه السلام:- ( لا يجوز بيع ما ليس يملِك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملِك )[2] ، وموردها وإن كان خاصاً ولكن العرف يلغي الخصوصية من هذه الناحية ، وربما بالفحص توجد روايات أخرى.

إذاً لا موجب للإشكال من هذه الناحية بعد وجود الرواية ، وإذا قلنا إنَّ التقسيط أمر عقلائي فالأمر يصير اوضح.

 

مسألة ( 62 ):- لا يعتبر في صدق الاكراه عدم إمكان التفصي بالتورية، فلو أكرهه على بيع داره فباعها مع قدرته على التورية لم يصح البيع...........................................................................................................مضمون المسألة واضح ، وحاصله إنَّ الشخص إذا أكره على بيع داره مثلاً فالبيع يقع باطلاً لأجل الاكراه ، ولكن إذا أمكنه التفصّي بأن يهرب من المكرِه مثلاً فهنا لا يصدق الاكراه عرفاً لإمكان التفصّي ، وهذا ينبغي أن يكون شيئاً واضحاً ، إنما الكلام في أنه هل يلزم العجز عن التفصّي بالتورية بأن لا يقصد بقوله ( بعت ) إنشاء البيع وإنما يقصد الإخبار فهذا نحوٌ من التورية ، فصحيح أنه يوجد عنده دار أخرى قد باعها قبل فترة بكذا مقدار من المال فلا يكون كذاباً ، فإذاً العجز عن التفصّي بغير التورية بأن يهرب معتبرٌ ، فلو أمكن التفصّي بغير التورية لا يصدق الاكراه ، فلو باع فسوف يقع البيع صحيحاً ، لأنه ليس مكرهاً ، أما لو فرض أنَّ كل وسائل التخلص بغير التورية غير ممكنة والممكن هو التخلص من خلال التورية فقط ، فإذا أمكنه التخلص بالتورية فهل لا يصدق عنوان الاكراه أيضاً كما إذا أمكن التخلّص بغير التورية ؟فصّل(قده) وقال:- إنَّ القدرة على التورية لا تؤثر ، فسواء كنت قادراً على التورية أم لم تكن قادراً عليها فعلى كلا التقديرين يصدق الاكراه ، إنما الذي يضرّ في صدق الاكراه هو إمكان التخلّص بغير التورية.

وقد تعرضّ إلى هذه المسألة الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- ( ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه أو حكه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعَّد به ..... )[3] .

وكما قلت بادئ ذي بدء ينبغي أن يكون واضحاً أنه يشترط في صدق الاكراه عرفاً عدم إمكان التخلّص بغير التورية ، إنما الكلام في اشتراط عدم إمكان التخلّص بالتورية ، فبادئ ذي بدء يأتي إلى الذهن هذا المعنى ، والشيخ الأعظم(قده) حينما تعرّض إلى المطلب وكلمات الأصحاب حصل له نوع من الكرّ والفرّ ، ففي البداية ذكر أنه يمكن أن يقال لا يعتبر عدم إمكان التفصّي بكليهما ، ولكن نقله بهذا الشكل:- ( يلوح من بعضٍ أنه لا يعتبر عدم إمكان التخلص بالتورية أو بغيرها ) ، ثم بعد ذلك قال: ( يمكن أن يقال إنه بمقتضى القاعدة يعتبر عدم إمكان التخلّص من كليهما ).يعني هذا مقابل الأوّل تماماً ، فذاك قال لا يعتبر من كلتا الجهتين ، أما هذا يقول يعتبر عدم إمكان التخلّص من كلتا الجهتين بغير التورية بل وبالتورية ، ولكنَّ هذا القائل استدرك وقال نعم إذا أمكن التخلّص بالتورية فالإكراه صادقٌ ولكن لأجل الروايات نقول لا يضرّ إمكان التخلّص بالتورية.وكأنه يريد أن يقول:- إننا لو خلّينا نحن والصدق العرفي فمتى ما أمكن الشخص التخلص بغير التورية بل وبالتورية فحينئذٍ لا يصدق الاكراه ، ولكن بعد ذلك قال لو نظرنا إلى الروايات فحينئذٍ يمكن أن يقال إنَّ الروايات قد دلّت على أنَّ إمكان التخلّص بالتورية لا يضر ، إذاً لا يضر إمكان التخلص بالتورية هو لأجل الروايات ، هذا حكماً لا موضوعاً وإلا فالإكراه ليس بصادقٍ بلحاظ كلا الموردين.

والخلاصة- الأوّل قال إنه بمقتضى القاعدة لا يعتبر عدم إمكان التخلّص ، والثاني قال يعتبر عدم إمكان التخلّص وإلا لا يصدق الاكراه ولكن خرجنا بلحاظ التورية لأجل الروايات ، ثم ذكر بعد ذلك شيئاً ثالثاً وذلك بأن يقال نحن نفصّل موضوعاً لا حكماً ، فيقال إذا أمكن التخلّص بغير التورية فموضوع الاكراه لا يصدق ، وإذا امكن التخلّص بالتورية فعنوان الاكراه لا يكون صادقاً ، ولكنه صدقٌ عرفي لا لأجل الروايات ، فالتفريق موضوعي بلحاظ الموضوع عرفاً ، فإذاً إذا أمكن التخلص بالتورية فلا يصدق الاكراه عرفاً ، وإذا لم يمكن التخلص بالتورية فالإكراه يكون صادقاً.

إذاً صارت الاحتمالات التي تعرض إليها ثلاثة ، الاحتمال الأوّل هو أنَّ الاثنان لا يعتبران ، والاحتمال الثاني هو إنهما يعتبران بمقتضى القاعدة ، والاحتمال الثالث الذي نقوله هو أنه موضوعاً يعتبر عرفاً في صدق الاكراه عدم إمكان التخلّص بغير التورية ، وأما عدم إمكان التخلّص بغير التورية فلا يعتبر في موضوع الاكراه عرفاً . هذه تفرقة موضوعية عرفية بهذا الشكل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo