< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

وقد أجيب بعدة أجوبة:-

الجواب الأول:- ما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) وحاصله: إنَّ الاكراه على الجامع إكراه على كل فرد ، فإذا قال المكرِه بع إما الدار أو السيارة فهذا معناه أنَّ هذا الشخص مكرَه على بيع السيارة إن لم يبع الدار وعلى بيع الدار إن لم يبع السيارة ، فالإكراه على الجامع اكراه على الأفراد ، والمقصود هو أنَّ طيب النفس ليس بموجود مادام مكرَهاً على الفرد ، فهذا الفرد - وهو بيع السيارة مثلاً - حينما وقع فهو قد وقع ليس عن طيب نفس لأنه مكرَه عليه بسبب الاكراه على الجامع ، قال(قده):- ( فإنَّ ترجيح بعض الخصوصيات في مقام الاتيان لا يوجب أن تكون الخصوصيات أتى بها بطيب النفس بل ذلك من باب اختيار الأقل كراهةً أو من باب اختيار أحد المتساويين في الكراهة وأجنبي عن طيب النفس فإنه ليس كل ما اختاره الشخص يختاره بطيب نفسه وإلا لم يوجد إكراه )[1] .

وقد يشكل عليه بالإشكالات الأربعة التالية:-

الأول:- إنَّ ما ذكره مخالف للوجدان ، فإنَّ الاكراه على الجامع متعلّق بالجامع وليس متعلقاً بالفراد ، إذ هو يقول يلزمك إما هذا أو ذاك ، يعني أنَّ ( يلزمك ) متعلّق بالجامع ، فالإكراه متعلّق بالجامع فكيف تقول إنَّ الاكراه على الجامع هو إكراه على الأفراد فإنه هذا كلام يخالف الوجدان ؟

والجواب:- إنَّ كلمة الاكراه من الكلمات المشتركة ، فتارةً تستعمل بمعنى الجبر فيقال أنا مكره يعني مجبور ، وتارةً تستعمل بمعنى عدم طيب النفس ، فإذا كان المقصود هو المعنى الأوّل فما أفيد في الاشكال صحيح ، يعني أنَّ الإجبار على الجامع ليس إجباراً على أفراد ومصاديق ذلك الجامع ، أما إذا كان المقصود هو المعنى الثاني فالفرد حينما يوجد فجزماً هو يوجد من دون طيب نفس ، لأنه حينما أكرهني على الجامع فالجامع لا يمكن إيجاده إلا من خلال فرده ، فبالتالي أنا أوجد الفرد من دون طيب نفسٍ كي احقق الجامع ، ويحث إنَّ الموجب للبطلان في باب المعاملات ليس هو خصوص الاكراه بمعنى الجبر وإنما الاكراه بمعنى عدم طيب النفس فحينئذٍ عدم طيب النفس يكون متحققاً.

فإذاً وقع خلط بين الاكراه بمعنى الجبر وبين الاكراه بمعنى عدم طيب النفس ، والمهم لنا هو الثاني دون الأول ، وعدم طيب النفس متحقق بلحاظ الفرد بالوجدان ، فلو لاحظت الوجدان ترى أنه لا يوجد طيب نفس بإيجاد الفرد ، فإنه لو رفع عنه الاكراه فسوف لا يفعل الفرد.فإذاً ما ذكر يتم في الاكراه بمعنى الجبر ولا يتم في الاكراه بمعنى طيب النفس ومحل كلامنا في الثاني.

الثاني:- إنَّ لازم ما ذكرته هو أنه لو أكره الشخص إما على شرب الماء الطاهر أو الماء النجس فإذا اختار النجس فعلى رأيك يلزم أن يكون مكرهاً ، وبالتالي يكون معذوراً ولا يكون معاقباً ، لا يمكن الالتزام بذلك ؟

والجواب:- إنه يمكن أن يجيب ويقول: إني أتكلم فيما إذا كان كلا الطرفين من باب المعاملة ، أما إذا فرض أنَّ أحد الطرفين لم يكن معاملة وكان محرماً تكليفياً مثل شرب الماء المتنجّس فإنه محرّم تكليفي فهنا المدار في جواز شربه ليس على طيب النفس وعدم وطيبها بل على إمكان التخلّص وعدم إمكان التخلص ، فإذا لم يمكنك التخلّص من تناوله فيجوز لك التناول ، وإذا أمكنك التخلّص منه فلا يجوز التناول.

فإذاً المجوّز في باب المحرّمات التكليفية هو إمكان التخلّص وعدم إمكانه ، بينما في باب المعاملات المدار على طيب النفس وعدم طيب النفس ، والحاج ميرزا علي الايرواني(قده) يقول إنه في مورد الاكراه على المعاملة يكون الاكراه على الجامع هو إكراه على الفرد ، لأنَّ المعتبر هو طيب النفس ، وحينما يحقق الفرد فهو يحققه من دون طيب نفس ، ولا يقول بذلك فيما إذا كان الفرد من المحرّمات التكليفية ، بل قد صرّح في كلامه بذلك وأنه لا يقول بهذا في المحرّمات التكليفية ، فإذاً هذا الاشكال ليس بوارد أيضاً.

الثالث:- إنه بناءً على ما ذكره يلزم أنَّه لو أكره المكلف إما على البيع الواجد لتمام شرائط الصحة - من عربية وماضوية وغير ذلك - أو البيع ولو الفاقد لبعض الشرائط ، فالمكرِه خيّر المكرَه في أن يبيع داره إما ببيعٍ واجد للشرائط أو ببيعٍ ولو غير واجدٍ للشرائط والمكرَه أوجد البيع الجامع للشرائط فليزم على رأي الميرزا علي الايرواني(قده) أن نحكم بالبطلان ، لأنه قال إنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد ، والحال أنك لا تحكم بالبطلان ، بل نقول للمكرَه مادام يمكنك التخلّص بالبيع الفاقد للشرائط فماذا انتخبت البيع الواجد للشرائط ؟!! إنَّ انتخابك للبيع الواجد للشرائط يكون موجباً لوقوع البيع صحيحا ً، بينما على رأي الميرزا علي الايرواني(قده) يكون باطلاً ، فما ذكره مخالف للوجدان العقلائي أو المتشرعي الحاكم بالصحة إذا اختار المكرَه البيع الواجد للشرائط ، وهذا دليل على أنَّ الاكراه على الجامع ليس إكراهاً على الأفراد.

ويمكن الجواب:- بأنه يمكن للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) أن يقول: أنا أقول إنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد فيما إذا كانت الأفراد متساوية ، بأن اكرهه على أحد بيعين ولكن كلاهما في حدّ نفسه واجد للشرائط فهنا نقول بأنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد ، أما في حالة عدم تساوي الأفراد كما في هذا المثال فيمكن أن نقول إنَّ البيع الذي صدر وهو واجد للشرائط قد صدر عن طيب نفس ، ونحن نقول إنما هو يكون صادراً عن غير طيب نفس في حالة تساوي الفردين لا في حالة اختلاف الفردين بالشكل الذي ذكر في هذا الاشكال.

الرابع:- إنَّ المكرَه قد يختار في كثير من الأحيان أحد الفردين لبعض الدواعي ، فحينما أُكرِه على بيع الدار أو السيارة فقد ينتجب السيارة لبعض الدواعي ، فيقول أنا من البداية أريد التخلّص منها والآن حصلت لي مناسبة جيدة فباعها ، فهنا هل نحكم ببطلان بيع السيارة مادام قد حصلت بعض الدواعي والمفروض أنَّ بعض هذه الدواعي موجودة ؟ إننا لا نحكم بالبطلان ، بينما على رأي الميرزا علي الايراني(قده) يلزم أن يحكم بالبطلان ، لأنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد ، وأنت بذوقك وحسّك العقلائي والمتشرعي لا تحكم بالبطلان.

وجوابه:- يمكن للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) أن يقول: إن قولي بأنَّ الاكراه على الجامع اكراه على الأفراد هو فيما إذا فرض عدم وجود مرجّحات لأحد الأفراد على البعض الآخر بحيث كانت متساوية في حدّ نفسها ، يعني إذا لم يكن إكراه فلا أبيع الشيء أبداً ، وليس محل الكلام في حالة ما لو فرض أنه كان يوجد عنده ميل إلى بيع السيارة من البداية ، فقاعدة ( الاكراه على الجامع اكراه أفراده ) لا أقول بها في حالة ما إذا كانت هناك بعض الدواعي لتحقيق أحد الفردين بقطع النظر عن الاكراه ، وإنما كلامي فيما إذا فرض تساوي الفرين من جميع الخصوصيات ومن حيث الداعي بحيث لولا الاكراه لم يكن هناك داعٍ إلى بيع هذا الشيء أو ذاك ، فهنا أقول الاكراه على الجامع اكراه على الفراد بمعنى عدم طيب النفس ، يعني أنَّ الأفراد التي تصدر هي تصدر لا عن طيب نفس ، وإنما يكون كذلك فيما إذا كانت الأفراد متساوية ، لا ما إذا كان الشخص له داعياً – ولو كان الداعي ضعيفاً - إلى بيع بعض الأفراد بقطع النظر عن الاكراه.

فإذاً هذه الاشكالات الأربعة قابلة للمناقشة ، ولا يخفى أنَّ الاشكالات الثلاثة الأخيرة نقضية والاشكال الأول حلّي.

فحلّ أصل المطلب:- هو أنَّ المقصود هنا هو طيب النفس ، فلا يحصل خلطٌ بين اعتبار طيب النفس وبين الجبر ، فالمعتبر هو طيب النفس لا عدم الجبر.

فإذاً الاشكال الأوّل مندفع بما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني(قده).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo