< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

الطائفة الثانية:- وهي وراية عبد الله بن جعفر في قرب الأسناد عن علي بن السندي عن أبي البختري عن أبيه عن علي عليه السلام:- ( أنه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق الصبي الذي لم يبلغك عمدهما خطأ ، تحمله العاقلة ، وقع رفع عنهما القلم )[1] .

فإذاً الشيخ لم يقبل الاستدلال بحدث رفع القلم الذي ورد وحده الذي هو ( رفع القلم عن ثلاثة .... ) فإنَّ هذا وارد بشكل مستقل كما في رواية ابن ظبيان وغيرها ، وقال إنه ناظر إلى رفع المؤاخذة ، أما ( رفع القلم ) الوارد في الطائفة الثانية فيقول إنَّ الذي ورد ذيلاً لفقرة ( عمد الصبي خطا تحمله العاقلة ... ) يتم الاستدلال به.

وحاصل ما ذكره في تقريب الاستدلال[2] :- هو أنَّ الجملة الثالثة التي تقول ( وقد رفع عنه القلم ) لابد أن تكون مرتبطة بما سبقها ، فإنَّ ما سبق يبيّن حكمين شرعيين ، الأوّل ( عمد الصبي خطأ ) ، والثاني ( تحمله العاقلة ) ، ثم جاء بعد ذلك تعبير ( وقد رفع القلم ) ، فحينما جاء بـ( رفع القلم ) بعد هذا الحكم فلابد أن يكون هناك ارتباط بينهما ، إذ لو لم يكن هناك ارتباط فهذا معناه أنَّ هذه أشياءً مبعثرة من دون ارتباط ، وهذا شيء قبيح ومستهجن ولا يحتمل ، فإذاً لابد أن يكون هناك ارتباط ، والارتباط يكون بنحوين ، فإما أن يكون بنحو العلّية ، أو بنحو المعلولية ، يعني أن تكون الجملة الثالثة وهي ( وقد رفع عنه القلم ) علّة للحكمين - يعني عمدهما خطأ وتحمله العاقلة - ، ولماذا عمده خطأ ؟ لأنه مرفوعٌ عنه القلم ، ولماذا تحمله العاقلة ؟ لأنه مرفوعٌ عنه القلم ، فيكون رفع القلم علّة لما سبقه من الحكمين ، أو نقول بالعكس ، أي إنَّ رفع القلم معلولٌ وما سبق هو العلَّة ، يعني يصير المعنى هو أنَّ عمد الصبي حينما كان خطأً وبالتالي حينما كان تحمله العاقلة فصار هذا علَّة لأن نرفع القلم عنه شرعاً ، فرفع القلم صار نتيجةً معلولةً إلى ( عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة ) ، فالارتباط إما أن يكون بنحو العلّية أو بنحو المعلولية ، وعلى كلا التقديرين هذا يدل على أنَّ حديث رفع القلم ليس مختصّاً برفع المؤاخذة ، إذ لو كان مختصّاً بها فلا يصلح أن يكون علّة لما سبق ولا معلولاً ، فإذاً لابد أن يكون المقصود من رفع القلم هو رفع القلم بالمعنى الوسيع الذي يشمل قلم التكاليف ، وإذا حصرته بقلم المؤاخذة فسوف لا يصير عمده خطأً ، لأنه أيّ ربط له ؟! فصحيحٌ أنه لا مؤاخذة عليه ولكن لماذا يصير عمده خطأ ؟! ، فإذاً لابد أن نعمّم رفع القلم عنه بشكلٍ مطلق سواء كان عقاباً أو تكاليفاً ، وحينئذٍ يترتب عليه أنه صار قصده كلا قصد مادام حديث رفع القلم وسيعاً ويشمل كلّ شيء صالح للرفع ، فحينئذٍ يمكن أن يكون علّة أو يكون معلولاً ، أما لو حصرناه بكون المقصود هو رفع المؤاخذة فلا يصلح أن يكون علّة ولا معلولاً.

وفي الجواب نقول:-

أوّلاً:- إنه استند استدلاله وتقريبه على مقدمة وهي أنه لا بد من وجود ارتباط بين الجملة الثالثة وبين ما سبقها والارتباط يكون بأحد نحوين إما بنحو العلية وإما بنحو المعلولية ، ونحن نقلو له صحيح أنه لابد من الارتباط مادام كلامه عن المجنون وعن الصبي فلابد أن يبين أحكام مترابطة وليس الامام بصدد بيان أحكام بشكل مطلق متناثر كما علّم أمر المؤمنين عليه السلام أصحابه في حديث الأربعمائة المذكور في الخصال أربعمائة باب من أبواب العلوم ولكنها من علوم شتّى ، فالقضية مبنيّة من البداية على بيان أحكام ومطالب وفوائد متعددة ، أما هنا فالكلام حول المجنون والصبي فلابد أن تكون الأحكام مترابطة ، فعنهما يراد الحديث ، فلذلك قال الشيخ الارتباط إما أن يكون بنحو العلّية أو بنحو العلّية .

ونحن نقول:- إنه يمكن أن يكون هناك ارتباط بشكلٍ ثالث وهو التحدث عن الأحكام المرتبطة بالموضوع الواحد فإنَّ هذا كافٍ لرفع الاستهجان ، فإنه يوجد عندنا موضوع واحد وهو الصبي والمجنون ويراد أن يتكلّم عن أحكامهما ، فيكفي الترابط بين الأحكام أنها أحكام لموضوعٍ واحد ولا نحتاج إلى علّية ومعلولية.

ويمكن أن نضيف اضافة ونقول:- إنَّ هذه الأحكام المرتبطة بالموضوع الواحد بعضها أحكام دنيوية وبعضها أحكام أخروية ، فهذه الأحكام بعضها أخروية مثل ( رفع القلم ) فإنَّ هذا يرتبط بالآخرة فليس عليه مؤاخذة يوم القيامة ، والبداية ( عمدهما تحمله العاقلة ) هذا في الدنيا ، فكفى هذا ارتباطاً ، ولا نحتاج إلى علية ومعلولية فإذا رفعنا العلية والمعلولية فحينئذٍ سوف يبطل استدلال الشيخ.

ورب قائل يقول:- لا يمكن أن يكون هو المقصود جزماً وإنما هو مجرد احتمال وما ذكره الشيخ هو احتمال أيضاً.

ولكن نقول:- هذا يكفينا ، فمن هذه الناحية لا يمكن أن نجزم بأنها ناظرة إلى قضية العلية والمعلولية ، فلا يمكن التمسّك بها بالتقريب المتقدّم من الشيخ فإنه مبني على فكرة العلّية والمعلولية ، فإذا كانت هذه غير ثابتة بل كانت محتملة وهناك احتمال آخر فلا يثبت ما أراده(قده) وهو شيء واضح.

ثانياً:- إنه ذكر أنَّ الجملة الثالثة ( وقد رفع عنه القلم ) إما أن تكون علّة وإما أن تكون معلولاً ، ونحن نقول كلاهما قابل للمناقشة ، أما العلية يعني أن يكون حديث رفع القلم علة لتحمّل العاقلة فهذا بعيد ، فإنَّ رفع القلم كما يصلح أن يكون سبباً لتحمّل العاقلة نتيجته ذلك بل تكون نتيجته أنَّ الدية سوف تسقط فمادام قد رفع عنه القلم فإذاً لا دية ، فرفع القلم لا يصلح أن يكون علّة يعلل به الامام عليه السلام ثبوت الدية على العاقلة ، وإذا لم يقبل أحد بذلك وقال إنه ( لا يذهب دم امرئ هدراً ) ، فنقول مادام قد رفع عنه القلم فالدية في بيت المال.

فإذاً رفع القلم هو صالح للعلّية للأعم لا لخصوص تحمّل العاقلة وإنما كما يلتئم مع تحمّل العاقلة يلتئم مع سقوط الدية رأساً أو تحمّل بيت المال ، فإذاً لا يمكن أن نقول إنَّ ( رفع القلم ) هو علّة إلى ذلك بعد أن فرض أنه لا يوجد تناسب واضح حتى يكون علَّة.

إن قلت:- إذا لم يمكن أن يكون علّة للجملة الثانية فليكن علّة للجملة الأولى التي تقول ( عمدهما خطأ ) والعلَّة لذلك هي ( رفع القلم ) فإنَّ هذا شيء وجيه.

قلت:- إنَّ القصود الأساسي الذي يريد أن يبينه الامام عليه السلام هو تحمّل العاقلة وذاك كان مقدمة وليس هو المقصود الأساسي ، فـ ( عمدهما خطأ ) ليس هو المقصود بالبيان ، وإنما المقصود بالبيان بالأصالة هو أنَّ العاقلة تتحمّل أما ذاك فقد ذكر كمقدمة ، فرفع القلم لا يمكن أن يكون علّة للأول وحدة ، بل إما أن يكون علّة للثاني فقط - يعني ( تحمله العاقلة ) - ، أو يكون علّة للاثنين معاً ، فإنَّ الأوّل ليس مقصوداً بيانه بالأصالة لعدم أهميته ، وقد عرفنا أنَّ رفع القلم لا يصلح أن يكون علّة لتحمّل العاقلة ، إنه كما يلتئم مع تحمّل العاقلة يلتئم مع تحمّل بيت المال أو مع سقوط الدية رأساً ، فإذا صار احتمال العلّية موهوناً.

وأما احتمال المعلولية يعني أن يكون رفع القلم معلولاً للجملة السابقة فيردّه:- إنَّ الرواية قالت ( عمد الصبي خطأ ) ، كيف يكون عمد الصبي خطأً فإنه عمدٌ فكيف يكون خطأً فإنَّ هذا لا يمكن قبوله ؟ !! ، لأنَّ هذا من حمل الضد على ضدّه والمنافي على منافيه فكيف يمكن ذلك ؟!! فلابد أن يكون المقصود منه أنه لا شيء ، فعمده مغتفرٌ ، وهذا نفس رفع القلم ، فصارا شيئاً واحداً ولا معنى لأنَّ يكون الأوّل - يعني ( عمدهما خطأ ) - علّة لرفع القلم بعدما كانا من حيث النتيجة والمضمون شيئاً واحداً ؟!


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo