< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

الوجه الثالث:- وذلك بأن يقال: إنَّ مالية المال ونقدية النقد هي بقوته الشرائية ، ومادامت مالية المال بقوته الشرائية فتكون القوة الشرائية هي المضمونة وهي التي تنشغل بها ذمة الضامن - أي السارق أو الغاصب - لا أنها تنشغل بالأوراق كعدد ، كأن سرق خمسة أوراق نقدية فتنشغل ذمته بهذه الأوراق الخمسة ، وإنما تنشغل ذمته بتلك القوة الشرائية ، فعلى هذا الأساس إذا هبطت القوة الشرائية يضمن ذلك الهبوط.

ويرده:-

أوّلاً:- إنه ذكر في المقدمة الأولى إنَّ مالية المال هي بقوته الشرائية ، وهذا أوّل الكلام ، ففي زماننا مالية المال هي بسبب الاعتبار ، فالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي - أو غير ذلك من السلطة العالية - يعتبر لهذه الورقة النقدية مالية ، فإذا اعتبرها فتارةً يكون اعتباره قوياً ، مثل دولة كبرى اعتبرت المالية لدينارنا فحينئذٍ سوف تصير قوته الشرائية عالية ، وإذا كان الاعتبار ضعيفاً فقوته الشرائية سوف تكون ضعيفة ، فإذاً المالية هي فرع ذلك الاعتبار من قبل صندوق النقد الدولي أو غيره ، وبسبب قوة ذلك الاعتبار وضعفة تقوى القوة الشرائية أو تضعف ، لا أن القوة الشرائية هي المقوّمة لمالية المال ، كلا بل هي ليست مقومة لمالية المال، وإنما المقوم لمالية المال هو ذلك الاعتبار ، فذلك الاعتبار إذا كان قوياً فالمالية تكون قوية ، وإذا كان ضعيفاً تكون المالية ضعيفة ، فإذاً يمكن رفض المقدّمة الأولى من الأساس.

ثانياً:- لو سلّمنا المقدمة الأولى وتمت وقلنا إنَّ مالية المال أو نقدية النقد هي بقوته الشرائية ، ولكن قيل في المقدمة الثانية ( إذاً القوة الشرائية هي التي تنشغل بها ذمة الضامن أعني السارق أو الغاصب ) ، والتعليق:- هو أنَّه من أين هذه الملازمة فهي غير تامة ؟! فنحن نرفض هذا ، بل بالإمكان أن تكون الذمة مشغولة بنفس المال لا بقوته الشرائية وبماليته ، بل هي منشغلة بنفس تلك الأوراق أي بنفس المال لا بما هو منشأ مالية المال ، فلا توجد ملازمة في البين ، فهذه المقدّمة الثانية بلا دليل.

ثالثاً:- إنه بناءً على أنَّ الذمة تنشغل بمالية المال وبقوته الشرائية كما ذكر في المقدمة الثانية يلزم أنَّ القوة الشرائية لو ارتفعت - يعني هو سرق مائة دينار وكانت في ذلك الزمان كان يشترى بها ثلاجة مثلاً وارتفع القوة الشرائية لها الآن بحيث صارت الثلاجة تشترى بخمسين - أن يدفع السارق خمسين ديناراً فقط لا مائة لأنَّ ذمته لم تنشغل بالأوراق وإنما هي منشغلة بالقوة الشرائية والقوة الشرائية ارتفعت الآن فيدفع له خمسين وتبقى له خمسين ، وهل تلتزم بهذا الشيء ؟!! إنه لا يمكن الالتزام به.

الدليل الرابع:- قاعدة العدل الانصاف ، وذلك بأن يقال:- إنه لو سرق شخص مائة دينار في الزمن السالف وكان يشترى بها ثلاجة مثلاً والآن بعد عشرين سنة يشترى بها شيء أقل من ذلك ، فحينئذٍ إذا صار البناء على دفع المائة دينار كأوراق من دون ملاحظة الهبوط والمالية فهذا مخالف للعدل والانصاف ، فمقتضى قاعدة العدل والانصاف مراعاة القوة الشرائية ، فهبوطها يكون مضموناً على السارق أو الغاصب وما شاكل ذلك.

ويردّه:- إنه ربما يناقش في سند القاعدة ، والسيد الخوئي(قده) في كلماته يناقش فيها فيقول إنها بلا سند ، وهذا يمكن مراجعته في مباني تكملة المنهاج[1] .[2]

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذه القاعدة ثابتة بوجهين:-

الوجه الأوّل:- قولة تعالى:- ﴿ إنَّ الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القرني وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾[3] ، وشاهدنا هو أنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ إنَّ الله يأمر بالعدل ﴾ ، وهذه هي قاعدة العدل والانصاف.

فمرّة أنت نتناقش في الصغرى فتقول إنَّ موردنا ليس من مصاديق العدل ، يعني أنَّ ضمان القوة الشرائية لم يثبت أنه من صغريات هذه القاعدة ، ومرة تقول إنَّ كلامنا هو أننا نريد أن نقول هذه القاعدة بلا مستند ، يعني نحن نسلّم بالصغرى ولكن نناقش في المستند ، ولكن نقول:- إنَّ هذه الآية الكريمة لابأس بالتمسك بها لإثبات هذه القاعدة.

الوجه الثاني:- الارتكاز العقلائي، فإنَّ هذه قضية مرتكزة عند العقلاء فالعدل لابد للمؤمن وكلّ عادل وكلّ مخلوق أن يسير على وفقه وصراطه يكون هو العدل وشعاره يكون هو العدل وهذا ارتكاز عقلائي واضح ، وحيث لا ردع عنه فيثبت امضاؤه.

فإذاً بهذين الوجين يمكن أن نثبت هذه القاعدة ، فهي من حيث السند يمكن أن يقال بتماميتها ، خلافاً لما ذكره السيد الخوئي(قده).

إنما الاشكال في الصغرى:- فهل ثبت للمسروق منه وللمغصوب منه الحق في أن تراعى القوة الشرائية أو هو ليس بثابت ؟ فإن كان ثابتاً فالعدل يكون هو ذلك ، أما إذا لم يكن ثابتاً فالعدل لا يكون هو ذلك .

فإذاً صِدقُ العدل فرع ثبوت الحق للمغصوب منه أو المسروق منه - يعني الحق في ضمان القوة الشرائية - ، وهذا هو عين المتنازع فيه ، والقضية لا تثبت موضوع نفسها ، فـ﴿ إن الله يأمر بالعدل ﴾ هذه قضية لا تثبت موضوعها وأنه هنا يوجد عدل أو لا ، بل لابد وأن نثبت هذا من الخارج ، والمفروض أنَّ كلامنا الآن في ذلك وأنه هل له الحق حتى يصير العدل هو ذلك وإلا فلا .

الدليل الخامس:- قاعدة لا ضرر ، وذلك بأن يقال:- إنَّ دفع الأوراق المسروقة من دون ملاحظة القوة الشرائية لها فيه ضرر على المسروق منه وحديث لا ضرر ينفي ذلك ، فإذاً لابد من ملاحظة هبوط القوة الشرائية وثبوت الضمان حتى لا يلزم الضرر طبقاً لقاعدة الضرر.

ويردّه:-

أوّلاً:- هل يراد اثبات أنَّ دفع المساوي من حيث العدد لا يكفي من دون أن يراد اثبات أنه يلزم ضمان هبوط القوة الشرائية بل فقط نريد أن نقول هذا لا يكفي أما أنَّ هبوط القوة الشرائية مضمون فهذا لا نريد الكلام عنه ، أو أنَّ مقصودك هو الثاني يعني أننا نثبت أنَّ هذا لا يكفي بل يلزم ضمان هبوط القوة الشرائية ؟ فإن كان مقصودك الأوّل فهو لا يسمن ولا يغني من جوع ، وإن مقصودك هو الثاني فقاعدة لا ضرر لا قابلية لها على ذلك ، لأنه كما عرفنا مراراً أنَّ لسان لا ضرر هو لسان نفي لا لسان اثبات ، يعني هي تنفي الحكم الضرري لا أنها تثبت حكماً يلزم منه عدم الضمان ، كلا بل تقول إنَّ كلّ حكمٍ مشرّع في الاسلام يلزم منه الضرر فهو مرفوع ، أما أنك تريد أن تثبت حكماً في الاسلام من خلال هذه القاعدة لا يلزم منه الضرر فهي لا طاقة لها على إثباته ، لأنها تقول لا ضرر أي لا حكم ينشأ منه الضرر ، فلسانها لسان نفي لا لسان اثبات ، ولذلك في مسألة الوضوء في الجوّ البارد والتيمم قاعدة لا ضرر أقصى ما تقوله هو أنَّ الوضوء ليس بلازم لأنه ضرري ، ولكنها لا تقول إنَّ التيمم هو وظيفتك ، كلا بل هذا يلزم أن نثبته بطريقٍ آخر أما هي فلا تثبته وإنما هي فقط تقول الوضوء ليس بواجب عليك لأنه ضرري ، أما أنه يكفيك التيمم ويجب عليك التيمم فهي لا تثبت ذلك فإنَّ لسانها لسان نفي لا لسان اثبات.

فإذاً هي لا يمكن أن تثبت لنا ضمان هبوط القوة الشرائية ، لأنَّ هذا اثبات ، وإذا أرت فقط أن تنفي كفاية دفع الأوراق بعددها وأنه لا يكفي من دون أن تثبت ضمان هبوط القوة الشرائية فقد قلنا إنَّ هذا لا يغني ولا يسمن من جوع.

ثانياً:- إنَّ صدق الضرر فرع ثبوت الحق للمسروق منه ، يعني له الحق في ضمان القوة الشرائية له ، فحينذاك إذا لم يضمن له هذا الهبوط مع فرض ثبوت الحق له في ذلك يلزم الضرر ، أما إذا لم يكن له الحق من الأساس في ذلك فكيف يلزم آنذاك الضرر ، والقضية لا تثبت موضوع نفسها ؟!!


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo