< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

ضمان المالية:-والمقصود من ذلك هو أنَّ المال إذا أتلف فلا إشكال في لزوم ضمانه إذا كان مثلياً فبالمثل كما ذكرنا ، ولكن إذا فرضنا أنه لم يتحقق الاتلاف أو أنه تحقق الاتلاف ولكن المثل قد هبطت قوته الشرائية الآن ، فمثلاً الشخص متفق مع زوجته على أن يكون مهرها المؤجل مائتي دينار فالآن إذا أراد أن يضمن لها فهل يضمن هذا المقدار - الذي هو مائتي دينار والذي هبطت قوته الشرائية والآن لا قيمة شرائية لها - أو لا ؟ ، فهل يضمن نقصان المالية أو لا ؟ يعني هل نقول لا يكتفى الآن بالمائتي دينار مثلاً وإنما نلاحظ القوّة الشرائية للمائتي دينار في ذلك الزمان فلو كانت تساوي قيمة سيارة فالآن نلاحظ ما يعادل قيمة السيارة ، وهكذا لو غصبت مالاً من شخص كأن كان بمقدار ألف دينار والآن أردت أن أرجعها إليه فهل أعطيه الألف دينار الموجود أو نلاحظ القوة الشرائية للألف دينار في ذلك الزمان فما يعادل ذاك أضمنه له ؟ ، وهكذا بالنسبة إلى القرض فلو كنت مقترضاً ألف دينار منك في ذلك الزمان فهل يكفي أن أقدّم لك الألف دينار الآن ؟ ، فالسؤال هو أنه:- هل المالية تضمن أو لا ؟ ، فكلامنا في ضمان المالية وليس في ضمان المال فإنَّ المال يضمن بلا إشكال المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة ، وإنما كلامنا فيما إذا هبطت القوة الشرائية للشيء فهل يبقى المثل هو المضمون أو نلاحظ ما يعادله بالقوة الشرائية أو بشكل آخر ؟

قد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في المكاسب ، ولكنه مرّ عليها مرور خاطف ، حيث ذكر أنَّ المشهور هو أنَّ المالية لا تضمن ، ثم ذكر إنَّ البعض قد صعّد اللهجة وقال إنه حتى لو سقط عن المالية فرغم ذلك يجوز له أن يدفع المثل ، ولكن الشيخ رفض هذا ، ثم ذكر أنه يوجد رأي مقابل يقول إنَّ المدار على المالية وليس على دفع المثل الذي هبطت قوته الشرائية ، حيث قال:- ( إنَّ المشهور كما يظهر من بعضٍ إلزامه به - وإن قوّى خلافه بعضٌ - بل ربما احتمل جواز دفع المثل ولو سقط عن القيمة بالكلية وإن كان الحق خلافه )[1] ، ولم يتعر الشيخ لأكثر من هذا.

والمناسب أن يقال:- تارةً نتكلم في مثل المهر والقرض ، وأخرى نتكلم في مثل المغصوب أو المقبوض بالعقد الفاسد.

أما ما كان على وزان المهر او القرض:- فلا يبعد أن يكون المدار على المثل وإن هبطت قوته الشرائية ، والوجه في ذلك: هو أنَّ الطرفين قد اتفقا على أن يكون المهر مائتي دينار للمؤجل يدفعه إليها عند مطالبتها بذلك أما أنَّ المائتين بعد مضي سنين تهبط قوتها الشرائية فتلك قضية أخرى ، بل المهم أنه يوجد اتفاق على أن يدفع الزوج للزوجة ما اتفقا عليه وقد اتفقا على مائتي دينار فيدفعها لها الآن .

ومما قد يشهد على ذلك هو أنه لو فرض أنَّ القوة الشرائية ارتفعت ، يعني أنَّ المائتي دينار لم يكونوا يشترون بها سيارة ولكن ارتفعت القوة الشرائية للدينار الآن فهل للزوج الحق في أن يقول إنَّ القوة الشرائية قد ارتفعت فالمناسب لي أن أعطيها مائة دينار أو خمسين ديناراً لأنَّ الخمسين أو المائة الآن هي من حيث القوة الشرائية تعادل المائتين في ذلك الزمان ؟ كلا لا يحق له ذلك ، بل للزوجة الحق بالمطالبة بالمائتي دينار كاملةً ، ولو سمع العقلاء منها المطالبة بذلك لأيّدوها ولقالوا للزوج إنَّ الاتفاق كان على المائتين فلابد من دفعهما لها حتى لو فرض ارتفاع قوتها الشرائية وصار المعادل للمائتين القديمة مائة جديدة.فإذاً كما في حالة ارتفاع القوة الشرائية يبقى من اللازم على الزوج أن يدفع المثل للزوجة لأنَّ الاتفاق كان على دفع المثل ، كذلك لو هبطت القوة الشرائية فالاتفاق أيضاً كان على المثل فيدفع الزوج المثل حينئذٍ ولا معنى لأن نلاحظ القوّة الشرائية في زماننا ، هكذا يمكن أن يقال في المهر ، ونفس الشيء يأتي بالنسبة في القرض فإنه لا يبعد أن يكون الاتفاق على ذلك.

نعم نستدرك ونقول:- إذا فرض أنَّ القوة الشرائية قد زالت ، يعني أنَّ المائتين أصبحت في حكم العدم أو ما يقارب الانعدام ، ففي مثل هذه الحالة لا يعدّ دفع المثل دفعاً للمماثل ، لأنَّ هذا المماثل لا قيمة له ، فهنا من الوجيه أن نقول ليس المدار على دفع المثل لأنَّ المثل لا قيمة له رأساً أو ما بحكم العدم رأساً ، أما إذا فرض أنها هبطت إلى النصف أو إلى الربع من دون أن تصل إلى حدّ العدم فذلك الاتفاق القبلي يبقى ساري المفعول ، هكذا ينبغي أن يقال بالنسبة إلى المهر والقرض وما كان على منوالهما.

نعم يبقى:- أنه في حالة الانعدام قلنا لا يكتفى بدفع المثل ، لأنَّ هذا ليس دفعاً للمثل لأنَّ هذا ليس بمالٍ أصلاً ، فهنا قد يطرح هذا السؤال: وهو أنه على ماذا يكون المدار ، فهل المدار على ملاحظة القوة الشرائية - فهنا سوف يصير كثيراً - أو على ماذا ؟ ، وهذه قضية ثانية.

والجواب:- حيث إنه لا يوجد شيء يمكن الركون إليه بحيث يطمئن إليه الفقيه - يعني نجعل المدار على القوة الشرائية فإن هذا يحتاج إلى دليل - فمن الوجيه في أمثال هذه الموارد أن يصير الفقيه إلى التصالح القهري بين الطرفين ، فالتصالح القهري يكون هو خير وسيلة في هذا المجال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo