< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

والجواب:- إنَّ مقتضى القاعدة الأوّلية هو أنَّ المدار على القيمة السوقية ، إذ المفروض أنَّ الثمن المسمى باطل ببطلان العقد فلا تعود هناك عبرة للثمن المسمّى.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ المدار على الأقل من هذين سواء كان الأقل هو القيمة السوقية أم كان هو الثمن المسمى ، والوجه في ذلك:- هو أنه أما إذا كان الأقل هو القيمة السوقية فباعتبار أنَّ الثمن المسمى ليس ممضاً شرعاً لفرض بطلان العقد ، فإلزام واعتبار للثمن المسمى ليس بموجود فتعود العبرة للقيمة السوقية ، وأما إذا فرض أنَّ الثمن المسمى كان هو الأقل فيمكن أن يقال إنَّ مستندنا في الضمان الذي هو السيرة العقلائية لو لاحظناه نجده يُلزِم المشتري بالثمن المسمى الذي هو الأقل مادام هو الأقل ، فالسيرة العقلائية تعتبر الثمن المسمى ، وما ذكرناه إن لم يكن جزميا فلا أقل من كونه شيئاً محتملاً ، يعني أنَّ السيرة العقلائية ليس من البعيد في كون الثمن المسمى هو الأقل يُلزِم العقلاء بملاحظة الثمن المسمى فيقولون للبائع إنَّ المشتري سيُرجِع لك ما يعادل هذا التالف بلحاظ الثمن وليس بلحاظ القيمة الواقعية لأنكما اتفقتما على الثمن المسمّى ، فالسيرة العقلائية ليس من البعيد إن لم تلزم بذلك فلا أقل من كون ذلك شيئاً محتملاً بدرجة وجيهة ، ويكفينا الاحتمال الوجيه هنا ، والوجه في ذلك:- هو أنَّ ذمة المشتري قد استغلت جزماً بالمقدار الأقل ، أما اشتغالها بالزائد فنشك في ذلك فنجري أصالة البراءة ، ولذلك قلنا هنا يكفينا احتمال انعقاد السيرة العقلائية على ملاحظة الثمن المسمى لو كان هو الأقل من القيمة الواقعية.

إن قلت:- لماذا لا نطبق الاستصحاب ونقول إنَّ الذمة قد اشتغلت جزماً حينما حصل تلف في هذا المقبوض بالعقد الفاسد ، ونحن نشك في أنَّ ذمة البائع تفرغ بدفع الأقل أو لا ، ومقتضى الاستصحاب بقاء الاشتغال المتيقن سابقاً ؟

قلت:- إنَّ مفروضنا أنه يوجد اشتغال بالأقل بنحو العلم التفصيلي ، فالأقل قد اشتغلت به الذمة ، فهل تريد أن تستصحب المقدار الأقل ؟ فهذا لا معنى له ، لأنَّ المفروض أنَّ المشتري سوف يدفع المقدار الأقل ولا يوجد عندنا شك فيه ، فلا معنى للاستصحاب ، وأما المقدار الأكثر فنشك في أصل الاشتغال به من البداية فلا يجري الاستصحاب ، إنما تكون وجاهة للاستصحاب فيما إذا كان دوراناً بين متباينين لا بين أقل أكثر استقلاليين ، وهنا الأقل والأكثر استقلالي ، لأنَّ من يدفع مقدار الأقل فذمته قد فرغت بمقدار الأقل جزماً وحينئذٍ الزائد إن كان فهو اشتغالٌ آخر ، فالمورد ليس من الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين بل من الاستقلاليين ، فالاستصحاب لا مجال له.

القضية الثانية:- جهل الطرفين بفساد العقد وعلمهما.

تارةً يفترض أنَّ المتعاقدين بالعقد الفاسد كانا يجهلان أنَّ هذا العقد فاسداً فلا إشكال حينئذٍ في ضمان المشتري لمقدار التلف للبائع ، وهكذا إذا كان البائع جاهلاً وكان المشتري عالماً بالفساد ، وهذا واضح بلا إشكال ، إنما الاشكال فيما إذا فرض أنَّ المشتري كان جاهلاً بالفساد وكان البائع عالماً به فهنا لو تلف شيء من المبيع فهل يضمنه المشتري للبائع العالم أو لا ؟

والجواب:- لا يبعد أن يكون المشتري ضامناً ، إذ يمكن أن يقال إنَّ السيرة لا تفرّق من هذه الناحية.

ولكن ربما يذكر وجهان لعدم ضمان المشتري جاهلاً والبائع عالماً:-

الوجه الأول:- أن يقال: إنَّ الباع مادام عالماً بفساد العقد فقد أقدم على الضمان وأن يكون التلف منه لأنه يعلم بأنَّ العقد فاسد والمفروض أنَّ المشتري جاهل ، فالبائع قد أقدم على الضمان ، ومعه من المناسب أن يستتب الضمان على البائع دون المشتري.

والجواب:- صحيح أنَّ البائع عالم بالفساد ولكنه لم يقدم على الضمان ، بل بنى على كون الطرف هو مشترٍ ولو تشريعاً ، فهو لا يعير أهمية لكون العقد صحيحاً أو فاسداً بل هما يتعاقدان رغم علمه بالفساد ، فهو بانٍ على أنَّ الطرف مشترٍ ولو تشريعاً ، فإذاً لا إقدام له على الضمان ، إنما يكون له إقدام فيما إذا فرض أنه لم يبنِ على كونه مشترياً ، أما إذا كان بانياً على كونه مشترياً واقعاً بنظره من باب التشريع فإذاً هو بانٍ على الضمان لا على عدم الضمان ، نعم هذا الكلام يتم فيما إذا فرض أنَّ البائع لم يبنِ على كون الطرف مشترياً ولو تشريعاً ، أما بعد بنائه فلا إقدام منه على الضمان ، فإذاً هذا الوجه مردود.

الوجه الثاني:- أن يقال: إنَّ المشتري مغرور والبائع غار ، ومن الواضح أنَّ المغرور لا يُرجَع عليه ، فيكون الغار - أي البائع - هو الضامن - الخاسر - دون المشتري ، لأنَّ المشتري مادام مغروراً فلا يثبت عليه الضمان.

والجواب:- إنَّ المشتري مادام يرى نفسه مشترياً فهو قد أقدم على أن يكون ضامنا ، فبالتالي هو ليس بمغرور ، فصحيح هو لا يعلم بأنه ليس بمشترٍ واقعاً ولكنه يرى ويتخيل نفسه مشترياً ، فإذاً هو ليس بمغرورٍ ، وهو بانٍ على كون نفسه مشترياً ، يعني هو بانٍ على كونه ضامناً ، فهو قد أقدم على الضمان فلا يكون مغروراً ، أنما المغرور ما إذا فرض أنه لم يقدم على الضمان فإذا أردنا أن نثبت له الضمان فنقول هو مغرور ، أما إذا كان من البداية مقدم على الضمان لأنه يرى نفسه مشترياً فلا يصدق عليه عنوان المغرور.

إذاً المناسب ثبوت الضمان على المشتري سواء كانا جاهلين بفساد العقد أم كانا مختلفين ، وهكذا الحال في صورة علمهما فإنَّ المناسب بقاء الضمان على المشتري ، لأنه بانٍ كون نفسه مشترياً وضامناً فيثبت الضمان.فإذاً اتضح أن الضمان ثابت على المشتري على جميع التقاديروبهذا ننهي حديثنا عن الحكم الثالث من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد.

الحكم الرابع:- ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة.

استدل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[1] على ذلك بوجوه ثلاثة:-

الوجه الأوّل:- الاجماع على هذا الحكم.

وجوابه:- إنه لو تم الاجماع فنحن نحتمل مدركيته ، إذ سوف يذكر مدركاً آخر وعليه سوف يكون هذا الاجماع محتمل المدرك ، ومع احتمال المدركية لا يمكن أن نستكشف يداً بيد وجيلاً عن جيل تلقي ذلك الحكم عن معدن العصمة والطهارة.

الوجه الثاني:- قوله تعالى ﴿ من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ ، فإنَّ الشيخ الطوسي(قده ) تمسك في المبسوط[2] والخلاف[3] [4] بهذه الآية الكريمة وقال إنَّ الاعتداء بالمثل إنما يكون إذا كان مثلياً نأخذ منه مثلياً وإذا كان قيمياً فنأخذ منه القيمة ، هكذا فسّر الاعتداء بالمثل ، والظاهر أنَّ الشيخ الأنصاري(قده) وافقه على ذلك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo