< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

ومما قد يدعم الضمان موثقة غياث:- وهي: ( عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام:- إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أتي بصاحب حمّام أودعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه وقال:- إنه هو أمين )[1] ، فهذه الرواية قد تلمّح إلى أنَّ اليد مقتضية للضمان فإنَّ الامام عليه السلام علل بأنه أمين ، يعني لولا حيثية الأمانة لضمن ، ولماذا ضمن ؟ لأنه صاحب يد ، فعلى هذا الأساس هذه الملابس أنت صاحب يد عليها وبالتالي على اليد ما أخذت حتى تؤدي ولكن حيثية الأمانة مانعة ، فبما أنه جعل أميناً فهذه الأمانة تكون مانعة من التضمين باليد.

ولكن توجد رواية ثانية مقاربة إلى هذه الرواية وهي أيضاً واردة في مسألة الحمّام:- وهي ما رواه الشيخ الطوسي(قده) ، وهي ( محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن اسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه السلام كان يقول:- لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب لأنه إنما أخذ الجُعل على الحمّام ولم يأخذ على الثياب )[2] ، فقد يقال إنَّ هذه الرواية تعارض تلك الرواية ، فإنَّ تلك الرواية قالت لأنه أمين فالعلة هي الأمانة ، فلو كانت تلك الرواية لوحدها لكنّا نقول إنها تدل ولو من بعدٍ على الضمان بقاعدة اليد لكن حيثية الأمانة مانعة ، ولكن هذه الرواية قد وردت في نفس هذا المورد لكنها عللت بتعليلٍ آخر فيحصل تعارض بين الروايتين ، وبالتالي لم يثبت أنَّ الامام عليه قد علل بالتعليل الأوّل - وهو حيثية الأمانة - الذي ينفعنا وإنما علل بتعليلٍ آخر ، وعليه فسوف لا نستفيد من الرواية الأولى لأجل المعارضة ، إذ لم يثبت هذا التعليل - أي ( لأنه أمين ) - الذي هو يرشدنا ولو من بعدٍ إلى الضمان بقاعدة اليد.

اللهم إلا أن يقال:- إنه يمكن أن نقول إنَّ كلا التعليلين صحيح ومن حق الامام عليه السلام أن يعلل مرةً بهذا ومرةً بذاك ، وإذا صح التعليل بكلا الأمرين فحينئذٍ ترتفع المعارضة ، وحينئذٍ لا يوجد ما ينفي التعليل الأوّل ، لأنَّ النافي هو المعارض ، فإذا نفينا المعارض أمكن التمسّك بالأول ، وهذه نكتة علمية لا بأس بها.

هذا كلّه بالنسبة إلى المستند الثاني للضمان وهو قاعدة اليد ، والنتيجة هي إنه يوجد مدرك ثانٍ للضمان في المقبوض بالعقد الفاسد وهو قاعدة على اليد ولكن مستندها هو السيرة وليس الحديث ، ولابد وأن نتماشى مع السيرة ، أما الألفاظ - مثل ( على ) وأنَّ ( ما أخذت ) تدل على الأعيان - فلا تهمنا وإنما المدار على السيرة.

الوجه الثالث لإثبات الضمان:- قاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) ، يعني كل معاملة إذا كان في صحيحها ضمان ففي فاسدها ضمان أيضاً ، مثلاً البيع في صحيحه ضمان ، فإذا تلف المبيع بالبيع الصحيح فهو مضمون بثمنه ، يعني لا يحق للمشتري الرجوع بثمنه على البائع ، ولا البائع له حق المطالبة بالمبيع ، فلا البائع له حق المطالبة لأن الثمن عنده ولا المشتري له حق المطالبة لأنه ضامن وضمانه هو عدم المطالبة بالثمن ، فإذا كان البيع فاسداً فأيضاً الضمان يكون ثبتاً غايته إذا كان صحيحاً يكون الضمان بالمسمّى وأما إذا كان فاسداً فالضمان يكون بالمثل أو القيمة ، هذه قاعدة جارية على لسان الفقهاء.

وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه القاعدة في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد ، ولكنه لم يشر إليها بلسان أنها دليل ثالث لإثبات الضمان وإنما قال ( إنَّ مقامنا من صغريات قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده )[3] .

ولكن من المناسب أن نقول:- إنَّ مقصوده هو عدّ هذا دليلاً ثالثاً .

وقد تقول:- من أي عرفت أنَّ هذا دليل ثالث يذكره الشيخ الأعظم(قده) ؟

قلت:- إذا لم يكن مقصوده أنَّ هذا دليلاً فما الداعي إلى بيان أنَّ هذا من صغريات قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ) ؟!! فإنه إذا لم يقصد كونه دليلاً فهذا البيان يكون لغواً ، فإذاً لابد أن يكون مقصوده حينما قال ( إن هذا من مصاديق قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ) يعني إذا قبلنا بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فحينئذٍ تشمل البيع الفاسد ويثبت حينئذٍ الضمان به لأنه من مصاديق هذه القاعدة ، فإذاً لابد أن يكون مقصوده هو هذا وإن لم يذكر ذلك بعنوان الدليل الثالث.

وما هو المستند لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ؟ومن الواضح أنه إذا أردت أن تذكر مستنداً فينبغي أن لا يكون المستند هو قاعدة على اليد ، وإلا إذا كان المستند لها هو قاعدة على اليد هي المستند والحال أنا جعلنا قاعدة على اليد مستنداً ثانياً للضمان فإذاً رجع هذا إلى الوجه الثاني ولم يصر وجهاً ثالثاً ، فيلزم الالتفات إلى ذلك.أما الوجوه التي ذكرت كمدركٍ لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فالذي نذكره منها أربعة:-

المدرك الأوّل:- الإقدام ، يعني أنَّ كل من الطرفين قد أقدم على الضمان ، فالمشتري أقدم على ضمان المبيع بثمنه المقرر فيما إذا كان صحيحاً ، فهو مادام قد أقدم ففي حالة البيع الفاسد الإقدام موجود ، والإقدام من موجبات الضمان.

وتوجد عبارة عند الشيخ الطوسي(قده) في المبسوط تشير بوضوح إلى أنَّ الإقدام من موجبات الضمان ، فإنه علل في غير موردٍ الضمان في بعض العقود الفاسدة بالإقدام ، قال(قده):- ( هو قد أقدم على .... )[4] [5] [6] ، فكأنه جعل الإقدام بنفسه من موجبات الضمان.

والجواب كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) حيث يقال:-

أوّلاً:- صحيح أنه قد اقدم ولكنه أقدم على الضمان بالمسمّى ولم يقدم على الضمان بالمثل أو القيمة ، فنحن كلامنا في العقد الفاسد والضمان بالعقد الفاسد يكون بالمثل أو القيمة ، ولماذا الضمان ؟ ذلك للإقدام ، ولكن الإقدام هو على الثمن المسمّى ، لأنَّ المشتري حينما اشترى فهو قد أقدم على الضمان ، فهو قد أقدم على الثمن المسمّى ولم يقدم على الضمان بالمثل أو القيمة.

إن قلت:- إنه قد أقدم على الطبيعي ، والطبيعي يتحقق بتحقق أحد أفراده ، فذلك الفرد - وهو الضمان بالمسمى - قد انتفى لأنَّ العقد فاسد ، فيتعين الاضمان بالفرد الثاني ، فهو مادام قد أقدم على الطبيعي وقد انتفى أحد فردي الطبيعي فيتحقق الطبيعي بالفرد الثاني ؟

قلت:- إنه لم يقدم على الطبيعي ، وإنما أقدم على خصوص الضمان بالمسمّى ، فهو كان يتصوّر أنَّ العقد صحيح وهو قد أقدم على أنه يضمن المبيع بالثمن المسمّى ، أما ضمانه بالمثل أو القيمة فأصلاً لم يقدم عليه ، فالمشتري أقدم على الضمان بهذا الفرد الخاص وليس بالطبيعي.

إن قلت:- إنَّ الطبيعي يتحقق ببعض أفراده ، فإذا أقدم المشتري على الضمان بالمسمّى فقد أقدم على الضمان بالطبيعي ، فعلى هذا الأساس يوجد أقدام على الطبيعي وقد انتفى الفرد الأوّل فيتعيّن بالفرد الثاني ؟

قلت:- صحيح أنَّ المشتري مُقدِم الطبيعي فإنَّ الطبيعي موجود في الخارج بنحو الحصص ، يعني نسبته إلى أفراده كنسبة الآباء - وليس الأب الواحد - ولكنه يقول أنا مقدم على الطبيعي المقيّد والذي في ضمن المسمّى ، أما الطبيعي في ضمن غير المسمّى فلم أقدم عليه لأنه موجود كما قلنا بالحصص ونسبته إلى أفراده كنسبة الآباء إلى الأبناء ، فعلى هذا الأساس هناك حصة من الطبيعي في ضمن هذا الفرد وحصّة من الطبعي في الفرد الثاني والمشتري قد أقدم على الضمان بالحصة الموجودة ضمن العقد الصحيح ، أما الحصة الموجودة ضمن العقد الفاسد فهو لم يقدم عليها ، نعم هذا الكلام يتم بناءً على الرأي المنسوب إلى الرجل الهَمَداني - هو عزيز [ غريز ] المحاسن - والذي يوحي كلامه بأن نسبة الطبيعي إلى أفراده كنسبة الأب الواحد إلى الأبناء المتعددين فهنا تتم الشبهة ، أما بناءً على الرأي الآخر الصحيح فلا تتم الشبهة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo