< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

وأما الكلام بمقتضى القاعدة:-فتارة يقع بلحاظ قاعدة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ، وأخرى يقع بلحاظ قاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ).

الكلام بمقتضى قاعدة على اليد:- هناك قاعدة وهي قاعدة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ، وقد وقع الكلام في المقصود منها ، ومن الواضح أنَّ المدلول المطابقي الابتدائي لها واضح ولكن الرواية ماذا تريد أن تقول ؟

ذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب قال إنَّ كلمة ( على ) والتي عبّر عنها بالظرف فقال:- إذا نسب الظرف إلى الأعيان فالمستفاد منها الضمان ، فإذا قيل عليك الكتاب يعني عليك ضمان الكتاب ، أما إذا نسبت إلى الأفعال فظاهرها الحكم التكليفي ، فإذا قيل عليك حفظ الكتاب فالحفظ فعل من أفعال المكلف فظاهرها حينئذٍ الوجوب التكليفي ، يعني يجب عليك حفظ الكتاب ، وفي المقام حيث إنَّ كلمة ( على ) قد نسبت إلى ( ما ) أي ( ما أخذته ) والذي يؤخذ هو الأعيان وليست الأفعال فإذاً هي منسوبة إلى الأعيان ، وبناءً على ذلك هي تدل على الضمان ، وبذلك وصلنا إلى المقصود ، قال(قده):- ( والخدشة في دلالته بأنَّ كلمة على ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدل على الضمان ضعيفة جداً فإنَّ هذا الظهور إنما هو إذا أسند الظرف إلى فعلٍ من أفعال المكلفين لا إلى مال من الأموال كما يقال عليه دين فإنَّ لفظة على حينئذٍ لمجرّد الاستقرار في العهدة عيناً كان أو ديناً )[1] .

وفي المقابل يوجد احتمال ثانٍ ذهب إليه العلمان النراقي[2] والحج ميرزا علي الايرواني:- فقالا إنَّ المقصود هو الحفظ ، يعني الحكم التكليفي ، وكأن الشيخ الأعظم(قده) حينما قال في عبارته المتقدمة ( والخدشة في دلالته بأن كلمة على ظاهرة في الحكم التكليفي ) يحتمل أنه ناظر إلى الشيخ النراقي(قده) لأنه ينسب إليه التتلمذ على الشيخ النراقي(قده) ، وقال الشيخ النراقي(قده):- ( فالأظهر تقدير الحفظ من الضياع والتلف ونحوه ) ، فإذاً هي أجنبية عن المقام.

وأما الحاج ميرزا علي الايرواني فقد قال حاشيه:- ( وبالجملة الحديث إن لم يكن ظاهراً في التكليف من جهات فلا أقل من الاجمال المبطل للاستدلال بالوضع والضمان )[3] ، فإذاً هو يردّ الشيخ الأنصاري ويقول لا يوجد ظهور في الحكم الوضعي وإنما هي إما أن تكون ظاهرة في الحكم التكليفي أو لا أقل هي مجملة.

وهناك احتمال:- ونحن لم ننسبه إلى أحد ، حيث لم نره عند أحد ، وهو أن نقول:- هي مجملة ، فإنَّ الحديث أثبت ما أخذ في العهدة حيث قال ( على اليد ) يعني هو مضمون ، أما ما هو المضمون فهل بمعنى ضمانه لو تلف أو أنَّ المقصود هو أنَّ الذي في العهدة يلزم حفظه ؟ كلاهما محتمل ، فإنَّ لزوم الحفظ أيضاً ثابت في العهدة ، فإنَّ هذا اللزوم ثابت في ذمّة الذي في يده ذلك الشيء ، فكلاهما صالح للثبوت في العهدة ، وبالتالي تعود مجملة.

وهل من المناسب البحث عن الوجه والأنسب منها وذلك بالإتيان ببعض القرائن من هنا وهناك ؟

إننا لا نرى داعياً لذلك ، باعتبار أنَّ هذه الألفاظ لم تثبت سنداً ، فإن ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي )[4] لا يوجد معاجمنا الحديثية ، كما هو الحال في ( الناس مسلطون على أموالهم ) و ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن ) ، فإن هذه القواعد ليس لها مستندات لفظية ، ولعله توجد قواعد أخرى على هذا المنوال فالتفت إلى ذلك ، نعم هذا الحديث هو موجود في عوالي اللآلي لأبن أبي جمهور الاحسائي ، ومتى ما سمعت بأنها هذا الكتاب فهذا يعني أنها مراسيل ، ولا أريد أن أقول هي باطلة ولكنها من الجنبة العلمية لا قيمة لها بتلك الدرجة ، نعم لو استعملت كمؤيد فلا بأس بذلك ، كما نقله الشيخ النوري(قده) في المستدرك[5] عن عوالي اللآلي أيضاً وعن تفسير أبي الفتوح الرازي ، وهو موجود في كتب العامّة كمسند أحمد[6] ومستدرك الحاكم[7] .... وهكذا .

نعم ذكره الشيخ الطوسي(قده) بمناسبةٍ في كتاب الخلاف[8] في باب الغصب حيث استشهد به ، وتابعه من تأخر عنه ، ولكن هذا في الكتب استدلالية ، كما أنَّ العلامة(قده) في مختلف الشيعة[9] نسب ذلك إلى ابن الجنيد وأنه تمسّك به ، فهذا المقدر موجد عندنا ، ثم وصلت النوبة إلى الشيخ النراقي(قده) فقال إنَّ هذا الحديث منجبر بالشهرة ولا كلام فيه ، ونصّ عبارته:- ( إنَّ اشتهارها بين الأصحاب وتداولها في كتبهم وتلقيهم لها بالقبول واستدلالهم بها في موارد عديدة يجبر ضعفها ويكفي عن مؤنة البحث عن سندها )[10] .

ولكن نقول:- إنَّ تلك الشهرة الحديثية ليست ثابتة وإنما هي شهرة على الألسن ، ولعل منشأها هو أنَّ هذه القاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية ، وعقلائيتها هي التي صارت سبباً لاشتهارها ، وعلى هذا الأساس هذا الحديث بهذه الألفاظ لم يثبت سنداً ، وبالتالي لا موجب لإتعاب النفس في التدقيق في ألفاظه - وأن كلمة ( على ) هل تدل على الحكم الوضعي أو تدل على الحكم التكليفي وأنه هل يشمل المنافع أو يختص بالأعيان بقرينة ( ما أخذت ) والأخذ يكون في الأعيان لا في المنافع وهكذا بقرينة ( حتى تؤدي ) أي يؤدي ما أخذت وأداء ما أخذ يختص بالأعيان لأنَّ الذي يؤخذ هو الأعيان فأداء ما أخذ يكون مختصاً بالأعيان - فإنَّ هذه الأبحاث وما شاكلها من المناسب هجرها ، نعم نذهب إلى السيرة العقلائية ، وهذا مستندٌ ثانٍ غير مسألة الرواية فنقول هناك سيرة عقلائية على أنَّ من كانت له يد على مال الغير فالعقلاء يرونه ضامناً إذا حصل فيه عيب أو تلف ، فلو أخذت سيارة الغير من دون إذنه فلو حصل فيها عطلاً ألا ترى أنَّ العقلاء يحكمون بالضمان ؟ إنهم يرونه ضامناً بقطع النظر عن الجنبة الشرعية ، فهم بعقلائيتهم يحكمون بذلك ، وحيث إنه لا ردع عن هذه السيرة وعن هذا الارتكاز العقلائي فيدل ذلك على الامضاء ، وبناءً على هذا يلزم أن نتماشى مع المرتكزات والسيرة العقلائية لا مع ألفاظ الحديث المنقول ، غاية الأمر الفقيه قد ينسى يقول إنَّ قاعد على اليد عبّرت هكذا ولكن هذا ناشئ عن نسيان ، بل لابد من أن نلتفت إلى أنَّ المرجع هو السيرة العقلائية ونراها ماذا تقتضي.

وبالتالي نحن نتفق جميعاً على ثبوت هذه القاعدة ، ولكن يظهر الفرق في التدقيق في ألفاظ الحديث ، فإنه بناءً على ما أبديناه سوف لا نأخذ بالألفاظ وإنما المدار يكون على القدر المتيقن من السيرة العقلائية ، بينما على ذاك الرأي سوف يدقق بلحاظ الألفاظ ، فنحن لم ننكر قاعدة على اليد بل نقبلها ، ولكن نقول إنَّ هذه الألفاظ لم ترد كرواية حتى نتعبّد بالتعابير الواردة فيها وإنما هو مضمون عقلائي ممضىً وبالتالي صار شرعياً ، لكن الممضى سوف يصير هو هذه القاعدة العقلائية من دون تعبّدٍ بألفاظ معيّنة.

[3] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص111.
[7] المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج2، ص13.
[8] الخلاف، الطوسين ص408، مسألة 22، ط قديمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo