< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 54 ) ، مسألة ( 55 ) – المكاسب المحرّمة.

النقطة الثالثة:- يصح الرهن والوقف بالمعاطاة.

أما أنه يصح بالمعاطاة الرهن - يعني لا تلزم الصيغة الخاصة - فالوجه في ذلك:- هو أنَّ عنوان الرهان هو المأخوذ في النصوص الشرعية ولم يقيد بحالة نشوئه بالصيغة الخاصة وإنما قالت الآية الكريمة ﴿ وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ﴾ فهي قد اشترطت القبض أما ان يكون بالصيغة الخاصة فلم تأخذه وهذا يعني أن عنوان الرهن متى ما تحقق يكون كافياً ويكون ممضياً ولا إشكال عرفاً أنه لا يلزم في تحقق عنوان الرهن والرهان الصيغة الخاصة بل صار بالمكاتبة فهنا يصدق عنوان الرهان عرفاً فيكون ممولاً لدليل الامضاء.

والفارق بين هذا المورد وبين تلك العناوين الستة السابقة إنه في تلك العناوين السابقة توجد نصوص خاصة تعتبر الصيغة الخاصة ولولا النصوص لكنا أيضاً نقول بكفاية المعاطاة ، لكن في باب الرهن لا يوجد نصّ ومعه نتمسّك بإطلاق قوله تعالى ﴿ فرهانٌ مقبوضة ﴾ بلا موجب لاعتبار الصيغة الخاصة.

ولو قال قائل:- إنَّ الآية الكريمة هي في صدد بيان شرطية القبض وليست في مقام البيان من ناحية اشتراط الصيغة الخاصة وعدمه ، فالإطلاق حينئذٍ لا ينعقد ، فإنَّ الاطلاق ينعقد من الجهة التي يكون المتكلم بصدد البيان من ناحيتها فهو بصدد البيان من ناحية القبض أما ما زاد على ذلك فهو ليس بصدد البيان من ناحيته فلا ينعقد الاطلاق.

إنه حتى لو سلّمنا بهذا أجبنا عن ذلك:- بأنَّ الصيغة الخاصة لو كانت شرطاً كان من المناسب اشارة الروايات إلى ذلك وعدم الاشارة يدل على أن ذلك ليس بمعتبر وهذه طريقة أخرى لا نسميها بالإطلاق فالاسم ليس بمهم فسمها ( لو كان لبان ) ، ، فإذن المسألة ابتلائية ولو كان هذ شرطاً معتبراً في هذه المعاملة لأشارت إليه الروايات ولاشتهر ذلك بعد فرض وكون المسألة ابتلائية ، فعدم اشارة رواية ولو ضعيفة إلى ذلك هذا معناه أنَّ هذا ليس بشرطٍ ، وهذه طريقة بديلة عن التمسّك بالإطلاق.

وأما بالنسبة إلى الوقف:- فالأمر فيه كذلك ، يعني انصبَّ الامضاء على عنوان الوقف أو الصدقة من قبيل قوله عليه السلام في رواية علي بن مهزيار:- ( الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله )[1] ، وهي رواية معتبرة.

وهذه المعتبرة تعطينا قاعدة وهي أن الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها ، فعلى هذا الأساس بعض الناس يريد يوقف هذا الشيء - كما لو كانت دراه - خصوصاً إذا لم تكن عنده ذرية ولكن إذا أوقفه فهو وزوجته أين يذهبان فالطريق الشرعي هو أن يقول هذا وقف لله عزّ وجل لذوي الحاجة بشرط أني مادمت حياً أنا وزوجتي فلنا حق السكن فهو وقف من الآن - وليس وقفاً تعليقياً - ولكن شريطة أن يكون لهما حق السكن أو أنه يكون المتولي عليه لأنه إذا لم ينصب متولياً فالولاية تصير إلى الحاكم الشرعي ، فعليه أن يقول أنا المتولي ومن بعدي ابني ومن بعد ابني ابنه ... وهكذا ، أما إذا أوقف الشيء ولم يقل إنَّ الولاية لي ولكن بعد سنة أراد أن يعمل بعض تغييرات أو ينصب إمام جماعة أو غير ذلك فهذا ليس من حقه وإنما هو كسائر الناس لأنه لم ينصب نفسه ، وكان من المناسب أن ينصب نفسه من البداية ، فحينما لم ينصب نفسه وأوقف هذا الشيء لله عزّ وجل فحينئذٍ لا حق له في التصرف فيهز

ولكن ما هو المدرك أنه له الحق في أن يجعل نفسه أو ابنه متولياً أو له حق السكن فهل توجد روايات في ذلك ؟

كلا بل قاعدة ( الوقوف حسب ما يوقفها صاحبها ) التي أعطاها الامام عليه السلام فنتمسّك بعمومها هنا.

إذن المهم أنهي صدق عنوان الوقف فإذا صدق فحينئذٍ يكون صحيحاً وحاصلاً والصيغة الخاصة ليست معتبرة بل تكفي حتى الكتابة فإنه يصدق عرفاً انه وقف وقد اوقف فلان كذا.

وهكذا عنوان الصدقة:- فإنَّ الصدقة والوقف أحياناً يستعملان في معنىً واحد ، من قبيل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وسنة هدىً سنها فهي يعمل بها بعد موته أو ولد صالح يدعو له ) ، فعنوان الصدقة متى ما تحقق فهذا يكفي ولا توجد عندنا رواية تدل على شرطية الصيغة فإذن نتشك بالإطلاق إذا قبلناه.

وإذا ناقش بعض في الاطلاق وقال:- إنَّ الروايات ليست في مقام البيان من هذه الناحية.

فتأتي تلك القاعدة التي بيناها:- وهي أنَّ المسألة ابتلائية فلو كانت الصيغة الخاصة معتبرة لإشارة الروايات إلى هذا بعد فرض ابتلائية المسألة ، فعدم الاشارة يدل على أنه متى ما صدق عنوان الوقف فحينئذٍ يكفي ولا حاجة إلى الصيغة الخاصة.

ومما يؤكد ذلك أنَّ السيرة جرت على ذلك أنه مثلاً يأتون بالمصاحف ويضعونها في الحضرة المباركة أو في المسجد وقد يكتب عليها هذا وقف أو قد لا يكتب عليها ، أو يأتي بتربة الحسين عليه السلام ويضعها في المسجد ، أو ويضع فراشاً أو مروحة للمصلين فيه ، فلو سألناه هل قرأت صيغة الوقفية وقلت ( هذا وقف ) ؟ كلا فهو لم يقرأ ذلك ، والسيرة جارية على ذلك ولا يشكك أحد في هذا ، نعم يلزم أن تكون هذه السيرة موجودة في زمان الأئمة عليهم السلام حتى تصير سيرة متشرعة ومتلقّاة من معدن العصمة والطهارة ، فإذا ثبت استمرارها إلى تلك الفترة الزمنية وقد قلنا من البعيد أن المساجد لم يجعل فيها الناس المصاحف أو الفراش أو غير ذلك وكانوا يقولون أوقفت كذا فإنَّ هذا بعيد ولو كان فلكانت ظاهرة تستدعي النقل ، فإذا ثبت أنَّ هذه السيرة مستمرة إلى زمن المعصوم عليه السلام فتصير سيرة متشرعة متوارثة من المعصوم عليه السلام ويكفينا هذا أيضاً.

والنتيجة:- هي أنَّ الصيغة الخاصة ليست معتبرة حتى في باب الوقف.

وتشكيك صاحب الحدائق(قده) في غير محله:- فإنه عكس القضية تماماً ، فنحن قلنا إنَّ الروايات أخذت عنوان الوقف والوقوف يعني متى ما صدق كفى والزائد يحتاج إلى دليل ، لكنه عكس القصية وقال إن تحقق الوقف خلاف الأصل فإنَّ الأصل أنه مالك ولا يخرج عن ملكة بمقتضى الاستصحاب إلا إذا ثبت الوقف جزماً ، والوقف يثبت جزماً إذا تحققت صيغة وقفت أو صيغة تصدقت أي بإحدى هاتين الصيغتين ولا يجوز بغيرهما فهو جعل المدرك الأوّلي أصالة بقاء الملك وعدم تحقق الوقف ولا نخرج عنه إلا بالدليل القطعي والدليل القطعي هو فيما إذا كان بإحدى الصيغتين ، قال(قده):- ( لا يبعد الانحصار في هذين اللفظين وقوفاً على ما خالف الأصل على مورد النص بمعنى أن الأصل بقاء الملك لمالكه والذي ورد من الصيغة المخرجة منحصر في هذين اللفظين )[2] .

وقد اتضح وجه المناقشة حيث نقول:- إنه لا مجال للاستصحاب فإنه بعد صدق عنوان الوقف يشمله دليل ( الوقوف على حسب ما يوقفها صاحبها ) ولو بالكتابة فيكون ممضى بهذا الدليل وإذا قلت هذا ليست فيه إطلاق ، قلنا نتمسك بالقاعدة البديلة وهي أنه لو كانت الصيغة اللفظية معتبرة بالخصوص لأشير إلى ذلك في النصوص ، فعدم الاشارة يدل على أن يكفي تحقق أيّ مبرز كان مضافاً إلى أن سيرة المتشرعة التي ذكرناها موجودة فإذن هذه السيرة تكفينا.

والخلاصة:- اتضح أنه يكفي في الوقف وفي الرهن أيّ مبرزٍ ولو على مستوى المعاطاة.

 

مسألة( 55 ):- في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواءً اكان شرط خيار في مدة معينة أم شرط فعل أو غيرهما إشكال وإن كان القبول لا يخلو من وجه فلو اعطى كل منهما ماله إلى الآخر قاصدين البيع وقال أحدهما في حال التعاطي جعلت لي الخيار إلى سنة مثلاً وقبل الآخر صح شرط الخيار وكان البيع خيارياً.

...........................................................................................

مضمون المسألة واضح ، هو أن البيع اللفظي يمكن ذكر بعض الشروط فيه بأن أقول بعتك داري بكذا بشرط ان تخيط لي جبة وقميصا أما إذا كان البيع بالمعاطاة فهل يمكن ذكر الشرط ؟ قال(قده) في البداية فيه إشكال ساء كان شرط خيار ام شرط فعل ، ثم قال بعد ذلك نعم يصح.

وهنا نذكر شيآن ثم ندخل في المسألة:-

الأول:- إنه قال ( سواء كان شرط خيار أم شرط فعل أو غير ذلك ) ، فما هو مثال ( غير ذلك ) ، فإنَّ شرط خيار مثل أن نتعاطى في اثناء المعاطاة أقول له لي الخيار لمدة سنة ، وأخرى ( شرط فعل ) بأن أقول له بشرط أن تخيط لي جبّة ، وأما ( غير ذلك ) فهو أن أقول له شريطة أن يكون حق السكن في البيت لفترة سنة مثلاً فهذا ليس شرط خيار ولا شرط فعل ، أو إذا كان بستاناً فأقول له بشرط أن تكون ثمرة البستان لي لفترة شهر ... وهكذا ، فإذن هذه أمثلة هي ليست من قبيل شرط الفعل ولا من قبيل شرط الخيار.

الثانية:- إنه في الرسالة العملية لا تقل ( فيه إشكال ) ثم بعد ذلك تقول ( ولكنه يمكن الحكم بالصحة ) فهو عبّر هنا وقال ( .... إشكال وإن كان القبول .... ) فإنَّ هذا التعبير يذكر في الكتب العلمية دون الرسالة العملية وفي الحديث مع الناس.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo