< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 44) بعض مستحبات التجارة – كتاب التجارة.

استدراك

الاستدراك الأول:- وهو يرتبط بآية المطفيين حيث قال السيد إنها ترجح أن يأخذ ناقصاً ، ونحن قلنا إنَّ الآية تذم أن يكون الشخص إذا أراد أخذ حقه كاملاً ، ونستدرك الآن ونقول:- رب قائل يقول إنَّ الآية يفهم منها مذمة الاثنين معاً ، أي إذا كان الحق له فهو يأخذ وافياً وهذا مذموم وإذا كان هذا مذموماً فهذا اشعار بالذم وذلك معناه أن البائع لا يأخذ كاملاً ، بل من الراجح أن يأخذ ناقصاً وهي قد ذمّت من يأخذ كاملاً بل يأخذ ناقصاً ، فالآية تشعر بذم كلا الحالتين ، فالمناسب أن يأخذ المؤمن ثمن اقل.

ولصاحب الجواهر عبارة قال فيها:- (ومنها أن يقبض ناقصاً ويعطي راجحاً...ولما عساه يفهم من قوله تعالى ويل للمطفيين من حسن خلافه) ، يعني أنَّ الحالة الأولى مذمومة والثانية مذمومة أيضاً ، فالمخالف هو الحسن ، أي لا تأخذ حقك كاملاً بل خذه ناقصاً.

وفيه:- إنه من الوجيه أن يكون الذم على الحالة الثانية دون الأولى - وهي أخذ الانسان حقه كاملاً – فإن هذا لا محذور ، إنما المحذور هو في أن يُخسِر وينقِص إذا كان الحق للآخرين إذ لعل الذم بلحاظ الحالة الثانية ، أو قل هو بلحاظ المجموع لكن باعتبار الحالة الثانية لا باعتبار حالة من الحالتين ، وهناك قرينة على ذلك وهي اثبات الويل وهو عذاب ولا معنى لأن يثبت الويل لمن يأخذ حقه كاملاً ، فالذم واثبات الويل هو من حيث اثبات الحالة الثانية فقط دون الحالة الأولى، ونحن نفهم عرفاً هكذا ، فالذي يأخذ حقه غير مذموم وإنما نذم الحالة الثانية ، فأثبات الويل يرفع الاشعار ، إذ اثبات الويل قرينة على أنه يشمل الحالة الثانية فقط.

الاستدراك الثاني:- وهو يرجع إلى خبر اسحاق بن عمّار حيث قلنا إنه لم يروه عن الامام عليه السلام لأن الموجود في الرواية هو أنه قال (قال)ولا نعرف من الذي قال فهل هو الامام أو لا ، وقد قلنا إنه يحتمل أنَّ اسحاق يروي عن الامام عليه السلام والقضية متروكة إليك.

ولكن الاستدراك هو في كلمة (قال) فإن الأولى قال اسحاق ، وعندما حذف الفاعل في ( قال ) الثانية فلابد أن يكون معهوداً لدى الجميع فهو الامام عليه السلام ، لكن هذا على نقل الكليني والشيخ الطوسي وكذلك الحرّ في الوسائل، وأما إذا رجعنا إلى الفقيه نجده يقول في العبارة هكذا :- ( وروى إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله عليه السلام قال:- ...... ) وهنا توجد ( قال) واحدة ، وحينئذٍ هذا النقل يكفينا ، وأن كان صاحب الوسائل قد فاته ذلك[1] .

عود إلى رواية عوالي اللئالي:- ونصّها :- ( زن وأرجح ) ، وهو مستند أن يأخذ البائع ناقصاً ، وقلنا قد نقل الداماد ( وارجح ) ، وعن المحقق الداماد في الرواشح السماوية عن الشهيد الأول قال ما نصّه:- ( وأَرجِح بهمزة القطع على صيغة الأمر من باب الإفعال أي زِنْ من الفضة للقيمة أي للثمن وأرجِح على قدر الثمن هبةً لك وقد كان الثمن الواقع عليه البيع درهمين ).

فالمقصود أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اشترى شيئاً والوزن وفي ذلك الوقت كانوا يزنون الفضة ، فيوجد وازن وهو البائع أو إنسان آخر ، فقال له ( زِن وارجح ) كرماً منه ، وهذا يدل على رجحان دفع الثمن الزائد . هذا ما قد تقرّب به دلالة هذه الرواية.

ويرده:-

أولاً:- إنَّ غاية ما تدل عليه هو أنه من الراجح للمشتري أن يدفع أزيد لا أنَّ الراجح للبائع أن يأخذ الأقل ، فالمفروض على هذا النقل أَّن المشتري هو الذي يدفع ثمناً أكثر ، وكلامنا في الحكم الآخر وهو الأخذ ناقصاً.

ثانياً:- إنَّ هذا فعلٌ للنبي وهو حكم خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كصلاة الليل والفعل فكيف نخرج منه بقاعدة الكلية ؟!!

ثالثاً:- يحتمل أنَّ هذا كرم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا نستطيع أن نقول بالاستحباب.

وبهذا قد اتضح أنَّ جميع الأدلة الثلاثة قابلة للمناقشة.

الوجه الرابع:- وهو للسيد العاملي في مفتاح الكرامة ، قال ما نصّه:- ( ودليل استحبابهما الاعتبار الواضح )[2] ، أي من باب المقدمة العلمية لوصول الحق إلى صاحبه ، فالدافع يدفع زائداً حتى يتيقن أنه أوصل المثمن إلى المشتري ويأخذ ناقصاً حتى يتيقن أنه لم يأخذ أكثر من حقه ، فلعل هذا هو مقصوده.

وإذا كان هذا مقصوده فيردّه:- إنَّ المقدمة العلمية لا تصلح مستنداً للاستحباب ، بل تصلح للوجوب العقلي لا للوجوب الشرعي ، فحينما نقول ( اغسل يدك من فوق المرفق قليلاً ) فهذا وجوب عقلي وليس وجوباً شرعياً وهو وجوب من باب تحصيل الفراغ اليقيني.

إذن لا يثبت بذلك الاستحباب ، وإذا كان مقصوده شيئاً ثانياً فلابد من أن نفهمه أوّلاً ، فإذن لا مستند له على المطلوب.

ولعل أفضل ما يمكن التمسك به:- هو رواية السكوني ، يعني قول الامام عليه السلام ( زدها فإنه أعظم بركة )، وقد يقال:- لعموم التعليل فيصلح للبائع في جانب دفع الثمن أن فيقال له ( خذ ناقصاً فإنَّ الله يبارك لك ) ، فالتعليل صالح للاثنين معاً ويصح التمسّك به لأثبات الاستحباب.

بقي شيء:- وهو أنَّ هذا الحكم لا يبعد اختصاصه في جانب الثمن بالزمن السالف دون زماننا ، لأنه في الزمن السالف كانت النقود توزن من الفضة أو الذهب فيوزن الثمن ، وأما في زماننا فالنقود من الورق ، وحينئذٍ نقول إنَّ الحكم يختص بذلك الزمان ، لأن الفضة أو الذهب قابل للوزن وحينئذٍ لابد من الزيادة قليلاً أو النقصان قليلا ًحتى يحرز أنه قد دفع الحق كاملاً ، وأما في زماننا فالنقود هي أوراق ولا يوجد فيها احتمال الزيادة والنقيصة ، والتعدّي من الزمان السالف إلى مثل زماننا قد يتأمل فيه ، لكن كما قلت أنَّ هذا من زاوية الثمن ، وأما من زاوية المثمن فالحكم باقٍ كالشخص الذي يشتري من القصاب لحماً فمن المناسب للقصّاب أن يضع مقداراً أكثر من اللحم لأنه أعظم بركة ، وأما أنه يأخذ نقداً أقل فهذا لا يأتي لما أشرنا إليه.


[1] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3 ص12. تهذيب الأحكام، الطوسي، ج7ص11. الكافي، الكليني، ج5ص159.
[2] مفتاح الكرامة، ج12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo