< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة (٤٤) بعض مستحبات التجارة – كتاب التجارة.

وأما بالنسبة إلى التكبير:- فتوجد روايتان تدلان عليه:-

الرواية الأولى:- صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل: اللهم إني اشتريته).

وهي كما ترى تدل على أنَّ المشتري إذا اشترى يكبّر لا أنَّ البائع يكبّر عند اجراء العقد كما توحي به عبارة المتن حيث قال:- ( ويستحب أن يقيل النادم ويشهد الشهادتين عند العقد ، ويكبّر الله تعالى عنده... ) أي عند العقد ، فالعبارة لا توحي بأنَّ المشتري هو الذي يكبّر ، فكان المناسب لعبارة المتن بيان أنَّ تشهد الشهادتين يكون من البائع وقد قلنا إنَّ ذلك يكون عند دخول السوق ، يعني أنَّ عبارة المتن تحتاج الى إصلاحين، الاصلاح الأوّل أنَّ يقيد بالبائع عند دخول السوق ، والاصلاح الثاني أنَّ التكبير يقيّد بالمشتري والحال أنَّ ظاهر العبارة أنَّ كلا الأمرين هما وظيفة لواحدٍ لا أنه تشهد الشهادتين وظيفة للبائع والتكبير وظيفة للمشتري.

الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال:- ( إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثاً ).

إذن التكبير وظيفة للمشتري.

ولقد أجاد صاحب الشرائع حيث قال:- ( يكبّر الله سبحانه إذا اشترى ) وهذا جميل منه ، وأما صاحب الحدائق فقد أجمل تعبيره والاجمال مطلوب أحياناً وأحيانا غير مطلوب وقال:- ( منها استحباب الدعاء عند الشراء ) ، ثم ذكر صحيحة حريز ، وكان من المناسب أن يقول ( يكبّر ) فإنَّ التكبير ليس مصداقاً للدعاء ، ويحتمل مراده الدعاء بعد التكبير ، والذي انتهينا إليه هو أنه لابد من اصلاح عبارة المتن فتقيّد الشهادة بالبائع عند دخوله السوق أو جلوسه في مكانه ، ويقيد التكبير بالمشتري.

النقطة الخامسة:- دفع الزائد وأخذ الناقص.

حيث في قال في المتن ( يأخذ ناقصاً ويعطي راجحاً ).

وقد يقول قائل:- إنَّ المفروض قد حصل بينهما اتفاق ، فمثلاً كيلو من الحنطة مقابل دينار ولعلّ هذا الثمن أكثر من الواقع إذ لعله ربح نصف دينار وهذا لا مانع منه الآن ولكن من المستحب له حينما يزن الحنطة أن يضع زيادة مقدار ملعقة مثلاً ويأخذ أقل من الدينار بمقدار عشرة فلوس مثلاً ، فهو ب رابح بالتالي لأنَّ عنده زيادة معتدّ بها وهي لعلها نصف دينار ، وحينئذٍ حينما يقلل من الثمن فهو بعد رابح إذا لم يلزم من اعمال هذا المستحب وقوعه في الخسارة ، لأنَّ المقصود هو أنه بعدما اتفقا على السعر الذي فيه ربح له ، فليقلّل من هذا السعر والتقليل ليس معناه أنه سوف يخسر ، وهذا مطلب واضح ولكن الذهن قد تلتبس عليه بعض الأمور.

وتوجد قضية أخرى:- وهي أنه لو رجعنا إلى الروايات لا نجد هذا التعبير فمن أين جاءوا به وأنَّ صاحب الشرائع وصاحب الوسائل عبّرا هكذا تعبير ، فقال المحقق في الشرائع ( وأن يقبض راجحاً ويعطي ناقصاً ) ، وقال الحر ( باب أنه يستحب ان يأخذ ناقصا ويعطي راجحا ..) .

ونلفت النظر إلى أمر آخر:- وهو أنه توجد حالة وفاء قد أشارت إليها بعض الآيات الكريمة ، منها ﴿ وأوفوا الكيل والميزان ﴾ ، والوفاء يقصد منه أن يدفع المساوي ، وهو تساوي كفتا الميزان ، وهذا يعبّر عنه بحالة الوفاء ، وإذا فرضن أنَّ كفة الميزان التي فيها المبيع تنزل قليلاً فهذا قد أعطى أكثر ، وإذا كان بالعكس فهو قد أعطى ناقصاً ، وينبغي أن نفرّق بين حالة الوفاء وبين الاعطاء زائداً ، فحالة الوفاء وهي حالة التساوي.

وما هو الدليل على هذا المستحب - بأن يعطي زائداً ويأخذ ناقصاً - ؟

والجواب:- إنَّ الدليل هو الروايات

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( مرّ أمير المؤمنين عليه السلام على جارية قد اشترت لحماً من قصّاب وهي تقول:

زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: زدها فإنه أعظم للبركة ).

وهي دالة على المطلوب والامام عليه السلام عبّر بقرينة ( أعظم للبركة ) أي الزيادة لحالة الوفاء ، فإذن الرواية التي يتمسّك بها لهذا لحكم هي هذه الرواية

وقد يستدل بطائفتين من الروايات غير هذه الرواية:-

الطائفة الأولى:- ما دل على أنَّ الوفاء لا يحصل إلا إذا نزلت الكفّة قليلاً:-

من قبيل:- رواية علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا يكون الوفاء حتى يرجح ) ، أي الكفّة التي فيها المثمن تنزل قليلاً عن حالة التساوي فهذا هو الوفاء.

ومن قبيل:- رواية حماد ابن بشير عن أبي عبدالله عليه السلام:- ( لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان ) ، أي يميل الميزان إلى الأسفل ، ومضمونها نفس مضمون الرواية الأولى.

فإنه قد يتمسّك بهاتين الروايتين لهذا المستحب ، لأنَّ الامام عليه السلام قال:- ) حتى يرجح ) أي حتى تهبط الكفة التي فيها المثمن ، وهذا معناه أنه لابد أن يعطي زائداً على التساوي.

ولكن في مقام التعليق يقال:- إنَّ الرواية ناظرة إلى شيء آخر وهو الاشارة إلى المقدّمة العلمية ، يعني أنت متى تعلم بأنه حصل تساوٍ بين الكفتين بحيث تتيقن من ذلك ؟ إنك تتيقن من ذلك إذا هبطت كفة الميزان الذي فيه المبيع قليلاً ، فأُخِذ هذا الرجحان والهبوط قليلاً طريقاً لإحراز حالة الوفاء ، فهو قد أخذ من باب الطريقية لا الموضوعية حتى يثبت بذلك استحباب الرجحان وهو استحباب أن يدفع زائداً.

والخلاصة:- إنَّ التمسّك بهاتين الروايتين محل اشكال ، لاحتمال أنَّ المقصود منها هو الاشارة الى الطريقية حتى تحرز بذلك أنه قد تحققت حالة الوفاء.

ومن الواضح أني قد أشرت مراراً بأنه يحتمل أنَّ المقصود غير ، يعني أنَّ الرواية مجملة ، يعني هذا احتمال وذاك احتمال ولا ظهور في أحدهما فتعود الرواية بذلك مجملة ، وإذا جاء شخص وقال هي ظاهرة في الطريقية فنحن لا حاجة إلى أن نصعّد اللهجة ونقول هي ظاهرة في الطريقية وإنما يكفينا إبداء الموجب للاحتمال ، وهذه طائفة من النصوص قد يتمسّك بها وقد اتضح أنَّ التمسّك بها محل اشكال

الطائفة الثانية:- الآيات الآمرة بالوفاء بالكيل والميزان ، وهي آيات عديدة في القران الكريم ، من قبيل ﴿ وافوا الكيل والميزان بالقسط﴾ ، و ﴿ يا قوم أوفوا الكيل والميزان بالقسط ﴾ ، و ﴿ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ﴾ ، و ﴿ أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ ﴾ ، وهناك آيات عديدة في هذا المجال أكثر مما ذكرنا.

وقد يتمّسك بهذه الآيات لتكون مستنداً ودليلاً على رجحان دفع البائع مقداراً أكثر.

وجوابه قد اتضح من خلال ما سبق:- حيث قلنا إنَّ حالة الوفاء وهو التساوي لا تعني الدفع أزيد - يعني أن تكون كفّة الميزان راجحة إلى الأسفل - وإنما المقصود من الوفاء هو حالة التساوي بين الكفتين .

ومن هذا يتضح التأمل في ما ذكره النراقي في مستنده ، وكذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، حيث ذكر النراقي في مستنده ما نصّه:- ( ومنها: أن يأخذ ناقصا ويعطي راجحا بحيث لا يؤدي إلى الجهالة، للأمر بإيفاء الكيل والوزن، مع ما ورد من أنه لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان ) ، إنه تمسّك بطائفتين الأولى الأمر بالإيفاء بالكيل والوزن وقد يشير بذلك الى الآيات الكريمة ، وقد قلنا إنَّ الوفاء ليس هو دفع شيء زائدٍ وراجح بل الوفاء هو حالة التساوي ، وأيضا قلنا إنه مع ما ورد لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان ، وهذا يشير به إلى تينك الروايتين ، وقد عرفت أنه من المحتمل أخذ ميل الميزان كطريقٍ إلى احراز الوفاء كمقدمةٍ علمية ، فالتمسّك بهذه الرواية وبتلك أيضاً محل اشكال.

وأما السيد صاحب مفتاح الكرامة فقد تمسّك لأثبات رجحان اعطاء الزائد بوجهين هما الأخبار المستفيضة ، وقوله تعالى ﴿ وأوفوا الكيل ﴾ ، ونصّ عبارته:- ( وأما الأخبار فمستفيضة بإعطاء الراجح، مضافا إلى قوله جلّ شأنه " وأوفوا الكيل إذا كلتم " ).

ووجه الاشكال عليه:-

أما بالنسبة إلى الأخبار:- فهي ليست مستفيضة ، وقد عرفنا أنَّ الذي يدل على ذلك هو خبر السكوني الذي ينقل قضية الجارية والقصّاب مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وإذا أراد أن يضم إلى ذلك روايتي ( حتى يميل الميزان ) فهذه لا توجد فيها استفاضة ، مضافاً إلى ما ذكرنا من كون الميل قد أُخِذ من باب الطريقية دون الموضوعية.

وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني:- وهو الآيات الآمرة بالوفاء مثل قوله تعالى ﴿ وأوفوا الكيل اذا كلتم ﴾ ، فقد ذكرنا أنَّ الوفاء هو حالة التساوي وليست حالة الرجحان.

إذن لحدٍّ الآن اتضح أنَّ دفع الزائد صحيح وهو راجح ولكن المستند هو رواية السكوني دون الآيات الكريمة الآمرة بالوفاء ، ودون الروايات الآمرة برجحان كفة الميزان فإنه يحتمل كونها ناظرة إلى الطريقية . هذا كلّه بالنسبة إلى دفع الزائد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo