< قائمة الدروس

الموضوع: حرمة حلق اللحية - مسألة ( 43 ) - المكاسب المحرّمة.

الوجه الخامس:- روايـة حبابة الخالدية التي رواها الشيخ الكليني وهي:- ـ محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أحمد بن القاسم العجلي ، عن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن خداهي[1] ، عن عبدالله بن أيوب ، عن عبدالله بن هاشم (هشام) ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبابة الوالبية قالت:- ( رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ومعه دِرة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجرّي والمارماهي ، والزمّار ، ويقول لهم : يا بياعي مسوخ بني إسرائيل ، وجند بني مروان ، فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان ؟ قال: فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا[2] ....... )[3] .

 

ولتقريب الدلالة على حرمة حلق اللحية نقول:- إنَّ الحديث دل على ترتب المسخ على حلق اللحية ، وهذا يدل على حرمة الحلق والا لما مسخوا ولما عذبوا هذا العذاب الشديد ، فإذن المسخ يدل على حرمة الفعل الذي صدر منهم والا لما مسخوا.

ويرد عليه:- إن من الممكن أن يكون ترتب المسخ ليس على كل واحدٍ من الاثنين بانفراده - يعني على الحلق بانفراده وعلى فتل الشارب بانفراده - وإنما يكون ترتّب المسخ على المجموع المركّب ، وبناءً عليه فإن غاية ما يثبت به هو حرمة المجموع يعني حلق اللحية المنضم الى فتل الشارب ، ولا يثبت بذلك أنَّ حلق اللحية وحده يكفي للحرمة ، فإن المحرّم هو حلق اللحية بقيد فتل الشارب.

إن قلت:- إنه عادة حينما يقال يحرم كذا يفهم منه أنَّ هذا حرام وهذا حرام لا أنَّ المجموع بقيد المجموع هو الحرام ؟

قلت:- نعم نسلّم ذلك لو تم هذا ، ولكن مقامنا ليس من ذلك فان الرواية لم تقل ( يحرم حلق اللحية وفتل الشارب وإلا يمسخ الفاعل ) أو لم تقل ( لا تحلق ) ، فإذن نحن نسلّم لو كانت بلسان التحريم أو بلسان النهي فليس من البعيد قد يستفاد أنَّ كلّ منهما محرّم ، ولكن المفروض في الرواية أنه لا يوجد تحريم ولا نهي وإنما الموجود هو ( أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا ) أي أنَّ الأثر الوضعي وهو المسخ كان على هذا العمل ، فإذن لا يوجد تحريم ولا يوجد نهي حتى نطبّق هذا المعنى الذي ذكرته ، ومن المحتمل أنَّ المركّب بقيد التركيب هو الموجب لذلك ، ويكفينا وجود الاحتمال ، وحينئذٍ لا يوجد ظهور في الأمرين فتكون الرواية مجملة لا يمكن التمسّك بها لإثبات حرمة الحلق بمجرّده.

وربما يضاف الى ذلك:- إنَّ هذا الحديث ناظر الى الأمم السالفة والكلام هو في شريعتنا ولا ينفعنا ما ثبت في الشريعة السابقة.

وربما يجاب عنه فيقال:- إنَّ الرواية دلت على الذّم ، وإثبات الذّم ظاهر في أنَّ المقصود هو الذّم الفعلي لا الذّم بلحاظ ما مضى فقط ، فيثبت بذلك المطلوب.

ويمكن دفعه بأن يقال:- إنَّ الرواية لا يستفاد منها الذّم وانما يستفاد منها الذّم على بيع الجرّي و ..... الخ ، أما ذمّ حلق اللحية وفتل الشارب فلا.

نعم يبقى شيء:- وهو أن يتمسّك بالاستصحاب بأن يقال إنَّ هذا كان ثابتاً في الامة السالفة وباستصحاب عدم النسخ ـــــ بناء على جريان استصحاب أحكام الشرايع السابقة كما هو ليس ببعيد ــــ يثبت هذا الحكم في زماننا أيضا ، فعلى هذا الأساس اذا ثبتت حرمة حلق اللحية من خلال المسخ في الأمم السالفة فاذا شككنا في أنَّ هذا الحكم موجود أو ليس بموجود الآن فباستصحاب حكم الشريعة السابقة يثبت التحريم في شريعتنا.

إذن من خلال ما ذكرنا اتضح أنَّ الجواب المناسب هو أن يقال:- إنَّ المسخ لعلّه كان مترتباً على المجموع المركّب وبناءً عليه حتى الاستصحاب لا ينفعنا في اثبات التحريم في شريعتنا.

هذا كله من حيث الدلالة وقد اتضح أنَّ الرواية يمكن التمسّك بها.

وأما من حيث السند:- فهي تشتمل على بعض المجاهيل ، من قبيل محمد ابن خداهي ، وأحمد بن يحيى وغيرهما.

ولكن قد يتغلب على هذه المشكلة وما شاكلها في خصوص كتاب الكافي بوجهين:-

الأول:- إنَّ الشيخ الكليني(قده) ذكر في مقدمة الكتاب ما نصّه:- ( وقلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب الكافي .... ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت) ، إنَّ هذه العبارة تدل على أنَّ الشيخ قد كتب المقدّمة بعد أن أنهى كتاب الكافي لا أنه مجرّد شرط شرطه على نفسه وبعد ذلك ربما تراجع عملاً عنه ، فانه قال ( لقد يسر الله) وهذا يعني أنه حصل ذلك ، وأيضا يوجد في العبارة شيء وهو ( ووسّعنا قليلاً كتاب الحجّة) وهذا معناه أنه تم تأليف كتاب الحجّة ثم يقول توسّعنا فيه بخلاف بقيّة الكتب حيث لم يتوسع فيها ، فإذن هو كتب هذه المقدّمة بعد أن أنهى تأليف الكتاب وقد ذكر فيها هذا المعنى ، فإذن جميع هذه الآثار هي صحيحة بشهادة الشيخ الكليني(قده) وهذه شهادة أثبتها بعد أن أنهى الكتاب لا من الأوّل.

الثاني:- من البعيد أن يقال إنَّ هذا الكتاب الذي كان موجوداً في زمان السفراء الأربعة لم يعرض عليهم وبالتالي لم يعرض على مولانا أرواحنا له الفداء ، فعلى هذا الأساس هو معروض عليهم وعلى المولى فبالتالي يكون ممضى بهذا البيان ، ولا نقصد من وراء هذا تصحيح الدعوى القائلة ( الكافي كافٍ لشيعتنا) لأنها لا سند لها وإن كانت معروفة ، وانما يراد التمسّك بأنه كان يعيش في هذا الزمان فلابد أنه عرض عليهم وأمضي واذا لم يمضَ لاشتهر ذلك ، فإذن هذا يدل على صحة كلّ ما هو موجود في هذا الكتاب.


[1] أو حداهي من دون نقطة.
[2] وهذه الرواية لها تتمة لم يذكرها صاحب الوسائل وهي لا شاهد فيها، وتمام ما جاء في الكافي هكذا:- ( علي بن محمد، عن أبي علي محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن القاسم العجلي، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمد بن خداهي، عن عبدالله بن أيوب، عن عبدالله بن هاشم، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجرّي والمارماهي والزمار ويقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان، فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان؟ قال: فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه، ثم أتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت: له يا أمير المؤمنين ما دلالة الامامة يرحمك الله: قالت: فقال ائتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه، ثم قال لي: يا حبابة ! إذا ادعى مدع الامامة، فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، والامام لا يعزب عنه شيء يريده، قالت ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام فجئت إلى الحسن عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام والناس يسألونه فقال: يا حبابة الوالبية فقلت: نعم يا مولاي فقال: هاتي ما معك قال: فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام، قالت: ثم أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقرب ورحب، ثم: قال لي: إن في الدلالة دليلا على ما تريدين، أفتريدين دلالة الامامة؟ فقلت: نعم يا سيدي، فقال: هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع لي فيها، قالت: ثم أتيت علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة فرأيته راكعا وساجدا و مشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة، فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي، قالت: فقلت: يا سيدي كم مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال: أما ما مضى فنعم، وأما ما بقي فلا، قالت: ثم قال لي: هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا جعفر عليه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا عبدالله عليه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام فطبع لي فيها، ثم أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها ).، عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمد بن هشام
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج2، ص116، ب67، ح4، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo