< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حرمة حلق اللحية - مسألة ( 43 ) - المكاسب المحرّمة.

وههنا إشكالان:-

الاشكال الأوّل:- إنه توجد قرينتان على أنَّ المقصود من التغيير هو التغيير الحسّي الظاهري دون المعنوي[1] ، والقرينتان هما:-

الأولى:- قوله تعالى ﴿ ولآمرنهم فليبتكُنَّ آذان الأنعام ﴾ ، ومن المعلوم أنَّ تبتيك آذان الأنعام الذي هو القطع هو تغيير ظاهري وليس حسّياً ، فبهذه القرينة ثبت أنَّ المقصود من فقرة ﴿ فليغيرُنَّ خلق الله ﴾ هو التغيير الحسّي دون التغيير المعنوي.

القرينة الثانية:- إنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ فليغيرُنَّ خلق الله ﴾ والخلق هو الحسّي وهكذا التغيير ظاهر في التغيير الحسّي ، فالخلق والتغيير كلاهما ظاهران في التغيير الحسّي دون التغيير المعنوي.

فإذن توجد قرينتان على كون المقصود من التغيير هو التغيير الحسّي دون المعنوي ، وبناءً علية يتم التمسّك بالآية الكريمة على حرمة حلق اللحية حيث إنَّ حلق اللحية هو تغيير حسّي والمقصود من التغيير في الآية هو التغيير الحسّي للقرنيتين اللتين أشرنا إليهما.

ويردّه:-

أما بالنسبة إلى القرينة الأولى:- فهي تتم فيما إذا فرض أنَّ الأمر كان أمراً واحداً ، يعني أنَّ الصادر من الشيطان لو كان أمراً واحداً فالقرينة الذكورة تكون تامة ، ولكن يوجد أمران حيث قالت الآية الكريمة هكذا:- ﴿ ولآمرنهم فليبتكنَّ آذان الأنعام ﴾ وهذا هو الأمر الأوّل ، وأما الأمر الثاني فهو ﴿ ولآمرنهم فليغيرُنَّ خلق الله ﴾ ، فإذن لا معنى لجعل ما في الأمر الأوّل قرينة على المقصود من متعلّق الأمر الثاني ، وإنما هذا يتم فيما لو كان الأمر واحداً كأن كان هكذا:- ( ولآمرنّهم ليبتكنَّ آذان الأنعام وليغيرنَّ خلق الله ) بحيث يصير عطفاً تفسيرياً ، أما بعد فرض وجود أمرين فهذا قد يكون قرينةً على العكس لا أنه قرينة على ما أريد من كون المقصود هو التغيير هو الحسّي.

وأما بالنسبة إلى القرينة الثانية فالجواب عنها:- إنه يوجد مقدَّرٌ في الآية الكريمة جزماً ، فإما أن يكون المقصود هو ( فليغيُرنَّ أعضاء خلق الله ) هذا بناءً على التغيير الحسّي فيكون التغيير للأعضاء ، أو يكون المقصود هو ( فليغيرنَّ فطرة خلق الله ) وبذلك يكون المقصود هو التغيير المعنوي.

فإذن على كلا التقديرين لابد من وجود مضافٍ مقدّر محذوف ، ولا معنى آنذاك للتمسّك بأنَّ ظاهر الخلق هو الخلق الحسّي بعد وجود مضافٍ مقدّرٍ ، وهذا إنما يتم فيما لو فرض أنه لا يوجد مصاف مقدّر ، أما بعد وجودة فلا يتم ما ذكر.

الاشكال الثاني:- وهو أن يقال: سلّمنا أنَّ تغيير خلق الله هو بشكلين ولكن لـِمَ لا نتمسّك بالإطلاق ، فإنَّ هذان فردان فنقول نحن نتمسّك بإطلاق الآية الكريمة فيثبت أنَّ المقصود هو كلا الفردين ، نظير ما لو قلت لك ( جئني بماء ) وكان هناك ماء في ظرف زجاجي وماء في ظرف غير زجاجي أو أنَّ أحدهما ماء دجلة والآخر ماء الفرات فكلاهما ماء فنتمسّك بالإطلاق ولا نقول يحتمل أنَّ المقصود هو ماء دجلة فلا يكون شاملاً لماء الفرات ، كلا بل نتمسّك بالإطلاق ، وهنا أيضاً نتمسّك بالإطلاق ، وبناءً عليه لا يكون احتمال ارادة التغيير المعنوي منافياً لإرادة التغيير الحسّي فيثبت بذلك المطلوب ولو بإرادتهما معاً باعتبار التمسّك بالإطلاق.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ هذا وجيه إذا فرض أنَّ الاشتراك بين المعنيين كان اشتراكاً معنوياً بحيث كان هناك جامع معنوي بين المعنيين كما في ماء دجلة وماء الفرات فإنَّ حقيقة الماء منطبقة عليه وهما مصداقان للحقيقة الواحدة فيصير الاشتراك حينئذٍ معنوياً فيصحّ التمسّك الاطلاق ، وأما إذا كان الاشتراك لفظياً فلا يصح التمسّك بالإطلاق من قبيل ( جئني بعين ) فإنَّ العين الجارية غير عين الذهب ولا يوجد بينهما قدر مشترك معنوي وإنما يوجد اشتراط في اللفظ فقط ومعه لا يصحّ التمسّك بالإطلاق ، والمقام كذلك فإنَّ التغيير الحسّي في واقعه شيء وهو قطع الآذان واليد مثلاً والتغيير المعنوي هو تغيير الفطرة ، فاصلاً يوجد تباين بينهما ولا بينهما يوجد جامع مشترك معنوي فإنَّ الاشتراك بينهما اشتراك لفظي وليس معنوياً حتى يصحّ التمسّك بالإطلاق.

ثانياً:- لو سلّمنا أنَّ الاشتراك بينهما معنوي ولكن رغم ذلك لا يصح التمسّك بالإطلاق وذلك باعتبار أنَّ ما صدر من إبليس لعنه الله لم يصدر بنحو الانشاء وإنما صدر بنحو الإخبار والاطلاق إنما يصح التمسّك به إذا كان الصادر إنشاءً لا ما إذا كان إخباراً ، فو لفرض أني قلت لك ( جئني بماء ) فهذا إنشاء فهنا يصح التمسّك بالإطلاق حيث لم يقيد المتكلم أمره بماء دون ماء ، وأما إذا قال ( سآمرك ) فهذا إخبار عمّا يصدر في المستقبل فهل يصح التمسّك بالإطلاق هنا ؟ كلا لأنه لا يوجد أمر بعد ، وما صدر منن إبليس هو من القبيل الثاني ، يعني إخبار عمّا سوف يصدر منه في المستقبل لا أنه صدر منه أمر بالفعل حتى يتمسّك بطلاقه ، فإذن التمسّك بالإطلاق لا مجال له.

هذا كلّه بلحاظ المقدّمة الأولى من المقدّمات التي يتوقف عليها الاستدلال بالآية الكريمة.

ويمكن الاشكال على المقدّمة الثالثة أيضاً[2] :- بأنَّ كل ما أمر الشيطان يكون محّرماً هو أوّل الكلام ، فإنَّ الشيطان يأمر بترك المستحبّات وفعل المكروهات وهكذا أمور أخرى ، فهل يحتمل حرمتها ؟ كلا فإنَّ أوامر الشيطان لا تختصّ بالمحرّمات بل هو كما يشجّع على ارتكاب المحرّمات يشجع أيضاً على ترك المستحبّات وعلى فعل المكروهات ، فإذن لا يمكن أن نقول إنَّ كل ما يأمر به الشيطان يكون حراماً.

هذا كله بالنسبة إلى الدليل الأوّل الذي قد يتمسّك به لإثبات حرمة حلق اللحية وقد تبيّن أنه قابل للخدشة بلحاظ المقدّمة الأولى والمقدّمة الثالثة.

الدليل الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ ثم أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ﴾[3] ، بتقريب:- أنها تدل على أنه أنا قد أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم وهذا أمر باتباع ملّته والأمر يدل على الوجوب ، ولكن ما هي ملّة إبراهيم ؟ جاءت الرواية وفسّرت ملّة إبراهيم المعبّر عنها بالحنيفية بعشرة أشياء أحدها إعفاء اللحى ، فيثبت بهذا وجوب إعفاء اللحى ، لأنَّ الآية الكريمة أمرت باتباع ملّة إبراهيم وملّة إبراهيم قد فسّرت بالخصال العشر وواحدة من هذه الخصال هي اعفاء اللحى فإذن ثبت بذلك أنَّ إعفاء اللحى واجب بمقتضى الآية الكريمة.

وهذا من باب ضمّ الرواية إلى الآية الكريمة ، فالآية الكريمة دلت على وجوب اتباع ملّة إبراهيم عليه السلام ، والرواية قالت إنَّ ملّة إبراهيم عبارة عن عشر خصال أحدها إعفاء اللحى ، وبضمّ الرواية إلى الآية الكريمة نخرج بنتيجة وهي أنه يجب إعفاء اللحى ، وكيف ورد في الرواية ذلك ؟ إنه قال القمّي(قده) في تفسيره في ذيل هذه الآية الكريمة :- ( وهي الحنيفية العشر التي جاء بها إبراهيم عليه السلام خمسة في البدن وخمسة في الرأس فأما التي في البدن فالغسل من الجنابة والطهور بالماء وتقليمك الأظفار وحلق الشعر من البدن والختان ، وأما التي في الرأس فطمّ الشعر وأخذ الشارب واعفاء اللحى والسواك والخلال فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة )[4] ، ونفس هذا المضمون ذكره أيضاً في ذيل آية:- ﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فاتمهنَّ قال إني جاعلك للناس إماماً ...﴾[5] فهنا ذكر القمّي أنه:- ( أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في البدن وخمسة في الرأس ..... ) مع اختلافٍ يسير ليس بالمهم.

هذا تقريب دلالة الآية الكريمة على وجوب إعفاء اللحى بمعنى عدم حلقها.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنَّ الحنيفية تشتمل على عشر خصال والكثير من هذه الخصال هي من المستحبات وليست من الواجبات ، من قبيل حلق الشعر عن البدن وتقليم الأظفار وطمّ الشعر وأخذ الشارب والسواك والتخلل فإنَّ هذه أمور ليست لازمة ، فعلى هذا الأساس يزول الظهور في الوجوب بقرينة السياق ويحصل الاجمال.

وإذا قيل:- إنَّ هذا وجيه بناءً على مسلك الوضع في استفادة الوجوب ، وأما بناءً على مسلك حكم العقل فلا مانع من اجتماع المستحبّ مع الواجب في سياقٍ واحد.

وهذه من إحدى ثمرات مسلك حكم العقل ، فإنه بناءً عليه يكون الأمر موضوعاً لأصل الطلب لا الطلب الوجوبي ، وأصل الطلب مشتركٌ بين الجميع ، وبالتالي لا يلزم خلاف التفكيك في السياق وخلاف السياق ، لأنَّ السياق هو سياق الطلب والجميع يشترك في الطلب فلا يوجد تفكيك ، نعم التفكيك يكون في حكم العقل ، فالعقل يحكم في قسمٍ - وهو الذي قامت القرينة عليه من الخارج بأنه ليس بواجب - بأنَّ هذا استحبابي وأما القسم الآخر - الذي لم تقم فيه القرينة - يحكم بأنه وجوبي ، فإذن الوجوب والندب على هذا المسلك هما حكمان عقليان وليسا مدلولين وضعيين حتى يلزم التفكيك في السياق الواحد ويحصل الاجمال.

قلت:- إنَّ هذا شيء وجيه إذا فرض أنَّ العدد كان عشراً وكان واحد منها أو اثنين أو ثلاثة مستحباً فهنا لا بأس بأن نقول إنَّ العقل هنا يحكم بالاستحباب وأما في الباقي فيحكم باللزوم ، أما إذا فرض أنَّ الأكثر كان استحبابياً فهل يبقى العقل حاكماً بأنَّ هذه وجوبية وتلك استحبابية يعني هل يفكك كما قالوا أو أنه إذا كان الأكثر استحبابياً فسوف يرفع يده عن الحكم بالوجوب في البقيّة ؟ هذه قضية لم أرَ التعرض إليها في كلمات أصحاب هذا المسلك ، ولكن من المناسب أن يقتصروا في حكم العقل بالوجوب فيما إذا كان المخالف في موردٍ واحد أو في موردين لا في أكثر العشرة كما في موردنا.

ولعلّه لهذا نجد في كلمات السيد الخوئي(قده) رغم أنه من القائلين بمسلك حكم العقل ولكن أحياناً الرواية إذا كان سياقها يشتمل على مستحبّات كثيرة يقول إنَّ سياقها هو سياق مستحبات ، يعني هو يرفع يده عن مسلك حكم العقل ، فهو وإن لم يصرّح ويقول أنا آخذ بحكم القعل إذا لم تكن المستحبات أكثر ولكن بالتالي هذا لعلّه نشأ مما أشرنا إليه وإن لم يصرّح به.

ثانياً:- إنَّ هذه الرواية لم تثبت كونها صادرة من الامام عليه السلام وإنما القمّي ذكر أنَّ الحنيفية هي كذا ، فعلى هذا الأساس لا يكون ما ذكره حجة.

وإذا قيل:- إنَّ القمّي شخصٌ عظيم وله مقامه فلابد أن يكون نقله لهذه الرواية عن الامام عليه السلام.

قلت:- لكنَّ هذا لا يمنع من كون ما صدر منه هو اجتهاد أو رأي منه ، فهو اعتقد على أنه توجد رواية صحيحة تدل على ذلك ، فهو لم يذكر الرواية والسند حتى نلاحظها ، فحتى لو كانت هناك الرواية معتبرة فلعلّه لو طرحت لا تكون معتبرة بنظرنا ، فإذن هذه الرواية ليست ثابتة بأنها من الامام عليه السلام.

نعم جاء في الوسائل نقلاً عن مجمع البيان نسبتها إلى الامام الصادق عليه السلام حيث قال:- ( الفضل بن السحن الطبرسي في مجمع البيان نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى " وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات " )[6] ، فإذن الرواية بناءً على هذا النقل تكون مسندة إلى الامام الصادق عليه السلام ، ولكن إذا تم هذا يأتي فسوف الاشكال الثالث.

ثالثاً:- نه لا يوجد سند مذكور بين القمّي وبين الامام الصادق عليه السلام حتى نلاحظه ، فهي إذن مرسلة.


[1] أعني تغيير الفطرة التي خلقهم الله عليها.
[2] ومن الواضح أنَّ المقدمة الثانية لا معنى للإشكال عليها لأنه من الواضح أنَّ هذا مما أمر به الشيطان.
[5] سورة البقرة، الاية124.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo