< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

بيد أنَّ الشيخ الصدوق روى نفس هذه الرواية بطريقه الخاص:- حيث قال في الفقيه:- ( روى محمد بن الحكم )[1] وليس بن الحكيم ، ثم نقل نفس الرواية التي أشار إليها الشيخ الطوسي(قده) ولكن تعبيره ( روى محمد بن الحكم ) ، ومن الواضح أنَّ الشيخ الصدوق(قده) عادةً يذكر صاحب الكتاب مثلاً أو من ينقل عنه أما الطريق إليه فيرجئه إلى المشيخة ، فطريقة إلى محمد بن الحكم - أو حكيم - لابد أن نحقّقه فيما بعد من المشيخة ، فلا تتصوّر أنَّ هذه الرواية مرسلة ، نعم إذا لم يكن السند مذكوراً في المشيخة فحينئذٍ تكون مرسلة ، ولكن سند هذه الرواية مذكور ، حيث قال في المشيخة:- ( وما كان فيه عن محمد بن حكيم فقد رويته عن أبي رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن محمد بن حكيم . ورويته عن محمد بن الحسن رحمه الله عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حكيم )[2] ، فهو ذكر طريقين إلى محمد بن حكيم وكلاهما صحيح ، فالطريق الأوّل عن أبيه وهو علي بن الحسين والد الصدوق هو من أجلة أصحابنا ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر ثقة ، وأحمد أحمد بن أبي عبد الله فهو البرقي ثقة ، وأبيه وهو محمد بن خالد البرقي ثقة أيضاً ، وحماد بن عيسى هو الجهني غريق الجعفة وهو ثقة ، وحريز ثقة ، عن محمد بن حكيم ، والسند الثاني كذلك أيضاً ، فإنه رواه عن محمد بن الحسن وهو بن الوليد استاذ الشيخ الصدوق وشيخ من مشايخه وهو من الأجلة ، ومحمد بن الحسن الصفار ثقة أيضاً ، ويعقوب بن يزيد من أجلة أصحابا ، وكذلك محمد بن عمير ، عن محمد بن حكيم ، فإذن الرواية لا مشكلة فيها من حيث السند.

نعم هناك مشكلة صغيرة:- وهي أنَّ الشيخ الصدوق(قده) قال في الفقيه: ( روى محمد بن الحكم ) ولكن الوارد في سند الرواية عندنا هو ( محمد بن حكيم ) فهذا قد يشكّل نقطة وهنٍ في الرواية فكيف الحلّ ؟

والجواب واضح:- وهو أنه حصل سقطٌ أو غير ذلك ، والوجه في ذلك: أنه لو كان الصحيح هو محمد بن الحكم فلابد أن يذكر في المشيخة ويقول ( وما رويته عن محمد بن الحكم ) ، فإذن لا يوجد احتمال أنَّ محمد بن الحكم هو غير محمد بن الحكيم وإلا لو كان غيره لذكر الصدوق في الشيخة سنداً إلى محمد بن الحكم ، مضافاً إلى أنَّ الشيخ الطوسي(قده) ينقلها عن محمد بن حكيم.

فإذن تزول هذه المشكلة.

ولكن تبقى مشكلة أخرى:- وهي أن محمد بن حكيم لم يذكره الشيخ ولا النجاشي بتوثيق فعلى هذا الأساس لا توثيق في حقه.

نعم بناء على من يبني على وثاقة جميع مشايخ الثلاثة - يعني محمد بن أبي عمير ومحمد بن أبي نصر البزنطي و ... - فحينئذٍ يكون هذا الرجل ثقة باعتبار أنَّ محمد بن أبي عمير يروي عنه والسند إلى ابن أبي عمير صحيح فلا مشكلة هنا.

ولكن لو قطعنا النظر عن هذه القضية هناك رواية ينقلها الكشي لا بأس بها سنداً ودلالةً ، فإذا استفدنا منها أنَّ الامام عليه السلام يمدحه بشكلٍ جيد فربما نستفيد منها التوثيق ، والرواية وسندها معتبر وهي ينتهي إلى حمّاد بن عيسى ، وهي:- ( كان أبو الحسن عليه السلام يأمر محمد بن حكيم أن يجالس أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يكلمهم ويخاصمهم حتى كلمهم في صاحب القبر فكان إذا انصرف إليه قال له:- ما قلت لهم وما قالوا لك ويرضى بذلك منه )[3] ، فيمكن أن يقال: إنَّ أمر الامام عليه السلام له بالجلوس والمناظرة يعني أنَّ الامام عليه السلام جعله ممثلاً للمذهب في المسائل الكلامية وحينما يعود يسأله ويرضى عنه وحينئذٍ نضمّ إلى ذلك مقدّمة أخرى وهي أنه من البعيد أن يجعل الامام عليه السلام شخصاً ممثلاً للمذهب وهو ليس بثقة فإن هذا بعيد.

ولو قيل:- إنه لا مانع من كونه ليس بثقة ، فصحيح أنه يعرف الجدال والمناظرة ولكنه ليس بثقة ؟

قلت:- إنه لا يوجد عندي جواب إلا الاستبعاد ، لأنَّ هذا منصب سامٍ فإنه يمثل المذهب ويمثل الامام عليه السلام فمن البعيد أن تكون فيه صفة سلبية ، فإذا قبلت بهذا فسوف يكون هذا طريقاً إلى توثيقه غير قضية رواية محمد بن أبي عمير عنه.

إذن لا مشكلة في الرواية سنداً ودلالة.

الرواية الثانية:- الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمد بن عيسى عن سيابة وإبراهيم بن عمر جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل قال أوّل مملوك أملكه فهو حرّ فورث ثلاثة ، قال:- يقرع بينهم فمن أصابه [ أصابته ][4] القرعة اعتق ، قال:- والقرعة سنّة )[5] ، ومورد الرواية خاص بمسألة العتق ولكن هذا لا يؤثر باعتبار أنَّ الامام عليه السلام قال في ذيل الرواية ( والقرعة سنّة ) فنستفيد من هذا التعبير التعميم ، فالمورد وإن كان خاصاً إلا أنَّه يمكن استفادة التعميم من الذيل.

بل وهناك ميزة لمورد الرواية:- وهي أنه في موردها لا يوجد تعيّن واقعي وأيضاً هناك جهالة ظاهرة وهذا يدل بالأولوية باعتبار القرعة تكون في مورد التعيّن الواقعي والجهالة الظاهرية ، وهذه قضية جانبية ليست مهمة ، والمهم هو أنَّ الامام عليه قال في ذيل الرواية ( والقرعة سنّة ) فنستفيد منها التعميم.

تبقى مسألة السند:- فالشيخ(قده) نقلها بإسناده عن الحسين بن سعيد ، والحسين بن سعيد وأخوه الحسن من أجلة أصحابنا وهما ثقتان أهوازيان ، وحماد بن عيسى هو غريق الجعفة وهو ثقة ، وسيابة مجهول الحال ، ولكن إبراهيم بن عمر الذي هو الصنعاني ثقة حيث قال عنه النجاشي ( شيخ من أصحابنا ثقة )[6] .

فإذن لا توجد مشكلة ، سوى أنَّ العلامة(قده) حينما ذكر إبراهيم بن عمر الصنعاني نقل عن ابن الغضائري ما نصّه: ( إنه ضعيف جداً )[7] ، فتحصل معارضة بين الجرج والتعديل ، فإذا بنينا على أنَّ رجال ابن الغضائري لم تثبت نسبته إليه كما سمعنا ذلك من درس السيد الخوئي(قده) وذكره أيضاً في معجم رجال الحديث حيث نقل في ترجمة الشيخ الطوسي(قده) له أنه كان له كتاب أو كتابان في الرجال وقد أتلفه الورثة يعني أنه في زمن الشيخ الطوسي لم يوجد ذلك الكتاب فعلى هذا الأساس تكون نسبة هذا الكتاب إلى ابن الغضائري ليست بثابتة ، وهذه المسألة تحتاج إلى بحثٍ وتحقيق ، فإذا بنينا على هذا فالأمر يكون سهلاً على مبنى السيد الخوئي(قده) ، فحيث إنه لم تثبت نسبة الكتاب إليه فحينئذٍ يبقى توثيق النجاشي بلا معارض.

أو بنينا على أنَّ ابن الغضائري كثير الغمز واللمز في أصحابنا فإنه هكذا ربما ينسب إليه ، وحينئذٍ هذه نقطة ضعفٍ تكون عليه ، وهل هذه الدعوى تامة أو لا ؟ إنها تحتاج إلى بحث ، فإن بنينا على أنَّ تضعيفاته غير معتبرة لأنَّه كثير الطعن في أصحابنا فحينئذٍ يعود كلام النجاشي بلا معارض.

وهناك طريق ثالث وهو الأسهل ، وهو أنَّ من يقرأ كتاب النجاشي يراه شخصاً معتدلاً في توثيقاته وتضعيفاته فلا يمدح زيادةً ولا يضعّف زيادةً ، بخلاف ابن الغضائري فإنَّ هذه الظاهرة موجودة عنده شيئاً ما - يعني أنَّ قلمه فيه حدّة - ، وإذا اجتمع توثيق النجاشي مع تضعيف ابن الغضائري فحيث أن النجاشي نعرف عنه حالة الاعتدال وابن الغضائري لا نعرف عنه ذلك فعند التعارض نأخذ بالمعتدل والسيرة قائمة على ذلك ، وهذا طريق سليم ومختصر.

إذن الرواية لا مشكلة فيها سنداً ودلالة.


[1] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج4، ص489، ح174.
[6] رجال النجاشي، النجاشي، ص20، رقم الترجمة26، ط دار النشر الاسلامي.
[7] رجال العلامة، العلامة الحلي، ص6، ط المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo