< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/07/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم الشطرنج في الوسائل الحديثة - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

النقطة الثانية:- حكم الشطرنج في الوسائل الحديثة.

ربما يخطر إلى الذهن أنّ المناسب هو عدم التحريم باعتبار أنّ الحرمة قد انصبّت على للعب بالشطرنج وهو عبارة عن تلك الآلات المعهودة فإذا لم تكن الآلات هي تلك المعهود وإنما صارت أشبه بالخطوط أو الرسوم على الموبايل أو الحاسوب فاللعب بهذه لا دليل على حرمته وحينما نشك يكفينا الشك فنتمسّك بأصل البراءة لنفي الحرمة.

وفيه:- إنّ الفقيه في مقام الاستنباط يلزمه أن يلاحظ المناسبات والارتكازات العرفية إذ لو لم يلاحظها لخرجنا بفقهٍ جديد ، وفي المقام نقول صحيحٌ أنّ الوارد في الروايات هو الشطرنج وأنه يجب الاجتناب عن الشطرنج وهو اسم للآلات المعهودة ولكن العرف يلغي خصوصية تلك الآلات فلو فرض أنّ تلك ألات المعهودة كانت من حديد ونحن أندلناها إلى خشب أو بلاستك ولكن بنفس الهيئات السابقة فهل يحتمل أنّ الحرمة لا تثبت آنذاك باعتبار أنّ مورد التحريم هو تلك الآلات السابقة ؟ كلا إنّ العرف يلغي خصوصية لتلك الآلات ، فكلّ ما قام مقام تلك الآلات في الآثار حينئذٍ يسري إليه الحكم ، هذا هو المناسب لا أنه يبقى الحكم على تلك الآلات القديمة.

وهذا نظير غسل الملابس فإنه وردت صحيحة محمد بن مسلم تدلّ على أنّ الثوب إذا تنجّس يغسل في المركن مرّتين ، والمقصود من المركن هو الاجانة أو ما يسمى بالطشت ، ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال:- اغسله في المركن مرّتين فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّة واحدة )[1] .

والسؤال المطروح:- ما هو حكم الغسل في الغسّالات الأوتوماتيكية الحديثة فهل يجزي الغسل بها أو لا ؟

والجواب:- ربّ فقيهٍ يقول إنّ الامام عليه اللام قال ( اغسله في المركن ) والغسال الحديثة ليست بمركن ، فعلى هذا الأساس لا يكفي الغسل بالغسالات الحديثة ، هكذا قد يخطر إلى الذهن.

وهذا في الحقيقة تعامل مع الألفاظ مع عدم إدخال المناسبات والاتكازات ، فإذا لم ندخل المناسبات والارتكازات في الحساب فالنتيجة تكون هكذا ، ولكن إذا أدخلناها في الحساب وهو أنّ الخصوصية كلّ الخصوصية هي للغسل والامام عليه السلام ذكر المركن من باب أنه وسيلة لوضع الملابس فيها ولتحقّق الغسل لأنّ الغسل يحتاج إلى مكانٍ والمكان عادةً هو المركن ، فعلى هذا الأساس لا خصوصية للمركن ، فلو فرضنا أنّ هذا الطشت الذي هو من حديد أبدلناه إلى بلاستك فهل يلزم أن نقول إنَّ الطشت البلاستك لا يكفي الغسل فيه ؟! فالعرف يلغي خصوصيّة كون الوسيلة التي يغسل فيها هي المركن أو غيره بل المهم هو تحقّق الغسل ، والغسل يتحقّق بهذه الغسّالات الحديثة لأنّ هذه الغسالات تدور وهي بهذا الدوران يصدق عنوان الغسل ، فحينئذٍ لا إشكال في الاكتفاء بذلك ، كما أنّ المفروض أنها تريق الماء أوّلاً ثم تريقه مرّة ثانية فصار الغسل مرّتين ، فإذن لا إشكال في كفاية الغسل بها.

وقد يقول قائل:- إنّ الغسالة الحديثة حينما تغسل الملابس قد يتصاعد فيها الماء المتنجّس من الملابس إلى جوانبها ثم بعد ذلك ينزل على الملابس وحينئذٍ ينجّسها فيكون الغسل بالغسالات الحديثة لا يخلو من إشكال.

وجوابه:- إنّ هذا المحذور يأتي في المركن أيضاً ، فأنت حينما تضع الملابس فيه وتغسلها في المرّة الأولى ثم تريق الماء فالإمام عليه السلام لم يقل عليك بغسل جميع جوانب المركن وتطهيرها ، فسكوته يدلّ على عدم لزوم ذلك ، بل بمجرّد إراقة الماء ثم وضع الملابس في المركن من جديد وصبّ الماء عليها ثم فركها فحينئذٍ صار الغسل وفي الأثناء قد يتصاعد الماء إلى جوانب المركن وينزل وكلّ هذا غضّ الامام عليه السلام النظر عنه ، فإذا غضّ النظر عنه ففي الغسّالة الحديثة لنقل ذلك ، فإذن من هذه الناحية لا فرق ، أو أنا أتيت بهذا الشاهد لبيان أنّ مناسبات الحكم والموضوع أو الارتكازات لابد من إعمالها ، فإذا لم نعملها فسوف نخرج بفقهٍ جديدٍ لأنه دائماً لابد وأن نقتصر على مورد النصّ ولا نتعدّى عن ذلك.

إذن النتيجة:- هي أنّ الشطرنج في الوسائل الحديثة سوف يكون حكمه حكم الشطرنج بالوسائل القديمة لإلغاء الخصوصية لكون الوسيلة وسيلة قديمة ، ولا يحتمل العرف والارتكازات العرفية الخصوصية لها وإنما الخصوصية كلّ الخصوصية للّعب بها بالشكل الخاص ، فإذا تحقق اللعب بها بالشكل الخاص كما يتحقّق بالوسائل القديمة فالحكم هو الحكم الثابت لتلك الوسائل القديمة ، فإذن لا فرق من هذه الناحية.

النقطة الثالثة:- حكم الشطرنج إذا تبدّل إلى وسيلةٍ عليمة.

إذا فرض أنّ الشطرنج صار وسيلةً علمية في زماننا مثلاً فهل يبقى الحكم بالتحريم أو أنه يزول ؟

ربما يخطر إلى الذهن أنه يبقى وذلك لوجهين:-

الوجه الأوّل:- التمسّك بإطلاق الدليل ، فإنّ الدليل مطلق ولم يقيّد بما إذا فرض أنّ آلات الشطرنج لم تصر وسيلة علمية فإنّ التحريم لم يقيّد بذلك بل هو مطلق من هذه الناحية ومادام مطلقاً فنأخذ بالإطلاق المذكور وتصير النتيجة هي الحرمة بشكلٍ مطلق ، هكذا قد يخطر إلى الذهن في بداية الأمر.

والجواب:- إنّ مناسبات الحكم والموضوع والارتكازات لابدّ من تحكيمها كما قلنا ، فإنه لا يحتمل كون الخصوصية لآلة الشطرنج بما هي هي وإنما الخصوصية لكونها آلة قمار يتقامر بها ، فحيثية القمارية هي المهمّة وليس حيثية الآلة بما هي فهذا هو المفهوم عرفاً ولا ينبغي أن يحتمل فقيه أنّ الخصوصية هي للآلة نفسها ، بل الخصوصيّة هي لكونها يتقامر بها.

ولو قلت:- لماذا لم يقيّد الامام عليه السلام بل أطلق ؟

والجواب واضحٌ:- فإن التقييد لا داعي إليه؛ إذ حينما صدرت النصوص كانت هي وسيلةً للقمار فالتقييد فما الداعي إلى التقييد حينئذٍ ؟!!

إلا أن تقول:- لابد وأن ينظر إلى المستقبل .

وجوابه:- كلا ، بل الامام عليه السلام لو أراد أن يقيّد مثل هذه التقييدات فسوف يلزم من ذلك الاستخفاف ، فهي وسيلة قمارية وليست وسيلة علمية فالتقييد بذلك مضحكٌ في تلك الفترة الزمنية ، فلا داعي إلى التقييد.

مضافاً إلى أنّ هذا شيء مفروض فالتقييد لماذا؛ إذ الامام عليه السلام يتكلّم مع أناسٍ عرفيّين هم يفهمون أنّ الخصوصية كلّ الخصوصيّة هي للقمارية فإذن لا داعي إلى هذا التقييد ، وإذا قيل للإمام لِمَ لَمْ تقيّد ؟ فإنه يجيب:- بأنّ الحالة العامّة هي القمارية والمفهوم عند الناس هو ذلك فلماذا أقيّد ؟!! فهو يتمكّن أن يعتذر ويكون اعتذاره مقبولاً ، فإذن لامعنى للتمسّك بالإطلاق المذكور.

نعم يبقى شيء:- وهو أننا قد نختلف معك في أنها انقلبت إلى وسيلةٍ علميّةٍ أو بَعدُ قمارية أو لا أقل مشتركة ؟ ولكن هذه قضيّة صغرويّة ، ولكن لو فرض أنها تبدّلت واقعاً إلى وسيلةٍ علميّة فلا وجه حينئذٍ لبقاء الحرمة لعدم احتمال ثبوت الحرمة لهذه الآلات بما هي هي وإنما بما هي وسيلة يتقامر بهها ، فلا حاجة إلى التقييد.

ويبقى شيء آخر:- وهو أنّ الفقيه في مثل هذه الموارد هل المناسب له أن يعطي زمام التشخيص إلى المكلّف أو أنه هو الذي يشخّص ذلك من خلال خبراء يكلّفهم بهذه المهمّة ؟ وهذا سؤالٌ عامٌّ في الموضوعات التي يحتمل حصول التغيّر والتبدل فيها ؟

والجواب:- إنَّ بعض الموضوعات لا بأس بإلقاء العهدة في ذمّة المكلّف ونقول له إنَّ ما تشخصه أعمل على طبقة ، ولكن بعض الموضوعات الأخرى لخوف محذور التساهل والانسياب ونعرف أنّ الناس يحبّون أن يلعبوا بآلات الشطرنج فربما يتساهلون ويقولون نعم حصل تبدلّ وحينئذٍ تصير قضيّة شائعة ، بل ربما لا يلتفتون إلى ما نقول وهو أنه ( إن حصل تبدّل فيجوز اللعب ) يعني لا يتوجهون إلى هذا الاشتراط ، كما أتذكر في الزمان الذي صدر من السيد الخميني(قده) الجواب حينما سئل عن الجواز وعدمه فهو قال:- ( في مفروض السؤال يجوز )[2] - لأنهم فرضوا التبدّل - والناس فهموا الجواز المطلق وشاع ذلك عنه ، فإذن لابدّ للفقيه أن يأخذ زمام الأمر بيده فهو يشخّص الموضوع ، ففي بغض الموارد المناسب هو هذا خوف الانسياق ، ولعلّ من بعض الموارد هذا المورد ، ولا أريد أن أقول هذا لازمٌ بل المناسب للفقيه هو ذلك.

فإذن الوجه الأوّل قد يتمسّك به لإثبات التحريم هو الاطلاق وقد عرفت أنّه إذا حكّمنا المناسبات والارتكازات فالإطلاق ليس بموجود.

الوجه الثاني:- توجد عندنا روايات أمرت بالاجتناب وأنّ الشطرنج لابد من الاجتناب عنه ، وحينئذٍ اللازم ترك مزاولة آلات الشطرنج حتى لو خرجت وصارت وسيلةً علمية والروايات هي:-

الأولى:- رواية أو صحيحة زيد الشحام:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله الله عزّ وجلّ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور " قال:- الرجس من الأوثان الشطرنج والزور الغناء )[3] ، إنها دلّت على وجوب الاجتناب حيث قالت ﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان [4] والإمام عليه السلام فسّر الرجس من الأوثان بالشطرنج ، يعني اجتنبوا الشطرنج ، وهذا مطلقٌ فنفس آلات الشطرنج يلزم الاجتناب عنها.

وإنما ردّدنا بين كونها رواية أو صحيحة باعتبار دُرُسْت فإنه واردٌ في سند الرواية وهو لم يثبت في حقّه توثيق وإنما روى عنه أحد الثلاثة ، فبناءً على قبول هذا المبنى تصير صحيحة ، وأما بناءً على عدم قبوله فسوف تصير رواية.

الثانية:- رواية أو صحيحة مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن الشطرنج فقال:- دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله )[5] ، إنها أيضا دلّت على لزوم ترك الشطرنج ، فنفس آلات الشطرنج مبغوضة.

وردّدنا بين كونها صحيحة أو رواية باعتبار أنه لو كان الوارد هو مسعدة بن زياد فهو ثقة ، وأما إذا كان الوارد هو مسعدة بن صدقة - كما في بعض النسخ - فهو لم يرد في حقّه توثيق ، فالترديد بهذا الاعتبار.

الثالثة:- رواية أو موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد )[6] ، وهي أيضاً تدلّ على النهي عن اللعب بها مطلقاً - نفسها بما هي - ، والترديد بها باعتبار النوفلي على المبنى.

الرابعة:- صحيحة معمّر بن خلاد عن أبي الحسن قال:- ( النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر )[7] ، إنها دلّت على أنّ النرد والأربعة عشر هي بمنزلة واحدةٍ وهي ميسر يعني يلزم الاجتناب عنها . وهناك روايات أخرى في هذا المجال.

إنه قد يتمسّك بإطلاق هذه الروايات فيقال إنّ هذه الروايات دلّت على لزوم الاجتناب فنفس الشطرنج يلزم الاجتناب عنه.

والجواب:- إنه لو ظهر المتكلّم وقال إني لم أقيّد باعتبار أنه حينما صدر هذا النصّ منّي كان الشطرنج وسيلة قمارية ولم يكن وسيلةً علميّة فلماذا أقيّد مادامت الحالة المتعارفة هي حالة القمارية فالتقييد لا داعي إليه ، والاطلاق لا يكون مستهجناً مادامت الحالة المتعارفة في زمن صدور النصّ هي الحالة القمارية ، فإذن الاطلاق يشكل التمسّك به لإثبات لزوم تركها وهجرها مطلقاً حتى إذا صارت وسيلةً قمارية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo