< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 366 ) ، مسألة ( 367 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثالثة:- يستحب الوقوف في السفح من ميسرة الجبل.
 وهذا الحكم قد ذكره بعض الأصحاب - أعني الجمع بين القيدين ( سفح ) و ( في الميسرة ) - وممن ذكره المحقق في الشرائع حيث قال ( والمندوب الوقوف في ميسرة الجبل في السفح ).
 ولكن إذا رجعنا إلى الروايات لم نجد رواية تدل على ذلك بنحو الجمع بين القيدين . نعم ورد أحد القيدين في رواية والآخر في رواية أخرى والجمع العرفي ربما يساعد على الجمع بين القيدين المذكورين فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله غليه السلام قال:- ( قف في ميسرة الجبل فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف بعرفات في ميسرة الجبل ) [1] فإنها ذكرت الميسرة من دون أخذ قيد السفح بعين الاعتبار ، ولكن إذا نظرنا إلى رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام ( عرفات كلها موقف وأفضل الموقف سفح الجبل ) [2] نجد أنها دلّت على اعتبار السفح ، وعليه فمن باب الجمع العرفي تصير النتيجة ما ذكره(قده) من أن المستحب هو حالة اجتماع القيدين.
 وقد يشكل بأن الرواية الثانية ضعيفة السند باعتبار ورود سهل في الطريق فإذا لم نبنِ على كون أمره سهلاً فماذا نصنع آنذاك ؟
 قد يجاب:- أنه بالإمكان التعويض بموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة حيث جاء فيها ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض ؟ فقال:- على الأرض ) إنها دلت على رجحان الوقوف على الأرض وحيث أن السفح مصداق للأرض والوقوف عليه مصداق للوقوف على الأرض فبالإمكان حينئذ التعويض عن رواية مسمع - الضعيفة بسهل - بهذه الرواية.
 ولكن يردّ:- بأن من الوجيه أن كلمة ( الأرض ) الواردة في هذه الرواية بقرينة المقابلة مع الجبل هو أن يكون المقصود منها ما عدى الجبل بأعلاه وبسفحه فإن الكل آنذاك ، ولا نريد أن ندعي الجزم والظهور الجزمي في ذلك وإنما يكفينا أن عبارة ( الأرض ) مجملة من هذه الناحية وبالتالي لا يمكن الاستفادة من هذه الرواية . فبالتالي من أراد أن يدرك الاستحباب بالقدر المتيقن فعليه أن يقف في السفح وإذا وقف في الأعلى فهو مستحب ولكن لا بنحو القدر المتيقن ولكن في الميسرة كما ذكرنا.
 بقي شيء:- وهو أنه كيف نحدّد الميسرة فإن الجبل ليس له ميسرة وميمنة بشكل مضبوط حتى يمكن التعويل على ذلك ؟
 ربما يقال:- إن المناط في ذلك هو استقبال القبلة فمن استقبل القبلة فبلحاظ حالة الاستقبال نحدّد ميسرة الجبل من ميمنته ، وقد حكي هذا قولاً عن بعض الأصحاب من دون تعيينه والناقل هو كاشف اللثام [3] والنراقي(قده) [4] .
 والإشكال عليه واضح:- فإن هذا قول بلا دليل ، أي كيف تثبت أن المدار على ملاحظة حالة الاستقبال ؟
 والأولى أن يقال:- إن المدار على ملاحظة الجائي من مكة ، فالذي يجيء من مكة متوجهاً إلى عرفات تحدد بلحاظه الميسرة من الميمنة ، والوجه في ذلك هو أن الخطاب المتوجه في صحيحة معاوية ( قف في ميسرة الجبل ) هو خطاب إلى الجائي من مكة - يعني أيها الإنسان الذي تجيء من مكة قف في ميسرة الجبل - فيكون المدار في تحديد المسرة على الجائي من مكة المكرمة.
 
 مسألة ( 367 ):- يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف.
 ..........................................................................................................
 هناك حالات أربع ثنتان منها لا إشكال في الاجتزاء بهما وحالتان هما محل الكلام وقد أشير اليهما في عبارة المتن . إذن عبارة المتن تتكفل بيان حكم الحالتين الأخيرتين دون الأوليين لوضوح حكمهما.
 أما الحالتان الأوليان فهما:-
 الحالة الأولى:- وهي الحالة العادية أو التي ربما تكون طبيعية وهي أن يذهب المكلف إلى عرفات من بداية الوقت ويبقى مستيقظاً يسبح الله ويقدسه ، وهذه جزماً هي الحالة الواضحة والمجزية ولا أقول هي الطبيعية لأن الناس عادةً يتعبون وينامون.
 الحالة الثانية:- ما إذا فرض أن الشخص ذهب في الوقت المحدّد ونوى الوقوف بعد دخول الوقت ومضت فترة ثم استولى عليه النوم إلى آخر الوقت - يعني أنه كان مستيقظا مدّة ساعة أو دقيقة مثلاً - وهذه لا إشكال في الاجتزاء بها أيضاً فإن ما سنذكره في الحالتين الأخيرتين - أو في الحالة الأولى من الاخيرتين - كدليل على عدم الاجزاء قد يعمّ هذه الحالة أيضاً كما سوف يتضح انشاء الله تعالى.
 ولكن يوجد دليل خاص على الاجتزاء بها رغم أن القاعدة قد يدّعى أنها لا تقتضي الإجزاء وهو هو السيرة المتشرعية فإنها جرت على أن الإنسان في عرفات قد ينام ولا يبقى مستيقظاً طيلة الفترة ولو كان النوم ممنوعاً لكان حكم ذلك واضحاً ولكن لا إشكال في أنه يجوز النوم فهذه السيرة القطعية المتشرعية التي هي ثابتة جزماً فهي تكفي كدليلٍ على الإجزاء.
 وأما ما قد يقال بأنه يمكن أن يحكم بالإجزاء من باب أن الركن قد تحقق - وسوف يأتي أن الركن هو المسمى فعليه يحكم بالإجزاء في هذه الحالة من باب تحق الركن - فمدفوع بأنه وإن كان وجيهاً من ناحية إثبات الإجزاء ولكن لازم هذا البيان أن يكون المكلف عاصياً فإن الوقوف بقيّة الفترة شيءٌ واجب غايته لا يبطل الحجّ بتركه عمداً ما دام قد أتِيَ بالمسمّى فيلزم أن يكون المكلف عاصياً وبالتالي لا يجوز النوم . إذن نحن نريد دليلاً يثبت لنا جواز النوم بلا عصيان - يعني الإجزاء مع عدم العصيان لا إجزاء مع العصيان - والذي يثبت لنا ذلك هو السيرة دون هذا الذي ذكرناه.
 وأما الحالتان الأخيرتان فهما:-
 الحالة الأولى:- أن يذهب الشخص إلى عرفات قبل دخول الزوال ولكن يستولي عليه النوم ولم يستيقظ إلى ما بعد الغروب ، وقد حكم فيها(قده) بعدم الإجزاء.
 الحالة الثانية:- نفس الحالة الأولى ولكن نفترض أنه استيقظ قبل الغروب بلحظة أو لحظات بحيث أدرك الركن يعني المسمّى وقد(قده) حكم فيها بالإجزاء ، وعبارة المتن وافية بحكم كلتا هاتين الحالتين حيث قال ( فلو نام أو غشي عليه في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف ) إنه يدلّ على حكم الحالة الأولى من هاتين الحالتين - وهو من نام طيلة الوقت - وبالمفهوم نفهم من العبارة أنه إذا لم ينم طيلة الوقت بل استيقظ للحظة أو لحظات فذلك مجزٍ ويتحقق منه الوقوف.
 والكلام يقع بالنسبة إلى الحالة الأولى من هاتين الحالتين:- فكيف نحكم بعدم تحقق الوقوف منه ؟
 إنه لا توجد رواية في البين تدل على ذلك يعني أنه يعتبر الاستيقاظ في بعض الفترة ولا يجزي ما إذا كان الشخص نائماً طيلة الفترة إذن كيف حكم السيد الماتن بعدم تحقق الوقوف منه؟
 يمكن أن يكون الوجه في ذلك أحد الوجوه الثلاثة التالية:-
 الوجه الأول:- إنه ادعي في علم الأصول في مبحث صيغة الأمر ومادته أن ظاهر نسبة المادة إلى الفاعل من قبيل ( أكتب ) حيث نسبت الكتابة إلى الشخص المخاطب هو الحصة الاختيارية يعني أن المطلوب هو ما يكون صادراً بالاختيار أما إذا لم يكن صادراً بالاختيار - بحيث كان الشخص مسلوب الاختيار - فلا يكون مصداقاً للآتي للمأمور به ، وهذا المعنى قد يدّعى أيضاً في غير الأمر - أي حتى في الفعل الماضي أو المضارع - فيقال ( فلان أكل أو درس أو درَّس ) فيما إذا فرض أن ذلك صدر منه بالاختيار أما إذا فرض أن الظالم كان واقفاً على رأسه بحيث أنه كان مسلوب الاختيار فلا يقال ( درس أو درَّس ) ولذلك هو يعترض ويقول ( أنا ما درَّست وإنما هذا أجبرني ) فهذا معناه أن ظاهر نسبة المادة إلى الفاعل هو إرادة الحصة الاختيارية ومستند ذلك هو الظهور العرفي كما أشرنا إليه ، وقد ادعى ذلك السيد الخوئي(قده) في علم الأصول في مبحث مادة وصيغة الأمر وطبق هذه الفكرة في المقام أيضاً فقال إنما يقال للشخص ( أنه وقف في عرفات ) أو ( قف في عرفات ) فيما إذا صدر منه ذك بالاختيار ، وما دام الشخص نائماً طيلة الفترة فلا يكون لديه اختيار وبالتالي لا يصدق تحقق المأمور به في حقه.
 الوجه الثاني:- ولعله مقصود له أيضاً في العبارة وهو أن يدعى أن متعلق التكليف في قوله عليه السلام ( قف ) - أي في صحيحة معاوية أو غيرها - إن المأمور به هو الحصة المقدورة فإن متعلق التكليف دائماً هو المقدور وإلّا فغير المقدور لا يتوجه إليه التكليف كما قال الشيخ النائيني(قده) حيث ذكر أن الهدف والداعي من الأمر هو التحريك والتحريك لا يمكن إلّا نحو الشيء المقدور ومن هنا يكون متعلق الأمر والنهي دائماً هو الحصة المقدورة والنكتة هي أن التكليف مجعول بداعي التحريك وذلك لا يمكن إلا بالنسبة إلى الحصة المقدورة فقط ، إنه بناءً على هذا يكون هذا الوقوف الذي فرض أنه في حالة النوم حيث أنه ليس مقدوراً لفرض أنه نائم فالقدرة تكون مسلوبة فلا تكون هذه الحصة متعلقة للأمر فلا تكون مجزية.
 الوجه الثالث:- إن قصد القربة لازم في الوقوف فإنه عبادة والقربة لا تتحقق إلّا في حق الملتفت فلو كان نائماً طيلة الفترة فالقربة لا تكون متحققة.
 إذن قد يتمسك بأحد أو بكل هذه الوجوه الثلاثة لإثبات عدم الإجزاء.


[1] لوسائل 13 534 11 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح1.
[2] المصدر السابق ح2.
[3] كشف اللثام 6 66 .
[4] مستند الشيعة 12 -220.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo