< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 362 ) ، مسألة ( 363 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 إن قلت:- توجد قرينة على وجود خصوصية لأحد الموردين - أعني التذكر في عرفات أو التذكر بعد الانتهاء من جميع الأعمال - وعليه فالتذكر في المشعر لا يكون محكوماً بالصحة مادامت القرينة قد دلت على الخصوصية لذينك الموردين ، والقرينة هي قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر بعد أن سأله عمن التفت عند الفراغ من تمام الأعمال:- ( إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه ) فإن التقييد بقوله ( إذا قضى المناسك كلها ) بحيث سلّط الأضواء على قضاء جميع المناسك فيظهر منه وجود خصوصية لذلك وأن الحكم بالصحة يدور مدار قضاء جميع المناسك أو الالتفات في عرفات ، وعليه يكون الالتفات في المشعر ليس محكوماً بالصحة بمقتضى هذه القرينة.
 قلت:- إن هذه الشرطيّة كما يحتمل أنها مسوقة لبيان المفهوم - يعني أنه إذا لم يقضِ المناسك كلّها فلا يحكم بالصحة - يحتمل أنها مسوقة لبيان تحقق الموضوع وأن المقصود هو أنه في الفرض المذكور - أعني تمام جميع المناسك - حيث قد فرض السائل ذلك فلا يلزمه آنذاك شيء لأن الالتفات صار بعد قضاء جميع المناسك بخلاف ما إذا كان في الأثناء فيلزمه أن يعقد الإحرام بجملة ( اللهم على كتابك وسنَّة نبيك ) أما إذا التفت بعد تمام الأعمال فلا ضير عليه من ناحية الإحرام بخلاف ، إن هذا الاحتمال موجود ومعه تكون العبارة المذكورة مجملة فلا تقف حائلاً أمام البيان العرفي الذي أشرنا إليه.
 والذي يعزز هذا الاحتمال الذي أبرزناه هو أن السائل قد فرض تمامية الأعمال والرجوع إلى البلد فإنه ما دام قد فرض ذلك فما معنى لأن يقول الإمام عليه السلام:- إن كنت قد أتممت فقد صح وإن لم يتم فلا يصح ، إن هذا لا معنى له بخلاف ما إذا كان المقصود هو أنه مادام قد فرضت تمامية الأعمال فلا يلزمك أن تقول الجملة المذكورة فيحكم بالصحة بلا حاجة اليها. والخلاصة:- إن الجملة المذكورة مجملة من هذه الناحية ، ومعه فلا تشكّل قرينة أمام ما أشرنا إليه.
 النقطة الثالثة:- إذا انتهى المكلف من تمام الأعمال ثم التفت إلى أنه لم يحرم فلا إشكال في بالحكم بالصحة في مثل ذلك للصحيحة المتقدمة. نعم التساؤل هنا هو أن مورد الصحيحة هو حالة الجهل فقط والآن نريد أن نقول:- إن مورد الصحيحة هو الجاهل فكيف نعمم الحكم بالصحة للناسي ؟ وهذا عكس السؤال الذي طرحناه في النقطة الأولى.
 وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) أن الحكم بالصحة إذا ثبت للجاهل فبالأولى يثبت للناسي إذ الناسي أشد معذورية من الجاهل ولذا كان رفع الحكم في حديث الرفع في حق الناسي رفعاً واقعياً إذ لا يمكن توجيه الخطاب إليه بلحاظ عالم الواقع بخلافه في الجاهل فإن الرفع بلحاظه ظاهري ، وعلى هذا الأساس نعمم الحكم للناسي من باب الأولوية.
 وما أفاده وجيه بناءً على تمام الأولوية المذكورة ، أما إذا نوقش فيها بأنه في باب الصلاة قد ورد أن من صلّى في النجاسة وكان ناسياً لها بعد علمه بها مسبقاً فصلاته محكومة بالبطلان وأما إذا كان جاهلاً فصلاته محكومة بالصحة ، إن هذا يزعزع الجزم بالأولوية ، وعليه فنحتاج إلى بيان آخر.
 ويمكن أن نتمسك بالبيان العرفي الذي أشرنا إليه سابقاً وذلك بأن يقال:- إن العرف لا يفرق من حيث الحكم بين الجاهل والناسي فإذا ذكر له حكم في حق الناسي فإنه يعممه للجاهل وبالعكس ، اللهم إلا أن يُرشَد وينبَّه إلى التفرقة أما مع عدمها فلا يرى فرقاً بينهما ، وعلى هذا الأساس كان من المناسب له عليه السلام لو كان يوجد فرق أن ينبِّه إليه ويقول لعلي بن جعفر ( هذا الحكم خاص بالجاهل ولا يعم الناسي ) خصوصاً أن شبهة الأولوية ربما تكون موجودة في الذهن فهذا يؤكد الحاجة إلى بيان التفرقة لو كان هناك فرق . إذن سكوت علي بن جعفر عن السؤال عن حالة النسيان وسكوت الامام عن بيان ذلك يورث الاطمئنان للفقيه أو يتولد ظهور في عدم التفرقة بينهما من هذه الناحية ، ولذلك نجد أن الفقهاء بعرفيتهم السالمة حكموا بعدم الفرق ولكنهم تحيّروا في كيفية التخريج . إذن عدم الفرق قضية تعيش في قلب الإنسان العرفي. والنتيجة:- المناسب الحكم بالتعميم من هذه الناحية لما أشرنا إليه إن لم تتم الأولوية وإن تمت فبكليهما.
 بقي شيء:- وهو أن الشيخ النائيني(قده) في مناسكه حينما تعرض إلى هذه المسألة قال:- المشهور هو الحكم بالصحة ، ونصُّ عبارته هكذا:- ( ولو نسي الإحرام منها [1] حتى خرج إلى منى أو عرفة أو تركه جهلاً بوجوبه منها لزمه الرجوع إليها للإحرام كما تقدم . ولو ضاق الوقت عن اختياري عرفة أو كان الرجوع متعذراً عليه أحرم من ذلك الموضع وأجزأه ذلك . ولو لم يتذكر إلا بعد أداء المناسك أجمع فالمشهور صحة حجّه ) فهو قد نسب الحكم بالصحة إلى المشهور ومقصوده من التذكر هنا ليس خصوص حالة النسيان بل ما يعمُّ حالة الجهل ايضاً لأنه لم يتعرض إلى الجاهل فيما بعد وأما ما قبل أي الفرع القبلي - فكان ناظراً إلى الجاهل والناسي فهنا حينما قال ( ولو لم يتذكر ) أي ولو لم يلتفت أعم من كونه جاهلاً أو ناسياً قال المشهور الصحة.
 وتعليقنا هو:- لماذا نسبت الحكم إلى المشهور وأنت لم تجزم بالصحة ؟ إن المناسب أن يقول ( فالحكم هو الصحة كما هو المشهور ) أو لا يحتاج إلى التنبيه إلى قول المشهور إذ تكون الحاجة إلى ذلك في المورد الذي فيه خلاف أو توقف أما المورد الذي توجد فيه رواية صحيحة بلا معارض فلماذا لم يجزم بالحكم ، وهذا غريب منه(قده) ، اللهم إلا أن نفترض أن القاعدة تقتضي البطلان فلأجلها توقف وهذا أشد غرابة حيث يتمسك بالقاعدة ويترك الرواية !!
 وعلّق السيد الحكيم(قده) على هذه الفقرة بقوله:- ( بل هو الأقوى كما تقدم وتقدم وجهه أيضاً وكذا حكم الجاهل ).
 وتعليقنا على ما أفاده السيد الحكيم هو:- إنه لا معنى لأن يكون الحكم هو الأقوى بالنسبة إلى الجاهل بل لابد من الجزم بالصحة بلا حاجة إلى كلمة ( أقوى ) ، نعم التعميم للناسي بعد فرض أن مورد الرواية هو الجاهل يحتاج إلى كلمة ( الأقوى ) ، وهذه قضيّة فنيّة جانبية ليست مهمة.
 
 
 مسألة ( 363 ):- من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك فإن لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه ولزمته الاعادة من قابل.
 ..........................................................................................................
 الحكم المذكور واضح وهو على طبق القاعدة ، بل قد تصعّد اللهجة ويقال:- لا داعي لذكر هذه المسألة من الأساس فإن من ترك الإحرام عامداً بحيث لم يمكنه الاتيان به قبل موقف عرفات فقد أخلَّ بجزءٍ عن عمداً فالحكم بالبطلان واضح بلا حاجة إلى ذكر هذه المسألة ، ولكن لأجل وجود خلاف من بعض الأصحاب كما سنذكر أشار(قده) إلى هذا الحكم . قال صاحب الجواهر(قده):- ( لو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان حجّه فاسداً ووجب عليه قضاؤه بل في المسالك حيث يتعذر رجوعه مع التعمّد بطل نسكه ويجب عليه قضاؤه ) [2] . والفرق بين ما ذكره صاحب المسالك وما أشار إليه صاحب الجواهر هو أن صاحب الجواهر كان ناظراً إلى حالة الترك العمدي مع فرض أنه يتمكن من التدارك ولكنه لم يتدارك وأما صاحب المسالك فقد قال إنه حتى لو لم يمكنه التدارك فيبطل حجّه مادام قد ترك الإحرام من البداية عن عمدٍ .
 وعلى أي حال قد وردت رواية في هذا المجال وصارت منشأ للشبهة وهي صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال:- يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج [3] ) [4] ومورد الرواية وإن كان هو عمرة التمتع فإن إحرام الحج يكون من نفس مكة ولكن لا يحتمل الفرق بين الاحرامين من هذه الناحية ، وبناءً عليه قد يقال:- إن الرواية مطلقة وشاملة للتارك العمدي لأن الحلبي قال:- ( سألته عن رجل ترك الإحرام ) و( ترك ) كما يصدق على الجاهل والناسي يصدق على العامد أيضاً فعلى هذا الأساس لا يحكم بالبطلان في حق من ترك الإحرام عمداً فيُحرِم من مكانه بمقتضى هذه الرواية . وممن مال إلى ذلك الأردبيلي(قده) [5] وصاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( واحتمل بعض الأصحاب الاكتفاء بذلك في حق العامد إذا خشي أن يفوته الحج لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة وهو غير بعيد ) [6] ، وذهب إلى ذلك الشيخ النراقي(قده) أيضاً حيث تمسك بإطلاق صحيحة الحلبي وقال:- ( ودعوى عدم انصرافه إلى العامد ممنوعة ) [7] ، فكيف نعالج هذا ؟


[1] اي من مكة.
[2] الجواهر 18 33.
[3] أي إلى أدنى الحل.
[4] الوسائل 11- 330 14 من المواقيت ح7.
[5] مجمع الفائدة 6 174.
[6] المدارك 7 235.
[7] مستند الشيعة 11 199.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo