< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 358 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثالث:- إنه ورد في صحيحة حماد أن من خرج من مكة بعد الفراغ من عمرة التمتع من دون إحرام جهلاً - حيث أن الواجب عليه هو أن يخرج محرماً ولكنه خرج من غير إحرام - فماذا يصنع بعد ذلك ؟ أجاب عليه السلام:- بأنه إذا أراد الدخول إلى مكة في نفس شهر عمرة التمتع فلا يحتاج إلى إحرام جديد وإلّا احتاج إلى إحرام جديد وعمرة جديدة وهذا ليس هو موضع الشاهد ، بل موضع الشاهد هو قول السائل:- ( فأي الإحرامين والمتعتين متعة - أو متعته الأولى أو الأخيرة ؟ قال:- الأخيرة هي عمرته وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته ) وهذه العبارة موجودة في صحيحة حماد فقط ، وتقريب الدلالة:- إنه عليه السلام حكم بأن العمرة التي يأتي بها هي عمرة تمتع والأولى لا تكون هي العمرة المحتبس بها والمتصلة بالحج وهذا معناه أن العمرة المفردة لا يمكن الإتيان بها في البين إذ لو أمكن وجاز لبقيت العمرة الأولى هي عمرة التمتع وهي الموصولة بالحج وهي المحتبس بها دون الثانية ، إن صيرورة الثانية هي عمرة التمتع دون الأولى معناه عدم جواز الإتيان بالعمرة المفردة في البين وإلّا لو جاز ذلك لكانت الأولى هي المحتبس بها للحج.
 وفرق هذا الوجه عن سابقه واضح:- ففي السابق كان يُستَند إلى مسألة حرمة الخروج من مكة للمتمتع وهذا ورد في روايات أربع غير رواية حمّاد ، وأما في هذا الوجه فلا يستند إلى مسالة حرمة الخروج بل يستند إلى أنه إذا أتى بعمرة في البين كانت هي عمرة التمتع وهذا لم يرد إلّا في صحيحة حمّاد في فقرتها المذكورة.
 وفيه:-
 أولاً:- إن غاية ما تدل عليه الفقرة المذكورة هو أن من أتى بالإحرام الواجب والعمرة الواجبة وهي التي تكون لدخول مكة في الشهر الجديد انقلبت إلى عمرة تمتع ولا يستفاد من ذلك قاعدة عامة وهي أن كل من أتى بعمرة مفردة فهي تنقلب إلى عمرة تمتع فإنه عليه السلام لم يقل بنحو الضابط الكلي ( كل من أتى بعمرة مفردة صارت عمرة تمتع واتصلت بالحج ) وإنما ذكر أن من أراد الدخول إلى مكة في الشهر الثاني فعليه أن يأتي بعمرة ثم قال ( هي التي تصير عمرة التمتع ) فغاية ما يستفاد من هذا المضمون هو أن العمرة الواجبة لدخول مكة يكون حكمها ذلك لا مطلق العمرة المفردة كما لو فرض أن المكلف أتى بالعمرة المفردة في نفس الشهر بناءً على كفاية الفاصل بمقدار عشرة أيام كما يذهب إليه الشيخ النائيني(قده) وغيره أو بناءً على أنه لا يلزم وجود فاصل بين العمرة المفردة وبين عمرة التمتع وإنما هو لازم بين العمرتين المفردتين كما يذهب إلى ذلك بعض الفقهاء ومنهم السيد الخوئي(قده) نفسه - فإنه على ما ببالي يذهب إلى عدم اشتراط الفاصل بين عمرة التمتع والعمرة المفردة - فلو أتى بها في نفس الشهر فلا تكون هي واجبة لأجل دخول مكة لأنها في نفس الشهر وتصح باعتبار أنه لا يعتبر الفاصل بين عمرة التمتع والعمرة المفردة ، بل قد يتصور ذلك في الشهر الثاني أيضاً فيما إذا فرض أنه لم يخرج من مكة إلى منطقة بعيدة فانه إذا لم يخرج إلى منطقة بعيدة فدخوله إلى مكة لا يحتاج إلى إحرام جديد كما يظهر ذلك منه في مسألة ( 154 ) فإنه قيّد وجوب الإحرام الجديد في الشهر الثاني بما إذا خرج وتجاوز المواقيت ، وعلى هذا الأساس إذا لم يتجاوز المواقيت فدخوله إلى مكة لا يحتاج إلى عمرة مفردة فحينئذ لو أتى بها فلا تكون هي العمرة الواجبة فلا موجب بالتالي إلى انقلابها إلى عمرة تمتع.
 والخلاصة:- إن غاية ما تدل عليه الصحيحة في فقرتها المذكورة هي أن العمرة المفردة التي تكون واجبة لأجل دخول مكة هي التي تنقلب إلى عمرة تمتع لا أن كل عمرة مفردة وإن لم تكن واجبة تنقلب إلى عمرة تمتع ، وكما هو المتداول في الخارج فإن المكلفين عادة يريدون الإتيان بعمرة مفردة من التنعيم من دون أن تكون واجبة لأجل دخول مكة إذ يأتون بها في نفس الشهر أو في الشهر الثاني من دون تحقق الابتعاد . إذن هذه الفقرة لا تنفع فيما أفاده(قده) وإنما هي تنفع في إثبات المدعى في مساحة ضيقة ولا تثبته بكامله.
 وثانياً:- إن غاية ما تثبته هو انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة تمتع أما أنها ليست بجائزة أو باطلة رأساً كما قد توحي بذلك بعض كلماتهم فلا يستفاد منها ذلك بل تقع صحيحة غايته تنقلب إلى عمرة تمتع ، وعلى هذا الأساس لو استشارنا شخص بالإتيان بعمرة مفردة فنجيبة بأنه لا بأس بذلك غايته تنقلب إلى عمرة تمتع.
 وثالثاً:- إنه لو أتى المكلف بعمرة مفردة عن نفسه فتنقلب إلى عمرة تمتع ، أما إذا فرض أنه أراد أن يأتي بها عن والده أو عن شخص آخر فالصحيحة لا تدل على انقلابها إلى عمرة تمتع وأنه يحتبس بها للحج إذ التي يحتبس بها للحج هي ما يؤتى بها عن نفسه أما إذا أتى بها عن غيره فالصحيحة قاصرة عن شمول مثل ذلك.
 وعليه اتضح أن الوجوه الثلاثة التي ذكرها(قده) قابلة للمناقشة.
 نعم قد يستدل بوجهين آخرين للبطلان:-
 الوجه الأول:- ما أشار إليه(قده) سابقاً - في الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة - بعد إدخال تعديل عليه فإنه ذكره هناك أن العمرة المفردة لو كانت جائزة في الفترة المتخللة لوقعت من بعض الأصحاب ولتحقق السؤال عنها ، ونخن اشكلنا عليه فيما سبق بأن هذه الملازمة باطلة ولم تثبت ، ونضيف أيضاً أنه سوف يأتي منه(قده) في آخر هذه المسألة أنه جوّز الإتيان بالعمرة المفردة قبل طواف النساء للحج والحال أن هذا يُسجل كنقضٍ عليه فيقال له إنك تذهب إلى جواز الإتيان بالعمرة المفردة قبل الإتيان بطواف النساء والحال أنه هل سمعت أن أحداً من الأصحاب قد وقع منه ذلك ؟! وهل وقع السؤال عن ذلك؟! كلا . إذن الوجه المذكور قابل للمناقشة من الجواب الحلّي والجواب النقضي.
 ولكن الإضافة التي أريد إضافتها لهذا الوجه حتى يتم هي أن يقال:- إن الشيء إذا جاز وكانت الدواعي موجودة ومتظافرة على الإتيان به لو كان جائزاً - يعني بحيث لو فهم لناس جوازه فعندهم الدواعي الى الإتيان به - فحينئذ إذا لم يقع من الأصحاب يفهم من ذلك أنه ليس بجائز - ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي(قده) ولكنه لم يُضف هذه الضميمة - فالدواعي للناس موجودة على الإتيان بالعمرة المفردة أثناء ذهابهم إلى مكة المكرمة في الفترة المذكورة فحينئذ إذا كان ذلك جائزاً مع فرض وجود هذه الدواعي يلزم أن يقع منهم فبعدم الوقوع يحصل الاطمئنان بأن هذا غير جائز ، وهذا وجه جيّد لو تمت صغراه - يعني أن الدواعي حقاً كانت متوفرة للصحابة المتقدمين كمحمد بن مسلم لا في هذا الزمان على الإتيان بالعمرة المفردة في الفترة المذكورة ولكن هذا ليس بواضح لنا ولأجله يكون الركون إلى الوجه المذكور حتى بعد هذه الاضافة أمر مشكل.
 الوجه الثاني:- أن يدّعى القصور في المقتضي ، بمعنى أن أدلة استحباب العمرة المفردة وإن كان فيها إطلاق أزماني - أي في كل يوم من أيام السنة ما عدى أيام التشريق ولكن ليس فيها إطلاق أحوالي أي بلحاظ الحالات- والذي ينفعنا في المقام هو الإطلاق الأحوالي ، بمعنى أن العمرة المفردة مشروعة ومستحبة حتى في الحالة المذكورة ، ولكن ثبوت الإطلاق بلحاظ هذه الحالة أمر مشكل فنحن لو راجعنا الروايات فإن غاية ما يستفاد منها هو أنه يوجد تحريض على الإتيان بالعمرة المفردة وهذا لا يستفاد منه الإطلاق الأحوالي وعليه تشكل مشروعية العمرة المفردة في الفترة المذكورة من جهة القصور في المقتضي وليس لأجل وجود المانع وأصل البراءة لا معنى له لأن المقصود هو إثبات الاستحباب والاستحباب لا يمكن أن يثبت بأصل البراءة.
 وفيه:- إنه وإن كان هذا وجهاً فنياً من حيث ملاحظة الروايات - يعني لو لا حظنا هذه الروايات فربما يقبل بكونها قاصرة من حيث الاحوال لشمول مثل حالتنا فان غاية ما يستفاد منها الإطلاق الأزماني وهذا يحتاج إلى تتبع في الروايات - ولكن يمكن أن يستعان ببديل عنه وذلك بأن يقال:- إن المسلّم فقهياً أن العمرة المفردة مطلوبة دائماً بالدوام الأزماني والدوام الأحوالي وليس ذلك استناداً إلى رواية وإنما هو استناد إلى قضية مسلّمة فقهياً بحيث يحصل الاطمئنان للفقيه بذلك - والحجية تعود إلى الاطمئنان فبمجرد أنه مسلم فقهياً من دون ضم فكرة الاطمئنان لا ينفع - بحيث يحتاج المنع إلى دليل ولذلك نشعر بارتكازاتنا المتشرعية أن كل من أراد أن يمنع من العمرة المفردة في زمان أو في حالة نقول له ( ما هو الدليل على المنع ؟ ) ، وهذا يعني أن المقتضي مسلّم وإنما المانع هو الذي يحتاج إلى دليل ، وعليه فالنتيجة من خلال كل هذا هو أن مشروعية العمرة المفردة في الفترة المتخللة لا دليل على المنع منها فالمناسب هو الحكم بالجواز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo