< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع :-

الخامس من واجبات الطواف ( خروج الطائف عن الكعبة وعن الصفة ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 يمكن أن يقال بعدم كفاية الطواف عليه [1] :- وذلك باعتبار أن الذمة قد اشتغلت بعنوان خاص - أي الطواف بالبيت - فلا بد من إحراز فراغ الذمة من ذلك فإنها ما دامت قد اشتغلت به يقيناً فلا بدَّ من إحراز الفراغ منه ولا يتحقق ذلك فيما إذا طيف على الشاذروان بل يلزم الطواف خارجه.
 ان قلت:- هذا شيء وجيه بيد أنه يوجد أصل موضوعي ينقح أن الشاذروان هو ليس جزءاً من البيت ومعه يكفي الطواف عليه بعد إحراز أنه ليس جزءاً من البيت وذلك الأصل الموضوعي هو استصحاب عدم كونه من البيت المبارك فان البيت تأسس في زمان إبراهيم أو نوح أو آدم عليهم السلام - وهذا ليس بمهمٍ بل المهم أنه ليس قديماً بل هو شيء حادث ، ومعه إذا شككنا أنه جعل جزءاً من البيت أو لا فيقال هو قبلاً - أي قبل آدم عليه السلام مثلاً- لم يكن جزءاً منه جزماً فنستصحب ذلك وبذلك يتنقح الموضوع ، أي يثبت أن الشاذروان ليس جزءاً من البيت المبارك ، ومعه يجوز الطواف عليه.
 قلت:- هذا الاستصحاب مثبت فان الذي اشتغلت به ذمتنا حسب الفرض هو عنوان ( الطواف بالبيت ) فان الآية الكريمة قالت ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) والاستصحاب المذكور لا يقول هذا طواف بالبيت بل يقول ان الشاذروان ليس من البيت واللازم العقلي لعدم كونه جزءاً هو أن من طاف عليه كان طائفاً بالبيت ، ان هذا لازم عقلي وليس لازماً شرعياً إذ لا يوجد نص يقول ( إذا لم يكن الشيء جزءاً من البيت فالطواف عليه طواف بالبيت وليس على البيت ) وإنما هي ملازمة عقلية ، وعليه فلا ينفعنا هذا الاستصحاب وبالتالي يلزم التفريغ اليقيني وهو لا يحصل الا بالطواف خارج منطقة الشاذروان.
 وقد يشكل على ذلك بالإشكالين التاليين:-
 الإشكال الأول:- ما أفاده السيد تقي القمي(قده) [2] وحاصله:- ان المولى لو فرض أنه قال ( أكرم العلماء ) بنحو العموم المجموعي أي هناك وجوباً واحداً وقد تعلق بالمجموع من حيث المجموع فلو كان هناك عشرة علماء فالوجوب قد تعلق بمجموع العشرة - وفرص أننا رأينا شخصاً وشككنا بأنه عالم أو ليس بعالم ففي مثل هذه الحالة هل يجري استصحاب عدم كونه عالما ؟ نعم يجري لأنه قبلاً لم يكن عالماً والآن نشك هل صار عالماً أو لا فنستصحب عدم كونه عالماً وبالتالي يكتفى بإكرام التسعة الباقية ولا يلزم إكرام هذا الشخص العاشر المشكوك.
 هكذا يقول الفقهاء وهكذا يحكمون ولم يشكل عليهم أحد بإشكال المثبتية بتقريب:- أن الواجب هو إكرام المجموع وباستصحاب عدم كون هذا عالماً لا يثبت أنك أكرمت المجموع وان مجموع العلماء تسعة وقد أكرمتهم بل هذا لازم عقلي فان اللازم العقلي لعدم كون هذا عالماً هو أن مجموع العلماء هم الباقي وهم التسعة وهذا لازم عقلي وليس شرعي والحال أنه لم يشكل أحد على ذلك ، ومقامنا قريب من ذلك فإذا لم يشكل بإشكال المثبتية في هذا المثال فينبغي أن لا يشكل به في مثال الشاذروان.
 وفيه:- انه وجيه لو كانت الذمة قد اشتغلت بعنوان المجموع بما هو مجموع وإكرام المجموع بما هو مجموع وأما إذا اشتغلت بإكرام واقع المجموع فان عنوان المجموع لا يحتمل اشتغال الذمة به عرفاً وعقلائياً وإنما المطلوب هو إكرام واقع المجموع وواقع المجموع مردد بين التسعة والعشرة وباستصحاب عدم كونه عالماً يمكن أن نقول ان الواجب إكرامه هو التسعة ونجري البراءة عن وجوب إكرام العشرة ، فوجوب إكرام العشرة مشكوك ويكفينا بالتالي إكرام التسعة لأنه القدر المتيقن ، وهذا نقوله بعد فرض أن عنوان المجموع أخذ بنحو الطريقية إلى واقع المجموع لا أن الذمة قد اشتغلت به ، وهذا بخلاف المفروض في المقام فان المفروض هو أن الذمة قد اشتغلت بعنوان الطواف بالبيت ولا يحرز تحقق هذا العنوان الا إذا طفنا خارج الشاذروان . إذن قياس مقامنا على هذا المقام قياس مع الفارق للنكتة التي أشرنا إليها.
 الإشكال الثاني:- ما أفاده الشيخ التبريزي(قده) [3] وحاصله:- إننا نشك في اشتغال الذمة بخصوص الطواف خارج الشاذروان والذي نجزم به هو اشتغال الذمة بالجامع فأنا متيقن بأن ذمتي قد اشتغلت بالجامع بين أن أطوف خارج الشاذروان أو على نفس الشاذروان ، ان الجامع يتيقن باشتغال الذمة به إذ يكفي لاشتغال الذمة به اليقين باشتغالها بأحد فرديه فاني إذا تيقنت من وجود زيد في المسجد فقد تيقنت بالجامع - أي تيقنت بوجود الإنسان أو بوجود أحد الفردين من زيد أو عمرو - إذ الجامع يصدق ببعض أفراده . إذن الذمة قد اشتغلت بالجامع جزماً ، أما أن يكون الطواف في خصوص المساحة التي هي خارج الشاذروان - بهذا القيد وبهذه الخصوصية - فهذا يشك في اشتغال الذمة به فتجري البراءة عن هذه الكلفة الزائدة ، وعليه يكفينا أن نطوف على الشاذروان من باب أننا نشك من البداية في اشتغال الذمة بخصوص الطواف خارجه ولا مثبت لاشتغال الذمة بذلك فالأصل هو البراءة.
 وفيه:- انه وجيه لو قطعنا النظر عن عنوان ( الطواف بالبيت ) وقلنا ان هذا العنوان الذكور في قوله تعالى ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) لم تشتغل به الذمة ولم يلحظ بنحو الموضوعية وإنما أخذ بنحو الطريقية والمرآتية إلى الدوران والآية بدلاً من أن تعبر بالدوران عبرت بـ( وليطوفوا بالبيت .. ) انه إذا فرضنا هذا فالحق معه لأن الدوران الذي اشتغلت به الذمة هو الدوران على الأرض ولكن نشك هل هو خصوص الأرض الخارجة عن الشاذروان أو ما يعمها ؟ وحيث أن إرادة خصوص ما هو خارج الشاذروان كلفة زائدة مشكوكة فتنفى بالبراءة.
 إذن تبقى المسالة مرهونة بقضية أن عنوان ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) هل أخذ بنحو الموضوعية أو بنحو المرآتية ، فان قلنا أنه أخذ بنحو المرآتية فالبراءة جارية كما أراد الشيخ التبريزي(قده) ، وان قلنا هي مشتغلة بالعنوان المذكور بنحو الموضوعية فلا يجري الأصل الذي أفاده لأن الذمة مشتغلة حتماً بعنوان الطواف بالبيت فلابد من إحرازه . وهذا مطلب سيال يجري في موارد أخرى كما في مِنى حيث في يشك أن أعلى الجبل هل هو منها أو لا ، فان كان منها جاز الذبح فيه وإلا فلا يجوز ، أو مثل وادي النار هل هو من منى أو ليس منها ؟ ان جواز اللبث فيه - أي في المكان المشكوك كونه من منى - يرتبط بتحقيق هذه المسالة ، فان قلنا أن الذمة قد اشتغلت بعنوان ( منى ) والكون فيها بنحو الموضوعية فلابد من إحراز ذلك ولا يُحرز الا بالتواجد في المنطقة المعلوم أنها من منى ، أما إذا قلنا أن العنوان المذكور قد أُخذ بنحو المرآتية إلى المكان من دون أن يكون هناك مدخلية لعنوان ( منى ) في البين فحينئذ يمكن أن نجري البراءة بأن نقول:- ان الذي اشتغلت به الذمة يقيناً هو أصل الوجود في المكان الشامل لما فوق الجبل وأما اشتغالها بخصوص غير أعلى الجبل فيشك فيه فنجري البراءة عنه . إذن المسألة من هذه الناحية مرتبطة بكون العنوان مأخوذاً بنحو الطريقية أو الموضوعية ز
 وهكذا الحال بالنسبة إلى عرفات فلو شككنا في مكان أنه من عرفات أو لا فان قلنا أن الذمة مشتغلة بعنوان ( عرفات ) بنحو الموضوعية فالمناسب حينئذ الاشتغال وعدم كفاية المكان المشكوك إذ الذمة قد اشتغلت بعنوان التواجد في عرفات والكون في المكان الشكوك يشك في كونه تواجداً في عرفات وبالتالي يشك في فراغ الذمة فتجري قاعد الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، أما إذا وقلنا ان هذا العنوان قد أُخذ بنحو المرآتية إلى المكان الخاص فحينئذ يقال ان الذي اشتغلت به الذمة يقيناً هو التواجد في المكان الشامل للمشكوك وأما اشتغالها بالتواجد في خصوص المكان غير المشكوك فشيء يشك باشتغال الذمة به فنجري البراءة عنه . إذن هذه مسألة نافعة ومهمة.
 يبقى شي وهو:- كيف نؤسس الأصل في الموارد التي يشك فيها أن العنوان قد أخذ بنحو الموضوعية أو الطريقية ؟
 والجواب:- ان هذا لم أرَ التعرض له في كلمات الأعلام في المقام ، ويمكن أن يقال:- ان ظاهر كل عنوان أُخذ في لسان الدليل أنه مأخوذ بنحو الموضوعية وحمله على كونه مأخوذاً بنحو الطريقية يحتاج إلى قرينة إما مناسبات الحكم والموضوع أو الفهم العرفي الخاص أو غير ذلك ، وتبقى القضية مرهونة بالفقيه من هذه الناحية فرب فقيه يقول ان عنوان الطواف بالبيت ليست له خصوصية وإنما المهم هو الإشارة إلى الدوران في المكان فيكون عنوان الطواف بالبيت عنده مأخوذاً بنحو الطريقية ، بينما يرفض هذا فقيه آخر ويحمله على الموضوعية.
 وعلى أي حال ما دمنا لا نجزم ولا نستظهر بأن عنوان الطواف قد أخذ بنحو الطريقية فالمناسب هو الاشتغال دون البراءة.


[1] أي الشاذروان.
[2] مصباح المناسك 2 111.
[3] التنقيح 3 35 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo