< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

41/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تتمة الاسراء

قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‌ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً . وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى‌ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً﴾ [1] (الإسراء89)

قد تحدثنا سابقا حول الآية الاولى و خلاصة مقالنا اولاً: ان القران يتحدي الناس والجن بجميع اصنافهم، ثانياً: التحدي مستمر في جميع العصور و على مدى التاريخ ، ثالثاً: لا يحصر التحدي بمجال الفصاحة والبلاغة بل يشمل التحدي لجميع المجالات الادبية و العلمية عقلية و طبيعية و التاريخية و التربوية و الاجتماعية والسياسية و الحقوقية فلا يمكن لاحد من الناس و ان بلغ ما بلغ من الثقافة والعلم ان يأتي بمثل هذا القران سواء في ذلك افراداً و مجموعات. رابعاً: اسلوب القران في عرض المطالب خاص به لا يشبهه كتاب قبله ولا بعده فهو بنفسه ينادي بانه ليس فعل البشر قهو اقوى حجة لصدق النبي صلى الله عليه واله.

ومن ميزات القرآن انه بقي طريا طوال التاريخ و لذيذا لقارئيه بل كلما يكون القاري احسن قراءة فهو اشهى للقراءة ولا يملّ من الاكثار و لم نر في العالم كتاب يملك هذه الخصلة. حتى سائر الكتب السماوية، فإنّها ليست عنوانا لنص خاص فالتوراة والانجيل صادق على ما هو موجود بكل لغة، فهناك عهدين باللغة الفارسية و عهدين باللغة العربية وعهدين باللغة الأردوية و عهدين باللغة الانجليزية وهكذا والظاهر انهما نزلتا باللغة العبرية، بينما القرآن لا يصدق الا على النص العربي النازل من عند الله و سائر اللغات تراجم للقرآن.

كما ان ما ورد في القرآن من العبادات و الاحكام والاخلاق ينسجم مع حياة الانسان و يلبي حاجاته منذ نزول القرآن الى يوم القيامة. فانه خالد في نصه وفي مضامينه و في مفعوله.

فما نسمع من بعض عشاق الشهرة و البروز من شذوذ الكلام: بان القرآن نزل لعصر رسول الله صلى الله عليه واله فلا يصلح لعصر الحضارة والتقدم كلام سخيف اما صدر من قائله متعمدا ليشتهر او صدر منه جهلا و لكن قد أعمته شهوة البروز والشهرة.

نعم كما ان لجسم الانسان حاجات ثابتة فجسمنا يحتاج الى بروتئينات و فيتامينات، الى سكريات و كلسيومات هي تتوفر في الخبز والرز و سائر المأكولات الزراعية و الحيوانية ولم يختلف في مثل هذه الحاجات الاجيال التي عاشت قبل الاف سنة والتي يعيش في عصرنا والى يوم القيامة. لكن وسائل النقل والتواصل الاجتماعي و وسائل الانتاج في الصنائع و غيرها تطورت بشكل هائل وبما لا يتصور في العقل للأجيال السالفة

كذلك ما ورد في القرآن من الاحكام على قسمين بعضها احكام ثابتة غير مرنة، و بعضها احكام ثابتة مرنة بمعنى انها شرعت بحيث يتماشى مع متطلبات كل عصر. فمن الاحكام الثابتة في اصلها واسلوب تنفيذها والعمل بها الصلاة فإنّها مناسك يجب الاتيان بها من عصر الرسالة الى يوم القيامة. و شرب الخمر حرام لا يتغير، والزنا محرم لا يتغير الى يوم القيامة، كون الرجل قيما لأسرته حكم ثابت لا يتغير.

اما الاحكام التي تتماشى مع المتطلبات كل عصر: منها وجوب المعاشرة المعروفة بين الزوجين، فهي عنوان مرن، فالمعروف يختلف على حسب البيئات المختلفة و الازمنة المتفاوتة والله امر الرجل بمعاشرة زوجته بالمعروف ولم يعين لها عدد معين من الثياب او نوع معين من الطعام ، او نوع مين من التعامل بل امر بعنوان عام فقال وعاشروهن بالمعروف والعشرة المعروفة تتماشى مع الزمان والمكان حتى انه قد يقتضي المعروف ان يدفع الرجل الى زوجته شيئا من المال لتشتري حاجاتها على حسب سليقتها و ذوقها لا ان يستبد الرجل في المأكل والمشرب والملبس والمسكن. فقول الله تعالى: الرجال قوامون على النساء حكم ثابت لا يتغير بتغير الاحوال و انما يجب عليه قيام بالأسرة بما فيه كرامة الزوجة والاولاد، طي يشعرون بالارتياح و السكون حتى ورد في الحديث المؤمن يأكل بشهوة اهله والمنافق يأكل بشهوته فاعتبر من لا يراعي رغبة الاهل حتي في المأكل منافقاً. كما ان الاسلام جعل نفقة الاهل على عهدة الزوج وهي تعم المأكل والمشرب والملبس والمسكن و النفقة الواجبة تختلف نوعها و مقدارها حسب اختلاف البيئات. اوجب تربية الاولاد و تعليمهم على الوالدين والتربية التعليم لابد ان تكون مناسبا للعصر ففي حديث ورد: ادبوا اولادكم بغير ادبكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكمز وما ال ذلك من الحقوق فيما بين الناس اسرة ومجتمعاً مع المواطنين و غيرهم مع المسلمين و الاجانب وهكذا.

ثم في الآية التي تليها يشير الى حالة الانسان المتجاهل للحق الواضح بقوله: "وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى‌ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً" كما ورد في سورة الكهف نفس الكلام الى قوله "من كل مثل﴿" ثم قال: "وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ‌ءٍ جَدَلاً . وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى‌ وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً . وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً . وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى‌ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى‌ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً"﴾ [2]

وقوله "ولقد صرفنا" أي اخرجنا او بيّنّا للناس في هذا القران للناس نماذج من الامور المتنوعة فأبى اكثر الناس الا جحودا للحق وانكارا لحجج الله. فالدافع للإنكار هو الكفر والعناد لا قصور الحجج والادلة. والكفر في ثقافة القرآن هو حالة الجحود والعناد وهذه الحالة للإنسان لو خلي وطبعه ولكن من يتبع العقل والدين و يربي نفسه على قبول الحق اذا واجه الآيات يتأثر و يتنبه و يتنور منها و هذه الآيات من سورة الكهف يبين لنا هذه الحقيقة بوضوح والكلام كثير والفرصة قصير فنكتفي بها المقدار والسلام


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo