< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

41/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: 18تتمة الاسراء

﴿وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[1]

كان بحثنا حول الروح التي حياة الانسان بها و حقيقتها وقلنا أن تعلق الروح بجسم الإنسان ليست- و كما يظن البعض- كالطير في القفس كما يقول الشاعر: (مرغ باغ ملكوتم نيَم از عالم خاك - چند روزی قفسی ساخته اند از بدنم). اي: انا طير حديقة الملكوت و لست من عالم التراب و انما قد صنعوا قفس من بدنى لبضعة ايام.

ولا من نوع الحلول، كالظرف والمظروف فان الروح تتكامل في البدن و تستمد من البدن في اعمالها وادراكاتها، وانما بينهما نوع من الارتباط و العلاقة القائمة على أساس حاكمية الروح على الجسم و تصرفها و تحكمها به و آلية الجسم للروح، وقد شبهها البعض بتعلق المعنى و ارتباطه باللفظ. ولكن هذا التشبيه لا يعبر عن واقع البدن والروح. لأنّه لا علاقة بين اللفظ والمعنى وانما الانسان هو الذي قرّر عند ما يريد يُفهم المعنى الفلاني يستعمل لفظاً معيناً، و تقسيم وجود كل شيء بالوجودات الاربعة: الخارجي والذهني واللفظي والكتبي مسامحة في التعبير فكل شيء له حقيقة واحدة متشخصة خارجية و الوجودات الثلاثة اخرى ليست الا حكاةٌ عن الشيء فالوجود الذهني هو صورة حاصلة عن الشيء في الذهن او النفس او العقل على اختلافات في التعبير عند الفلاسفة، والوجود اللفظي ليس الا صوت خارج عن مخرج الفم و قد وضعوه للتعبير عن شيء معين والوجود الكتبي ليس الا خطوط مرسومة على الورق الموضوعة لإفادة معناً معيّناً.

ثم ان المذهب المادي (ماترياليزم) و المنكرين للعوالم الخارجة عن المادة اعتبروا الروح والقوى الحياتية من أثار الجسم وكل الادراكات حصيلة للفعل والانفعال من الجسم و هي مثل باقي الأجهزة المادية حيث يخضع في نشاطه لقوانين المادة.

وقد بين في تفسير الامثل رؤية الماديين لحقيقة الروح ببيان رائع ملخصه:

إنّنا نملك غددا تحت اللسان تسمّى الغدد اللعابية و التي تقوم بفاعلية فيزيائية و كيميائية، فعند ما يدخل الطعام إلى الفم تقوم هذه الغدد بالعمل بشكل أوتوماتيكي حيث تقوم بإفراز السائل بالمقدار الذي يحتاجه الطعام حتى يلين و يمضغ بشكل جيّد. فالأطعمة الحامضة تزيد من عمل‌ هذه الغدد، وكلما كانت كثافة الطعام اكثر، تزداد رشحات الغدد، حتى يحصل الطعام على كميّة أكبر من السوائل ليلين الطعام، كي لا تصاب جدران المعدة بضرر.

و عند ما نبلع الطعام ينتهي عمل هذه الغدد و القنوات. و الأهم من العمليات الفيزيائية هو الفعل والانفعالات الكيمياوية، اذ ان في اللعاب مواد متنوعة متداخلة معه حيث تتفاعل مع الطعام و تحقق مرحلة من الهضم لتساعد المعدة.

كذلك يقولون: إن عقلنا و أعصابنا يشبهان عمل الغدد اللعابية و ما شابهها من أجهزة الجسم من حيث العمل الفيزيائي و الكيميائي و هذه العملية الفيزيوكيمياوية نسمّيه ب «الظواهر الرّوحية أو «الرّوح».

فعند ما نفكّر تصدر سلسلة من الأمواج الكهربائية من عقلنا، هذه الأمواج يمكن التقاطها اليوم بواسطة أجهزة خاصّة و تدوينها على الأوراق و دراستها، خاصّة في مستشفيات الأعصاب، حيث يتمّ تشخيص‌ الأمراض العصبية و معالجتها، و هذه هي الفعالية الفيزيائية لعقلنا.

إضافة إلى هذا، فإنّ خلايا العقل عند التفكير، و كذلك عند النشاطات العصبية المختلفة، تقوم بمجموعة من الأفعال و الانفعالات الكيمياوية.

لذلك فإنّ الروح و الصفات الروحية ليست سوى الخواص الفيزيائية و الأفعال الكيميائية للخلايا العقلية و العصبية.

فهؤلاء يستنتجون من رؤيتهم المادية الامور التالية:

1- كما أنّ نشاط الغدد اللعابية و آثارها المختلفة لم تكن موجودة وإنّما وجدت بعد وجود الانسان، كذلك إنّ النشاطات الروحية تظهر بعد ظهور الدماغ و الجهاز العصبي، و تموت بموت الإنسان.

2- الروح من خواص الجسم، إذن فهي مادية و ليس لها أي صفات ميتافيزيقية.

3- الروح خاضعة لجميع القوانين التي تحكم جسم الإنسان.

4- ليس هناك وجود مستقل للروح بدون جسم، و لا يمكن أن يكون ذلك.

و ايضا يستندون لمادية الروح والفكر بتجارب عينية:

1- « تعطّيل قسم من الأعراض الروحية عند عطل أو إصابة قسم من المراكز العصبية أو سلسلة من الأعصاب». فالأمراض العصبية و معالجتها، هي الفعالية الفيزيائية لعقلنا.

إضافة إلى هذا، فإنّ خلايا العقل عند التفكير، و كذلك عند النشاطات العصبية المختلفة، تقوم بمجموعة من الأفعال و الانفعالات الكيمياوية. لذلك فإنّ الروح و الصفات الروحية ليست سوى الخواص الفيزيائية و الأفعال الكيميائية للخلايا العقلية و العصبية.

2- «عند ما نفكر تكثر التغييرات المادية على سطح الدماغ .. الدماغ يحتاج إلى طعام أكثر، و يطرح مواد فسفورية أكثر. و لكن عند النوم فإنّ الدماغ لا يقوم بالتفكير، لذا فإنّه يحتاج إلى طعام قليل، و هذا يعتبر دليلا على أنّ الآثار الفكرية للإنسان تترشح من فعاليات مادية».

3- تظهر التجارب أن وزن أدمغة المفكرين هي أكثر من الحد المتوسط (الحد المتوسط لدماغ الرجل في حدود (1400) غرام، و الحد المتوسط لدماغ المرأة أقل من هذا بقليل)، و هذا دليل آخر- بزعم الماديين- على مادية الروح.

4- إذا كانت قوة التفكير و الظواهر الروحية دليلا على الوجود المستقل للروح، فيجب أن نقبل ذلك أيضا في الحيوانات، لأنّها تملك قدرة الإدراك.

و من مجموع هذه الاستدلالات، يستنتج هؤلاء أنّ التقدم الفيزيولوجي الإنساني و الحيواني يوضحان يوما بعد آخر حقيقة وجود العلاقة القريبة بين الظواهر الروحية و الخلايا الدماغية.

والجواب عن كل هذه بيانات اننا قلنا بان الروح لا يستطيع ان تعمل شيئا الا بواسطة البدن واعضائها الخارجية و الداخلية و قلنا ان الروح فاعل بواسطة الجسم . ومثلها مع الجسم مثلنا مع الآلات العمل فكلما يكتشف البشر الطاقات المودعة في العالم ويستخدمها و يطورها و يصنع من تركيبها وتجزئتها فرص كبيرة للطاقات يستطيع ان يعمل ما كان عجز منه اسلافه و هكذا فهل يمكن انكار وجود الانسان المفكر المبدئ التي يسخر الاشياء المختلفة الموجودة في الطبيعة لمصالحه ولا يمكن ان نقول ان الانسان الة من قبيل تلك الآلات بل الانسان وجود شاعر مدرك مسخر لغيره وسائر الاشياء هي المسخر للإنسان.

قال تعالى: " ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ . وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ . وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [2]

فما يستدلون به لإثبات مادية الروح لا يثبتها ولكم علينا ان نثبت عدم كون الروح من الماديات و سوف نبحث عنها في الأسابيع الآتية ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo