< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

41/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: 11تتمة الإسراء

قد انتهينا قبل العطلة الصيفية الى آية 82 من سورة الاسراء حيث قال تعالى:

﴿وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً﴾[1]

قال في الميزان: (قوله تعالى: «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً» من بيانية تبين الموصول أعني قوله: «ما هُوَ شِفاءٌ» إلخ أي و ننزل ما هو شفاء و رحمة و هو القرآن).

ما قاله رضوان الله عليه من جعل من للبيان هو خلاف الظاهر خصوصا مع ورود ماء الموصول بعده فالظاهر ان معناه ننزل من القرآن شيءٌ هو شفاء و رحمة....

ثم ان في الامثل عالج الشمول مع الاحتفاظ بتبعيضية من، فقال:( نعرف أنّ كلمة (من) في مثل هذه الموارد تأتي للتبعيض، إلّا أنّ الشفاء و الرحمة لا تخص قسما من القرآن، بل هي صفة لكل آياته، لذا فإنّ كبار المفسّرين يميلون إلى اعتبار (من) هنا بيانية. و لكن البعض احتمل أن تكون‌ تبعيضية كذلك، و هي بذلك تشير إلى النزول التدريجي للقرآن- خاصّة و أنّ (ننزل) فعل مضارع- لذا فإنّ معنى الجملة يكون: (إنّنا ننزل القرآن و كل قسم ينزل منه، هو بحدّ ذاته و لوحده يعتبر شفاء و رحمة) (فتدبرّ جيدا).

ولكن يمكن ان نحتفظ –من- للتبعيض والشفاء ايضا للبعض فان كل الآيات لا تشفي الأمراض النفسية والجسمية لكل أحد، بل كل انسان يتأثر من نوع من الآيات فبعض الناس ينسجمون مع المواعظ وبعضهم يعتبرون من قصص الماضين وبعضهم يتجاوبون مع الادلة العقلية وبعضهم آيات الرحمة تجذبهم و بعضهم آيات العذاب تردعهم وبعضهم ينبههم و يشجعهم بلاغة بعض الآيات في القرآن وهكذا.

ثم لابد ان ننتبه انه ليس المراد من المؤمنين في الآية حصرا هؤلاء الذين يعتنقون التوحيد والنبوة والمعاد بل المراد كل من يعيش نفسية منفتحة على الحق متى وجده، وليس عنده حالة اللجاج والعناد فوزانه وزان قول الله تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" فمن لم يكن مسلماً يتأثر ويسلم ومن كان مسلما يتأثر ويرتقي في درجات الكمال.

و ذكر في المجمع: وجوه للشفاء فقال: (منها) ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل و حيرة الشك (و منها) ما فيه من النظم و التأليف و الفصاحة البالغة حد الإعجاز الذي يدل على صدق النبي ص فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل و الشك و العمى في الدين و يكون شفاء للقلوب (و منها) أنه يتبرك به و بقراءته و يستعان به على دفع العلل و الأسقام و يدفع الله به كثيرا من المكاره و المضار على ما تقتضيه الحكمة (و منها) ما فيه من أدلة التوحيد و العدل و بيان الشرائع و الأمثال و الحكم و ما في التعبد بتلاوته من الصلاح الذي يدعو إلى أمثاله بالمشاركة التي بينه و بينه فهو شفاء للناس في دنياهم و آخرتهم و رحمة للمؤمنين أي نعمة لهم و خصهم بذلك لأنهم المنتفعون به)

و في الأمثل نظر الى الشفاء برؤية اوسع فقال: (القرآن يعتبر و صفة شفاء للذين يريدون محاربة الجهل و الكبر و الغرور و الحسد و النفاق ... القرآن و صفة شفاء لمعالجة الضعف و الذّلة و الخوف و الاختلاف و الفرقة. و كتاب اللّه الأعظم و صفة شفاء للذين يئنّون من مرض حبّ الدنيا و الارتباط بالمادة و الشهوة. و القرآن و صفة شفاء لهذه الدنيا التي تشتعل فيها النيران في كل زاوية، و تئن من وطأة السباق في تطوير الأسلحة المدمّرة و خزنها، حيث وضعت رأس مالها الاقتصادي و الإنساني في خدمة الحرب و تجارة السلاح. و أخيرا فإنّ كتاب اللّه و صفة شفاء لإزالة حجب الشهوات المظلمة التي تمنع من التقرب نحو الخالق عزّ و جلّ).

ويمكن ان نلخص الكلام بان القرآن شفاء للأمراض في مجالات العقيدة والاخلاق والأحكام اي القوانين الفردية والاجتماعية.

قال تعالى: ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ﴾[2] .( يونس57)

قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ﴾[3] .

و قد ورد في نهج البلاغة عن مولانا امير المؤمنين عليه السلام: «فاستشفوه من أدوائكم و استعينوا به على لأوائكم، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء، و هو الكفر و النفاق و الغي و الضلال» «نهج البلاغة خ176».

والنسبة بين الشفاء والرحمة عموم مطلق فان كل شفاء رحمة و قد لا يصدق على بعض مصاديق الرحمة، شفاءً، فأسلمُ الناس وهو رسول الله واهل بيته عليهم صلوات الله كانوا يستفيدون من القرآن، فيرتقون بقراءته الى مراقي الاعلى من الكمال.

وقد قال بعض المفسرين بان الشفاء و الرحمة اشارة الى مرتبتي التخلية والتحلية على مصطلح اهل العرفان فان طالب الكمال لابد له اولاً يزول عن نفسه الامراض القلبية والنفسية ثم يتحلى بحلية الايمان والكمالات النفسية وكلمة التوحيد وهي من اشرف الكلمات تبدء بالنفي ثم الاثبات.

اما قوله تعالى في مختتم الآية: "وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً" ذكر عنوان الظالمين مشعر بالعلية اي ظلمهم الى انفسهم باتخاذ حالة اللجاج والعناد تجاه الآيات المباركات يوجب الخسارة عليهم كما قال الله تعالى: وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون. ولكن نسبة الخسارة الى القرآن بلحاظ انهم قبل مواجهة الآيات لم تتم عليهم الحجة ولكن بعد عرض الآيات عليهم تتم عليهم الحجة ورغما لها يجعلون اصابعهم في آذانهم و يستغشون ثيابهم و يستكبرون استكبارا و تسودّ قلوبهم اكثر و يخوضون في غمرات الضلالة اعمق . قال تعالى: "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب اليم"

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo