< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان / دروس شهر رمضان

قد تحدثنا في الليلة الماضية حول قوله تعالى: ﴿أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾[1] .و الوقت ما سمح لنا بتكميل البحث فيها ولكن المطالب موجودة في المكتوب في موقع مدرسة الفقاهة و نحن نخرج من الآية المباركة للتقدم في البحث فليراجع المشتاق الى اكمال البحث في هذه الآية الى مدرسة الفقاهة في الجوجل.

اما الليلة فبحثا في الآية اللاحقة بها و هي قوله تعالى: ﴿وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى‌ عَذابِ السَّعِيرِ﴾[2]

هذه الآية عطف على سابقتها فيعود ضمير الجمع المذكر في قوله: "قِيلَ لَهُمُ" الى قوله في الآية السابقة: "وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ" ولكن الضمير ورد هناك مفردا بلحاظ اللفظ، وهنا جمعا بلحاظ المعنى فمعنا ه ان هؤلاء الذين يرفضون العلم والهدى والكتاب لا يقبلون اتباع ما انزل الله و يرجحون ما كانوا عليه آبائهم ف "قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا" ان اتباع الآباء اذا كان عن وعي وبصيرة لا بأس به ففي الخيرات نرث كثير من الامور من آبائنا وهذ الذي يقع موردا للتأكيد عند علماء الاجتماع، و مما يعتبر من الخسائر العظيمة في عصر الحضارة تفكك الاسر وفقدهم الاصالة حيث ان وسائل العلاقات اصبحت الكترونيات فيشغل فكر الشباب وتشوب تربيتهم بما يأتي من ابعد الآفاق مما لا ينسجم مع بيعتهم فخف في ابناء اسرة واحدة المحبة والوداد والتعلق: حتى اصبحت العاب الاطفال الكترونية ولا يحتاج بعضهم الى بعض حتى يتدربوا على التعامل و صلة الرحم مما نص على ضرورتها الكتاب والسنة خصوصا صلة الوالدين و الاجداد والإحسان اليهم. ولكن كل ذلك لا يدعونا الى التعصب الاعمى بالنسبة الى الاقارب حتى الوالدين فلا يجوز اتباعهم الا عن وعي صحيح مبتنياً على العقل والدين

ولذا عرض في هذه الآية الكريمة فرض الانحراف عن طريق الحق الى الواصل الى الجحيم فقال: " أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى‌ عَذابِ السَّعِيرِ" قالوا لو الواقع بعد حمزة الاستفهام شرطية، و جزاؤها محذوف، و التقدير: لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير أ يتبعونه. ولكن في الميزان قال: (أي أ يتبعون آباءهم و لو كان الشيطان يدعوهم بهذا الاتباع إلى عذاب السعير؟ فالاستفهام للإنكار و لو وصلية معطوفة على محذوف مثلها ... و محصل الكلام: أن الاتباع إنما يحسن إذا كانوا على الحق و أما لو كانوا على الباطل و كان اتباعا يدعوهم به إلى الشقاء و عذاب السعير و هو كذلك فإنه اتباع في عبادة غير الله و لا معبود غيره).

ثم قال تعالى: ﴿وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‌ وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [3] ﴿وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾[4] ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى‌ عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [5]

يحتمل ام يكون قوله "وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ" استئناف في الكلام فدخل في بحث جديد؟ و يحتمل ان يكون الواو للحال أي أ يتبعون آبائهم والحال ان "مّن يسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى" ولعل هذا الاحتمال اولى لأصالة الاتصال بين الآيات، مضافا الى تناسب الموضوع لأنّها كانت في مقام الردع عن إتباع الآباء والدعوة الى إتباع الله فالمقارنة بين الطائفتين احسن عبرة لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد.

اما إسلام الوجه إلى الله فقد فسره في الميزان بانه: ( إقبال الإنسان بكليته عليه بالعبادة و إعراضه عمن سواه). اما المحسن فقد بين معناه في الآية الثالثة من هذه السورة حيث قال: "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" فلا بد ان يتوفر امران لتحقق الإحسان في العبد: أوّلاً: ان يكون العمل عمل ايجابي فيه مصلحة، وثانياً ان يصدر من العبد بدافع الايمان، فمن يقتل المؤمنين و الابرياء تقرباً الى الله ليس من المحسنين، و انا لا اظن ان يترك الله عبده في الجهالة حتى يصل الى مرتبة يقتل الناس و يفجر المساجد و مراقد اهل البيت عليهم السلام و الاولياء، تقربا الى الله، بل اقول المرتكبون لمثل هذه الجرائم الكبيرة انما وصلوا الى هذه المرحلة لما عاشوا حالة الحقد والكراهية واللجاج فأعمت ابصارهم وعطلت عقولهم حتى "ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً" فوصولهم الى هذه الدرجة الى الخباثة والعمى كان نتيجة مواقفهم المعادية للحق. كما ان من ينفق ماله الى الفقراء رياءً وسمعة او يطبع القرآن والكتب الدينية و يوزعها على الناس لكسب الشهرة والعنوان ليروّج عن نفسه و يصل الى حطام الدنيا من المال والجاه فهو ليس من المحسنين.

و العروة الوثقى التي لا انفصام لها هي العمل الصالح خالصا لله. فمن ايقن بالله و المعاد وعمل صالحا مع اليقين بالمعاد فهو ناج غير هالك و هو الذي وعده الله بالنجاة و الفلاح.

و قوله تعالى: «وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» في مختتم الآية في مقام التعليل أي بما ان الامور كلها تعود الى الله فمن عمل له من الصالحات فهو الواصل الى السعادة.‌

جاء في حديث نقل في تفسير البرهان عن طرق العامّة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السّلام عن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله: «و سيكون بعدي فتنة مظلمة، الناجي منها من تمسّك بالعروة الوثقى، فقيل: يا رسول اللّه، و ما العروة الوثقى؟ قال: ولاية سيّد الوصيّين، قيل: يا رسول اللّه، و من سيّد الوصيّين؟ قال: أمير المؤمنين، قيل: يا رسول اللّه و من أمير المؤمنين؟ قال: مولى المسلمين و إمامهم بعدي، قيل: يا رسول اللّه، و من مولى المسلمين و إمامهم بعدك؟ قال: أخي علي بن أبي طالب»


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo