< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان – دروس شهر رمضان

"﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‌ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾" [1]

كان كلامنا حول الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الآية من سورة لقمان و ذكرنا بعض الآيات والروايات حولهما وهي كثيرة جداً ونحن رعاية للاختصار نكتفي بما قلناه.

و في هذه الليلة نكمل بحثنا في مختتم هذه الآية وهو وصية لقمان لابنه: " وَ اصْبِرْ عَلى‌ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" وهو الصبر على نوائب الدهر و نوائب الدهر على قسمين:

قسم منها ترد علينا من دون ان يكون لنا دور في وجودها، فتنزل بنا شئنا او ابينا، ككثير من الامراض و الصدمات الجسمية و فقد المال والأهل والاحبة، هذه الامور مما لا مفرّ منها، فصبرنا تجاه هذه المصاعب يكون بعدم الجزع و حفظ النفس عن الاصطدام بها و حفظ المعنويات والنشاط الروحي عند الابتلاء بها ، وتذكير النفس على بأنّ هذه الامور من مقتضيات طبيعة الدنيا و ترد على سائر الناس، الفقراء منهم و اغنياءهم و الضعفاء منهم و اقوياءهم ففي مثل هذه المصائب الصبر وسيلة لتخفيف اثر المصيبة وترويح النفس عندها و حفظ الايمان. لكن الجازع مضافا الى تضاعف مصيبته بالجزع و آثاره السلبية على سلامته الروحية والجسدية، احيانا يخرب ايمانه فيشكو عن الله ويشعر بالشقاء، فيشقى في دنياه وآخرته. قال: امير المؤمنين عليه السلام: (عليكم بالصبر فان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد فلا خير لجسد لا رأس معه ولا لإيمان لا صبر معه"

والموطن الآخر من نوائب الدهر، هي التي يجعل المؤمن نفسه في معرضها من خلال القيام بواجباته و السعي لإنجازها لا سيما عند القيام بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيواجه محاربة شديدة من قبل أصحاب المصالح و المتسلّطين على الامور و قوى الشر والاستكبار، فانهم لا يقتنعون بحقوقهم ولا مصلحة لهم في نشر العدل والحرية للشعوب فيسعون إلى إيذاء و اتّهام الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر، ومحاربتهم ، فلابد للمؤمنين من المقاومة و لا يمكن تجاوز تلك المصاعب و العقبات بدون صبر دؤوب و تحمّل المشاق و والمقاومة الجبارة.

فكلام لقمان في الصبر انما يشمل الصبر عند المصيبة. وبهذا التعميم في معنى المصيبة الذي بيناه يشمل الصبر على الطاعة ايضا لما يواجه الانسان في طريق الطاعة من المصاعب والمصائب. والسياق في الآية يفيد ان التركيز في الصبر هو فيما يأتي من المشكلات عند القيام بفريضة الامر بالمعروف والتهي عن المنكر

كما ورد في حديث الْأَرْبَعِمِائَةِ: "ائْمَرِوُا بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ. (الخصال للصدوق في فئة اربعمأة من الاحاديث)

فِي أُصُولِ الْكَافِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَا حَفْصُ إِنَّ مَنْ صَبَرَ صَبَرَ قَلِيلًا وَ مَنْ جَزِعَ جَزِعَ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ وَ الرِّفْقِ، فَقَالَ: «وَ اصْبِرْ عَلى‌ ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ» وَ قَالَ تَبَارَكَ‌ وَ تَعَالَى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» فَصَبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى نَالُوهُ بِالْعَظَائِمِ وَ رَمَوْهُ بِهَا" الحديث) و عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "الْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَ جَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَ الشَّهَوَاتِ فَمَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَ شَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ".

وعن الكليني ايضاً بسنده عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ الْعَزْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُنَالُ الْمُلْكُ فِيهِ إِلَّا بِالْقَتْلِ وَ التَّجَبُّرِ، وَ لَا الْغِنَى إِلَّا بِالْغَصْبِ وَ الْبُخْلِ، وَ لَا الْمَحَبَّةُ إِلَّا بِاسْتِخْرَاجِ الدِّينِ وَ اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَصَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى وَ صَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَ صَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ آتَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقاً مِمَّنْ صَدَّقَ بِي".

و عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ ابْنِ حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِبَلَاءٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ أَلْفِ شَهِيدٍ.

و عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْعَمَ عَلَى قَوْمٍ فَلَمْ يَشْكُرُوا فَصَارَتْ عَلَيْهِمْ وَبَالًا وَ ابْتَلَى قَوْماً بِالْمَصَائِبِ فَصَبَرُوا فَصَارَتْ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ". و نحن جربنا هذه الحقيقة في الجمهورية الاسلامية في ايران حيث تقدمها في جميع المجالات كان ببركة صب الويلات عليها من القوى العظمى و عملائهم في المنطقة كما ان المقاومة الاسلامية في لبنان قوتها رهين التحديات ضدها و في العراق بعد سقوط صدام ان الاحتلال الامريكي للعراق و اثارة الفتن بين الاسلمين فيه من قبل المحتل دعا الشباب الى محاربة المحتلين فتشكل من خلالها فصائل المقاومة و هجوم داعش على العراق صار سببا لتشكيل الحشد الشعبي و الحركة العامة للوقوف مع الحشد و تنبه القوى المتنافسة بخطر الاختلاف و كل هذه المراحل لم تحصل الا ببركة الجهاد والمقاومة ولو لم تكن الاحتلال الامريكي وهجوم الدواعش لما حصلت تلك المجموعات المقاومة ولا هذا التقدم السياسي والعسكري ولا التقارب بين الشعبين الايراني والعراقي و غيرها من البركات، كذلك نشوء حركة انصار الله المباركة و نضوجها و توسعها كلها كانت ببركة هجوم السعودية و دويلات التعاون الخليجية على اليمن و مقاومة الشعب اليمني تجاههم.

اما قوله تعالى: " إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فمفردة "ذلك" يحتمل ان يكون اشارة الى الامور الثلاثة المذكورة في الآية الكريمة من القامة الصلاة و الامر بالمعروف والصبر على المصائب ، ويمكن ان يكون اشارة الى خصوص الصبر.

قال في الميزان: و قوله: «إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» الإشارة إلى الصبر و الإشارة البعيدة للتعظيم و الترفيع، و قول بعضهم: إن الإشارة إلى جميع ما تقدم من الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصبر، ليس في محله لتكرر عد الصبر من عزم الأمور في كلامه تعالى كقوله: ﴿وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[2] و قوله: ﴿ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور ِ﴾[3] وهذا الكلام قريب الى الواقع.

اما المراد من العزم فقال في المجمع: «إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» أي من العقد الصحيح على فعل الحسن بدلا من القبيح و العزم الإرادة المتقدمة للفعل بأكثر من وقت و هو العقد على الأمر لتوطين النفس على فعله، و التلوّن في الرأي يناقض العزم، و قيل: معناه أن ذلك من الأمور التي يجب الثبات و الدوام عليها، و قيل: العزم القوة و الحزم الحذر و منه المثل الأخير في عزم بغير حزم و قيل: الحزم التأهب للأمر و العزم النفاد فيه و منه قيل في المثل: "روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم‌"). والوجه الاول الذي اعتمد عليه المؤلف ادق واصوب بين الوجوه المذكورة. لانه لا يتم امرا قاطعا عزما راسخا الا بالصبر والصمود.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo