< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان – دروس شهر رمضان

﴿وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‌ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [1]

تحدثنا في الايام الماضية حول هذه الآية المباركة و بقي القسم الخبر من الآية وهو قوله تعالى: "﴿وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾"

الانابة الى الله هي (الرجوع الى الله بالتوبة والطاعة مرة بعد اخرى) كما بينه في الصحاح وغيرها من كتب اللغة فيمكن ان نلخص مضمون الآية الى موضوعين: اما في امر الدنيا، فصاحبهما معروفاً أي معاشرة معروفة مقرونة بالنصح والمحبة واللين وايصال الخير والخدمة اليهما، واما في امر الدين فالميزان فيه هو سبيل من اناب الى الله، يعني من يعتقد بجميع العقائد الحقة والقيم الاسلامية و يلتزم بإتيان الواجبات وترك المحرمات، فان كانا الوالدان على نفس الخط فنعم الوفاق، والا يجب ان يختار في امر الدين خط المنيبين الى الله. لان في النهاية رجوع الكل الى الله فيحاسب كل على حسب عمله.

ثم بعد الآيتين المعترضتين يعود الكلام الى حكاية وصايا لقمان فقال: "﴿يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[2]

هناك خلاف في مرجع ضمير "انها" يعود الى اين؟ فجاء في المجمع باحتمالين فقال: (معناه أن فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن، و يجوز أن يكون الهاء في أنها ضمير القصة كما في قوله «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) وقال في الميزان: (ذكروا أن الضمير في «إِنَّها» للخصلة من الخير و الشر لدلالة السياق على ذلك‌)

والظاهر انه ارتضى به لأنّه لم يذكر احتمالا آخراً، وقال في الامثل: (و الضمير في «إنّها» يعود إلى الحسنات و السيّئات، و الإحسان و الإساءة) وقال في تعليقته تحت الخط: (احتمل البعض أنّ الضمير أعلاه ضمير الشأن و القصّة، أو يعود إلى مفهوم الشرك، و كلا الاحتمالين بعيد).

اقول: هناك احتمالين آخرين خطرا ببالي احدهما: ان يعود الضمير المؤنث الى الاعمال المستخرج من تعلمون المذكور في الآية التي سبقت عليها . لا يقال: ان الآية السابقة لم تكن من كلام لقمان حتى يعطف كلامه اللاحق عليه، لانا نقول: ان هذه الآيات ليست نصوص ما صدر من لقمان فانه لم يكن عربيا بل الله يقص كلامه بمفهومه فلا غرو ان يعيد الضمير الى ما يفهم من الآية السابقة.

والاحتمال الآخر ان الضمير للشأن و " فَتَكُنْ" المذكر في الآية، من كان التامة أي ان وجد مثقال ذرة خفية في صخرة او بعيدة في السماء يأت بها الله أي هو عالم بكل شيء و قادر ومهيمن على كل شيء فلا يخفي عليه ذرة في الأرض ولا في السماء وهذا الاحتمال اقل تكلفاً. وعل كل حال ما اتفق عليه جميع هذه الوجوه في الدلالة علم الله بجميع الحسنات والسيئات اما بالدلالة المطابقية و اما بالدلالة التضمنية. والنتيجة واحدة.

وقد ورد فِي أُصُولِ الْكَافِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اتَّقُوا الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا طَالِباً يَقُولُ أَحَدُكُمْ: أُذْنِبُ وَ أَسْتَغْفِرُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ «وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ"[3]

لا يخفى ان محقرات الذنوب ليست بمعنى الذنوب الصغيرة بال المراد الذنوب التي يستهين بها فاعلها و يعتبرها صغيرة، والسر على التركيز عليها لان الانسان عند ما يرتكب من الذنوب ما يعتبها كبيرة فيندم ويتوب الى الله و تنجبر بدية او كفارة او قضاء او معاقبة في الدنيا بواسطة الحكومة ولكن محقرات الذنوب قد لا يلتفت اليها فاعلها، كالغيبة والاستهزاء بالمؤمنين او عدم اداء بعض حقوقهم البسيطة كالقيام عند قدومهم علينا اذا كان تركه اهانة اليهم و امثال ذلك وكثير منها كبيرة عند الله ولذلك علينا ان نتقي الله في ارتكابها و نتحذر من اتيانها.

ثم ختمت الآية بقوله: "إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" أي ان الله لطيف بعباده فيعمل معهم بمقتضى اللطف فلا بتسامح في حقوقهم اذا اعتدي عليها، او انه لطيف عارف بلطائف الامور و دقائقها فلا يفوته شيء منها وهو خبير بما جرى و استحقاقات كل واحد منها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo