< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان

﴿"وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‌ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‌ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[1]

في الليلة الماضية تحدثنا حول الآية الاولى من هذا المقطع بقي علينا نقاط نشير اليها :

اولاً: في صدر الآية اتى " وصينا بصيغة المتكلم مع الغير ولكن في الذيل قال: "اشكر لي" و "إليّ المصير" ولعل السر في ذلك في صدر الآية صيغة متكلم مع الغير افادت التعظيم و في ذيل الآية افرد ضمير المتكلم تأكيدا على عدم الشرك لان شكر الله من مقولة العبادة و شكر غيره من مقولة جزاء الاحسان و في مورد الاخير افرى الضمير لشدة التحذير من الاستهانة بالأمر.

ثانيا: لماذا صرحت الآية بمعاناة الأم في احتضان الأولاد دون الأب حتي يؤكد على أهمية الاحسان الى الاُمّ من الاحسان الى الأب؟

لعل السر في ذلك في امور: أحدها: ان الام تتحمل المشقة في تربية الاولاد اكثر من الأب فتستحق الاحسان اكثر من الاب ،

ثانيها: هي ارق قلبا من الاب فينبغي رعايتها لأن لا تتأذى، و ثالثها: هي على الغالب احوج من الأب الى الاحسان.

وقد وردعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبَاكَ"[2] .(نورالثقلين ذيل الآية)

اما قوله تعالى: "﴿وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‌ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

نقف شيءً ما عند بعض مفردات الآية :

اولاً: لماذا قال اختار مادة الجهد ولم يختر مادة الامر او الطلب وامثال ذلك؟ لعلّ سرّ هذا الخيار، لأنه تعالى اراد ان يأخذ بأعلى مراتب الطلب حتى يشمل الأدنى ها: أي حتى لو بالغوا في الطلب و بذلوا جهدهم في اغنائك لا تستسلم لهم، فبالأحرى يفيد عدم جواز الرضوخ عند مطالباتهم البسيطة المحرمة، كقول الله تعالى: "ولا تقل لهما اف" فإنه يدل بوضوح على حرمة ضربهما و سبهما و حرمة استعمال سائر اساليب في ايذاءهما.

ثانياً: مفردة "تشرك بي" في هذه الآية تشمل جميع انواع الشرك سواء كان في العقيدة او العبادة او الطاعة فتشمل الامر باعتناق الكفر والامر بعبادة غير الله او الامر بترك واجب او ارتكاب محرم فكل ذلك منهي عنه.

ثالثا: قوله تعالى "ما ليس لك به علم" يكون من باب السالبة بسلب الموضوع. كما تقول لا اعلم لله شريكاً، فهو نفي لمتعلق العلم في الخارج حتي يتعلق به او لا بتعلق، فهو مقرون بالعلم بالخلاف و آكد تعبير عن الباطل.

هنا يتبغي ان لا نغفل بينما نهي الله عن طاعة الوالدين في المعصية ولكن لا يجب الامتناع عن طاعتهما بقسوة بل بمقدار ما نستطيع علينا نرضي خطرهما و نقنعهم بعدم امكان ذلك شرعا فان الاحسان اليهما مطلوب سواء كانا من اهل الهداية او الضلال خصوصا اذا لم يكونا معاندا للحق. وهذا كان سيرة اوليائنا عليهم السلام في التعامل مع سائر العامة من المسلمين من غير الشيعة وحتى مع اتباع سائر النحل والاديان. وكثيرا ما كان هذا الاسلوب داعيا لهم الى الانضمام الى شيعتهم او محبيهم وما ورد في باب البراءة انما ورد في شأن المعاندين لا كل من ليس من الشيعة او من المسلمين.

فقد ورد فِي الْكَافِي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَدْعُو لِوَالِدَيَّ إِنْ كَانَا لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ؟ قَالَ: "ادْعُ لَهُمَا وَ تَصَدَّقْ عَنْهُمَا، وَ إِنْ كَانَا حَيَّيْنِ لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ فَدَارِهِمَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِالرَّحْمَةِ لَا بِالْعُقُوقِ".

وَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ حَيَّيْنِ وَ مَيِّتَيْنِ يُصَلِّيَ عَنْهُمَا، وَ يَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا وَ يَحُجَّ عَنْهُمَا وَ يَصُومَ عَنْهُمَا، فَيَكُونَ الَّذِي صَنَعَ لَهُمَا وَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَزِيدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِبِرِّهِ وَ صِلَتِهِ خَيْراً كَثِيراً.

و عن ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ نَافِعٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، فَقَالَ: لَا تُشْرِكْ‌ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ إِنْ حُرِّقْتَ بِالنَّارِ وَ عُذِّبْتَ إِلَّا وَ قَلْبُكَ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَ وَالِدَيْكَ فَأَطِعْهُمَا وَ بَرَّهُمَا حَيَّيْنِ كَانَا أَوْ مَيِّتَيْنِ، وَ إِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَ مَالِكَ فَافْعَلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ".

لا يخفى ان اطاعتهما واجبة ما لم يكن فيها حرج او حرام فالخروج من المال والاهل واجب اطاعة لأمرهما اذا لم يترتب عليه حرج على الاولاد، او يستلزم منه ظلم الى الزوجة او الاطفال، ففي مثل حالة استلزام الحرج او الظلم ، ينبغي ان يقنعهما بعدم الاصرار على ترك المال او الاهل، و يطيب خاطرهما بمقدار الميسور.

كما ان الوالدين اذا امرا بشيء ليست فيه مصلحة وأمكن للأولاد ان لا يمتثلوا بدون ان يستلزم منه ايذاء لهما كما اذا لا يطلعون على ما وقع، فلا يجب امتثال اوامرهما او نواهيهما ولو في الامر الجائز لان الواجب انما هو الاحسان اليهما والحرام انما هو ايذاءهما، وطاعتهما ليست واجبة بعنوانها بل واجبة كمصداق للاحسان وترك الطاعة ليس محرماً بعنوانه بل محرم لاستلزامه الايذاء والاهانة إليهما، وعلى كل حال تطييب خاطرهما هو الاصل وهو مصداق للإحسان الذي اكد عليه القرآن.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo