< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان

﴿"وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‌ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[1] بعد ما ذكر الله وصية من وصايا لقمان لابنه حول الكلام الى نفسه وبين وصيته تعالى للإنسانية جمعاء، ولعل السر في ذلك اهمية الاحسان الى الوالدين بعد التوحيد، ولا يناسب للقمان ان يوصي بالإحسان اليه فالله تبارك وتعالى كمل المصراع بنفسه و اوصي بالوالدين مقرونا للشكر له ليدل على وجوب شكر للوالدين الذي يتحقق بالإحسان اليهما ونحن نجد مثل هذه المقارنة في اكثر من مورد، فقد اوصى في سورة الاسراء بتفصيل اكثر قال تعالى: ﴿"وَ قَضى‌ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً﴾[2] "

وقال تعالى: "﴿وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى‌ وَ الْيَتامى‌ وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‌ وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً﴾[3] "

قال تعالى: "﴿وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى‌ والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[4] كما ان الله جعل البر بالوالدين خصيصة لنبيين من انبيائه: قال تعالى في وصف يحيى عليه السلام: "﴿يا يَحْيى‌ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا . وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا﴾[5]

قال تعالى في وصف عيسى عليه السلام من لسانه عند الولادة : "﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا . وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا . وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّاً﴾[6] "

فِي رسالة الْحُقُوقِ عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ أَمَّا حَقُّ أُمِّكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتْكَ حَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَ أَعْطَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبِهَا مَا لَا يُعْطِي أَحَدٌ أَحَداً وَ وَقَتْكَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهَا وَ لَمْ تُبَالِ أَنْ تَجُوعَ وَ تُطْعِمَكَ وَ تَعْطَشَ وَ تَسْقِيَكَ وَ تَعْرَى وَ تَكْسُوَكَ وَ تَضْحَى وَ تُظِلَّكَ وَ تَهْجُرَ النَّوْمَ لِأَجْلِكَ وَ وَقَتْكَ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ ليكون [لِتَكُونَ‌] لَهَا فَإِنَّكَ لَا تُطِيقُ شُكْرَهَا إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَ تَوْفِيقِهِ، وَ أَمَّا حَقُّ أَبِيكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ أَصْلُكَ فَإِنَّكَ لَوْلَاهُ لَمْ تَكُنْ، فَمَهْمَا رَأَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ مَا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ، فَاحْمَدِ اللَّهَ وَ اشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ[7] .

هنا ينبغي ان نلفت انتباهكم الى مسألة هامة وهي ان حق الوالدين حكم من الله جعله لهما على الاولاد وليس مجرد مكافئة لما قدموا من الخدمة الى الاولاد، ولذلك هذا الحق ثابت ايضاً لاُمّ او لأب لم يخدم اولاده، كما اذا اتفق الانفصال بين الزوجين بعد ولادة الاولاد، واحدهما ترك الاولاد للآخر ولم يقدم لهم أي خدمة مع ذلك يجب على الاولاد اكرام مثل هذا الاب او هذه الأم ، نعم من حكم ايجاب الاحسان الى الوالدين، هو تكافؤ خدماتهما التي اسديا الى اولادهما وهنا حِكَم اخرى لهذه الفريضة من ترسيخ التلاحم بين الاسرة و توطيد حلقة الوصل بين الاجيال المتلاحقة التي تعطي الاصالة لثقافة ودين ابناء كل شعب. وقد تعاني بعض الشعوب الغربية في هذا العصر من التفكك الاسري فيما بينهم، وبئس دور الحضانة بديلا عن الوالدين. فهناك قد كثرت حالات العقد النفسية و حالة الإكتئاب في الشباب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo