< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان

﴿وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [1] (12) ﴿ وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [2]

عرفنا في الليلة الماضية شيئاً عن حياة لقمان سلام الله عليه و الحكمة التي آتاه الله وفي معنى الحكمة ذكرنا وجوهاً، منها: كون الشكر لله تفسيراً للحكمة المعطاة، فان حالة الشكر الحقيقية و من صميم القلب، ملازم للرضا الكامل من الله و هو مسبوق بمعرفة الله من انه رحمن رحيم لا يأتي منه شيءٌ لعباده الا ما فيه خير لعباده، فهو فرح بكل ما يرد عليه في عالم التكوين، و مقتنع بما امر به او نهي عنه في عالم التشريع، فهو ما يرى من الله الا جميلاً والله يفتح قلبه بالحكمة كما ورد في الحديث "من اخلص لله اربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه الى لسانه. فهو رؤيته للعالم رؤية صحيحة عميقة و لفعاله منطبقة لرضى الله تعالى الذي هو عين الحكمة فالله تعالى لم يامر ولم ينه الا لحكمة كامنة في اوامره ونواهيه.

و قد رد في الميزان ما هو قريب لما قلناه واليك نصه: (و الظاهر أنه تفسير إيتائه الحكمة من غير تقدير القول، و ذلك أن حقيقة الشكر هي وضع النعم في موضعها الذي ينبغي له بحيث يشير إلى إنعام المنعم، و إيقاعه كما هو حقه يتوقف على معرفة المنعم و معرفة نعمه بما هي نعمة و كيفية وضعها موضعه بحيث يحكي عن إنعامه فإيتاؤه الحكمة بعثٌ له إلى الشكر فإيتاء الحكمة أمر بالشكر بالملازمة).

وذكر في الميزان نقطة لطيفة ينبغي الوقوف عنده وهي قوله: («أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة و ذلك أن التكلم مع الغير من المتكلم إظهار للعظمة بالتكلم عن قبل نفسه و خدمه و قول أن اشكر لنا على هذا لا يناسب التوحيد في الشكر و هو ظاهر).

اقول: مما يؤيد هذا المعنى، انه لم يرد في القرآن: (عبادنا او اعبدونا و اشكرونا و ادعونا)، مما فيها دعوة بصيغة المتكلم مه الغير بل جاءت في هذه الموارد وامثالها بصيغة المفرد، قال تعالى: "قل لعبادي يقولوا التي هي احسن" و قال: "قل لعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" وقال: "اعبدوني ولا تشركوا بي شيئاً" وقال: "ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون الجهنم داخرين" وقال: "فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" وما الى ذلك من الآيات المباركة.

و اما قوله تعالى: «وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» بيان لحقيقة الالتفات اليها يبعد العبد من الاعجاب بنفسه، فان الشاكر الملتفت يعيش حالة الرضا و الطمأنينة و يلمس السعادة التي يعيشها مضافا الى ما يوجب الشكر مزيد النعمة، فهو المنتفع من شكره، كما انّ من يكفر يعيش حالة البؤس والحرمان والفقر في نفسه فلا يتضرر من الكفران الا نفسه والله هو غني عن الشكر و حميد محمود سواء شكره الشاكرون او لم يشكروه فمعطي النعمة محمود في نفسه. وهذا المعنى متحقق في الانسان الخير و المنعم الى غيره فانه محمود سواء شكره المنعم اليه او لم يشكره ولكن الانسان غالبا ينتفع من شكر المنعم اليه و لا يتضرر من كفرانه اذا عمل الخير لله فانه تعالى يجبر خاطره مما لم بوأدي المنعم اليه حقه.

ثم ان لصاحب الميزان الفات الى التفارق موجود في الآية الكريمة بين الشكر والكفر فقال: (و في التعبير عن الشكر بالمضارع الدال على الاستمرار و في الكفر بالماضي الدال على المرة إشعار بأن الشكر إنما ينفع مع الاستمرار لكن الكفر يتضرر بالمرة منه).

ولكن يمكن المناقشة في هذا التفريق فنسأل ما المراد من الاستمرار في الشكر فان قلتم ان الاستمرار يتحقق باستمرار التوجه والالتفات الى النعمة فهذا امر واضح البطلان فإنه لا يتحقق هذا المعني الى للأوحدي من الاولياء، وان اردتم ان لا يتعقّب الشكر كفراناً للنعمة وهو الظاهر، وهذا الامر صادق في الكفر ايضاً فمن شكر ثم كفر فيحبط كفرُه شكرَه، كذلك من كفر ثم تنبه وشكر فيمحوا شكرُه كفرَه، فليس هذا فارق بين الموردين و لا تبرير صحيح لاختلاف التعبير بين المستقبل والماضي.

فلعل وجه التفريق بين الشكر والكفر ان الشكر يقع لنفس الشاكر وكلما ازداد شكراً ازداد انتفاعا من شكره. ولكن الضرر منفي عن الله لمطلق الكفر فتأمل جيداً.

وتنتهي الآية بقوله: "﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾"

أي غني عن الشكر و محمود بنفسه فشكر الله لا يزيده شيء ولا ينقصه شيء.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo