< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/09/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : سورة لقمان

﴿"وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ . وَ إِذا تُتْلى‌ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ"﴾[1]

قبل البدء بالبحث اعتذر من الحضور المبارك من غيابي الليلة الماضية حيث لبيت دعوة السفارة للحضور في مأدبة الإفطار الذي قام به السفير لرجال الدين والمثقفين حرصا لاغتنام الفرصة للقاء بهم.

وبعد، نحن في الليالي الماضية تحدثنا حول مفردات الآية و نظرنا الى بعض الرموز المستفادة من تلك المفردات و ركزنا على خصوص لهو الحديث و تبين ان الغنا اللهوي هو من مصاديق لهو الحديث التي ورد في الروايات وكلمات الفقهاء ايضاً، والليلة أودً ان اتوقّف شيئاً ما عند بعض مفاسد الغنا والموسيقى المحرم كي تكتمل الفائدة، ولابد قبل ذلك ان نلفت الانتباه بان الغنا وكذلك الموسيقى بمعناهما اللغوي اوسع من المحرم منهما، حيث ان الاول يستعمل في كل صوت موزون يخرج من الفم، فيشمل قراءة المدائح و المراثي و الاشعار الاخلاقية والتربوية واناشيد الدينية وما الى ذلك مما هو بعيد عن اللهو والمجون والثاني كل صوت يخرج من الآلات او الاشياء فيشمل الضرب بالطبول و الاجراس للجهاد والاناشيد الاسلامية والثورية والوطنية و التنبيه الى مواقع الحساسة وصوت الشلالات و هبوب الرياح على اوراق الاشجار و هدير البلابل والطيور و غيرها من الاصوات التي لا علاقة لها بالفسق والفجور و اللهو والفساد فكلامنا في هذا المبحث في معنى المصطلح عند الفقهاء والمستفاد من ادلة الشرعية التي تحرمهما.

وما نذكره هنا انما استفدناه من تفسير الامثل في بيان فلسفة تحريم الغناء و المفاسد التي تترتب عليها و فجئنا بملخصها و قد اضفنا اليها ما خطر بالبال و هي بالإجمال:

أوّلا: الترغيب و الدعوة إلى فساد الأخلاق.

لقد بيّنت التجربة- و التجربة خير شاهد- أنّ كثيرا من الأفراد الواقعين تحت تأثير موسيقى و ألحان الغناء قد تركوا طريق التقوى، و اتّجهوا نحو الشهوات و الفساد. كما نرى إنّ مجالس الغناء تلازم أنواع المفاسد.

و نقرأ في بعض التقارير التي وردت في الصحف الأجنبية أنّه كان في مجلس جماعة من الفتيان و الفتيات فعزفت فيه موسيقى خاصّة و على نمط خاص من الغناء، فهيّجت الفتيان و الفتيات إلى الحدّ الذي هجم فيه بعضهم على البعض الآخر، و عملوا من الفضائح ما يخجل القلم عن ذكره.
و ذكر في تفسير (روح المعاني) حديثا عن أحد زعماء بني أميّة أنّه قال لهم: (إيّاكم و الغناء فإنّه ينقص الحياء، و يزيد في الشهوة، و يهدم المروءة، و إنّه ينوب عن الخمر، و يفعل ما يفعل السكر). وهذا اعتراف من عائلة خاضوا في الغنا من اعلا رؤوسهم الى اخمص اقدامهم.

و عند ما نرى في الرّوايات الإسلامية: أنّ الغناء ينبت النفاق، ای ینبت جمیع المفاسد فان النفاق هو المجمع لجمیع المفاسد.

و قد ورد في رّواياتنا: أنّ الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه غناء، فبسبب التلوّث بالفساد، لأنّ الملائكة طاهرة تطلب الطهارة، و تتأذّى من هذه الأجواء الملوّثة.

ثانيا: الغفلة عن ذكر اللّه: إنّ التعبير باللهو الذي فسّر بالغناء في بعض الرّوايات الإسلامية إشارة إلى حقيقة الغناء خیث يجعل الإنسان عبدا ثملا من الشهوات حتّى يغفل عن ذكر اللّه.

في حديث عن علي عليه السّلام: «كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر» والغنا ملهی عن ذکر الله فهو کالمیسر الذی قال فیه ربنا تعالی: " انما یرید الشیطان ان یوقع بینکم العداوة والبغضاء فی الخمر والمیسر و یصدکم عن ذکر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون"

ثالثا: الإضرار بالأعصاب:

إنّ الغناء و الموسيقى- في الحقيقة- أحد العوامل المهمّة في تخدير الأعصاب، و بتعبير آخر: إنّ الموادّ المخدّرة ترد البدن عن طريق الفمّ و الشرب أحيانا كالخمر، و أحيانا عن طريق الشمّ و حاسّة الشمّ كالهيروئين، و أحيانا عن طريق التزريق كالمورفين، و أحيانا عن طريق حاسّة السمع كالغناء. و لهذا فإنّ الغناء و الموسيقى المطربة قد تجعل الأفراد منتشين أحيانا إلى حدّ يشبهون فيه السكارى. و لهذا فإنّ كثيرا من مفاسد المخدّرات موجودة في الغناء، سواء كان تخديره خفيفا أم قويّا.

«إنّ الانتباه بدقّة إلى سيرة مشاهير الموسيقيين يبيّن أنّهم قد واجهوا تدريجيّا مصاعب و صدمات نفسية خلال مراحل حياتهم حتّى فقدوا أعصابهم شيئا فشيئا، و ابتلي عدد منهم بأمراض نفسية، و جماعة فقدوا مشاعرهم و ساروا إلى دار المجانين، و بعضهم أصيبوا بالشلل و العجز، و بعضهم أصيب بالسكتة، حيث ارتفع ضغط الدم عندهم أثناء عزف الموسيقى».

و يستفاد من الإحصاءات المعدّة للوفيّات في عصرنا الحالي بأنّ معدّل موت الفجأة قد إزداد بالمقارنة مع السابق، و قد ذكروا أسبابا مختلفة كان من جملتها الغناء و الموسيقى.

رابعا: الغناء أحد وسائل الاستعمار: إنّ مستعمري العالم يخافون دائما من وعي الشعوب، و خاصّة الشباب، و لذلك فإنّ جانبا من برامجهم الواسعة لاستمرار و إدامة الاستعمار هو إغراق المجتمعات بالغفلة و الجهل و الضلال، و توسعة وسائل اللهو المفسدة. إنّ المخدّرات لا تتّصف اليوم بصفة تجارية فقط، بل هي أحد الوسائل‌ السياسية المهمّة، فإنّ السياسات الاستعمارية تسعى إلى إيجاد مراكز الفحشاء و نوادي القمار و وسائل اللهو الفاسدة الاخرى، و من جملتها توسعة و نشر الغناء و الموسيقى، و هي من أهمّ الوسائل التي يصرّ عليها المستعمرون لتخدير أفكار الناس، و لهذا فإنّ الموسيقى تشكّل القسم الأكبر من وقت إذاعات العالم و وسائل الإعلام الأساسية.

اقول: للاسف نرى احيانا اصبح ثقافتنا متأثرة عن ثقافة العلمانيون من الغربيين فنعتبر الموسيقي من ضروريات الحياة كسائر الحاجات الطبيعية وعندما نريد ان نعرّف كل قوم نتطرق من مدخل الموسيقى التي تعارفت بينهم وقد كان في السابق في بلادنا يسمون المتعاطي للموسيقي باللوطي وهم كانوا يتسولون في الشوارع و قد سموهم في هذا العصر بالفنان و عالم الموسيقى و في الفارسية "هنرمند". حتى اتفق مرة في مكتبنا في محافظة سيستان و بلوشستان قد نشروا في مجلة الاسوة المنتسب الى مكتبنا وانا كنت ممثلا آنذاك عن سماحة الامام الخامنئي في تلك المحافظة و صاحب الامتياز للمجلة ترجمة عن حياة احد اللوطيين البلوش تكريما له و ذكروا فيها مما يمتاز به هذا الفنان هو قادر علة ان يستعمل قصبين و ينفخ فيهما بفمه في آن واحد، و انما انا تنبهت لهذا الامر بعد ما نشروها؟! فطلبت لاحد الفضلاء من اصدقائنا ان يصدر بيانا يعاتبنا اشد العتاب في نشر هذه المطالب الفاسدة المفسدة فاصدر البيان ونشرناه في نفس المجلة واعترفنا بالتقصير واعتذرنا من الناس انه خطأ صدر عن بعض المراسلين عسى الله ان يعفو عنّا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo