< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : معنى العمى / تتمة سورة الاسراء

﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً . وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾[1]

قد انتهينا من البحث في الآية الاولى وكان كلامنا في الآية الثانية و هي قوله تعالى: «وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» وهناك قول على ان العمى في هذه الآية هو عمى القلب في الموردين ومن القائلين بهذا القول العلامة الطبطبائي في الميزان و استشهد لقوله بأمور:

اولاً: هو (المقابلة بين قوليه: «فِي هذِهِ» و «فِي الْآخِرَةِ» دليل على أن الإشارة بهذه إلى الدنيا). فالمتقابلتين من جنس واحد.

ثانياً: (أن كون الآية مسوقة لبيان التطابق بين الحياة الدنيا و الآخرة دليل على أن المراد بعمى الآخرة عمى البصيرة كما أن المراد بعمى الدنيا ذلك).

ثالثاً: (قال تعالى: «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».

رابعاً: (و يؤيد ذلك أيضا تعقيب عمى الآخرة بقوله: «وَ أَضَلُّ سَبِيلًا».

ثم ذكر شبهتين ردهما بما اتخذه في معنى الآية فقال (و بما تقدم يتبين ما في قول بعضهم: إن الإشارة بقوله: «فِي هذِهِ» إلى النعم المذكورة و المعنى و من كان في هذه النعم التي رزقها أعمى لا يعرفها و لا يشكر الله على ما أنعمها فهو في الآخرة أعمى.

و كذا ما ذكره بعضهم أن المراد بعمى الدنيا عمى البصيرة و بعمى الآخرة عمى البصر، و قد تقدم وجه الفساد على أن عمى البصر في الآخرة ربما رجع إلى عمى البصيرة لقوله تعالى: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ»).

فنقول: ان هذه اشارة الى الدنيا فلا يعتريه شك، لان عنوان الآخرة اشارة الى شيء قبلها وهي الدنيا كما قد يعبر عنها بالأولى.

ولكن استنباط ان عمى الآخرة لابد ان تكون مماثلا لما في الدنيا لا ضرورة فيها. فان مفردة العمى في الحقيقة موضوعة لمكفوف البصر و من باب تشبيه المعقول بالمحسوس يعبر عن الجهالة والكفر القائم على القلب بالعمى. ولكن تماثل المتقابلين غير ضروري نعم لابد ان يكون بين المعصية و جزائها تناسب.

واما قولكم من الآية مسوقة لبيان التطابق بين الحياة الدنيا و الآخرة يكفي فيه تناسب ما لا كل التطابق لانه يستلزم ان لا يكون عمى القلب والبصيرة مقرونة بعذاب آخر؟

واما الآية الشريفة: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" فهي واردة لبيان العمى في الدنيا، ولا علاقة لها بالآخرة.

واما جعلكم اضل سبيلا قرينة على نفي العمة في البصر وكون المراد من العمي في البصيرة فهذا لا يتم لان العطف ظاهر في التغاير الا اذا كانت قرينة صارفة فنجعله للبيان او التأكيد.

واما كون الآخرة يم تبلى السرائر يكفي انكشاف السرائر بما لا يبقى شك فيها ولا يجب ان يكون الانكشاف برؤية البصر

مضافاً الى كل ذلك : ما معنى عمى البصيرة في الآخرة؟ هل البقاء على الشرك او عبادة غير الله؟

و قول تعالى: "﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‌ قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى‌ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى﴾[2] ظاهر بل صريح في عمى البصر وهو نوع من العذاب.

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: «وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» قال: ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعنى حجة الإسلام حتى يأتيه الموت.[3]

و فيه خطبة له صلى الله عليه و آله و فيها: و أعمى العمى عمى الضلالة بعد الهدى، و شر العمى عمى القلب.

في كتاب ثواب الأعمال رفعه الى أمير المؤمنين عليه السلام قال: تحشر المرجئة عميانا فأقول لهم: ليسوا من امة محمد صلى الله عليه و آله، انهم بدلوا فبدل بهم و غيروا فغير ما بهم.

و فيه باسناده الى النبي صلى الله عليه و آله انه قال: و من قرأ القرآن و لم يعمل به حشره الله عز و جل يوم القيمة أعمى، فيقول: «رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى‌ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنسى"


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo