< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الايتاء والاعطاء / تتمة سورة الاسراء

﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً . وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾[1]

كان بحثنا في الآية فوقها وقد فرغنا عن البحث في الفقرة الاولى من الآية وهو قوله تعالى: "يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ" فنتابع بحثنا في قوله تعالى: "فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً"

ان الايتاء والاعطاء متقاربان في المعنى وهو تسليم الشيء الا ان الثاني انما يستعمل في مقام التكريم، والمراد بالكتب هنا صحيفة الاعمال، و المراد باليمين هنا اليد اليمنى، و مفردة اليمين مشتقة عن اليُمن وهو الذي فيه الخير والبركة وفي الانسان جانب اليمين في أغلب الافراد هو الأقوى فيقدم عادة الرجل اليمنى في المشي او الصعود او النزول من الدرج، الا من كان على خارج المعتاد او تعمد خلافه، و قد ورد في الشريعة استحباب الاتيان بالأعمال الشريفة باليمني كالأكل والشرب و المصافحة و الدخول الى الاماكن المقدسة كالمساجد و حرم اهل البيت عليهم السلام و تقديم من يكون في جانب الايمن على غيره فيما لابد من تقديم أحد الجانبين ولا مرجح في احدهما، حتى انه ورد الاستحباب لبدء القاضي بمن في يمينه.

و خلافها باليسرى فإنها يستعمل في الاعمال الدونية كالاستنجاء والخروج من الاماكن المقدسة

والفتيل: ورد في تفسير على بن إبراهيم في معناه: (الجلدة التي في ظهر النواة)، وقال في الميزان: (الفتيل هو المفتول الذي في شق النواة، و قيل: الفتيل هو الذي في بطن النواة و النقير في ظهرها و القطمير شق النواة)[2]

في أصول الكافي روى عن على بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن اسحق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين بن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: "و ليست تشهد الجوارح على مؤمن انما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، قال الله عز و جل: «﴿فأما فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾».[3]

و يستفاد من هذه الآية ان الناس يتفرقون في المحشر فريقين فالذين أعطوا صحيفة أعمالهم بأيمانهم فأولئك يقرءون كتابهم فرحين مستبشرين مسرورين بالسعادة و لا يظلمون مقدار فتيل بل يستوفون أجورهم تامة كاملة. والفريق الثاني هم الذين قال تعالى فيهم: ﴿وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾[4]

في كتاب الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل و فيه يقول عليه السلام: أشد العمى من عمى عن فضلنا أو ناصبنا العداوة بلا ذنب سبق اليه منا، الا أنا دعوناه الى الحق، و دعاه من سوانا الى الفتنة و الدنيا، فأتاهما و نصب البراءة منا و العداوة.

قال في الميزان و نِعمَ ما قال: المقابلة بين قوليه: «فِي هذِهِ» و «فِي الْآخِرَةِ» دليل على أن الإشارة بهذه إلى الدنيا كما أن كون الآية مسوقة لبيان التطابق بين الحياة الدنيا و الآخرة دليل على أن المراد بعمى الآخرة عمى البصيرة كما أن المراد بعمى الدنيا ذلك قال تعالى: «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» و يؤيد ذلك أيضا تعقيب عمى الآخرة بقوله: «وَ أَضَلُّ سَبِيلًا».

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ و جلّ: « وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌» قال: من لم يدلّه خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و دوران الفلك و الشمس و القمر و الآيات العجيبات على انّ وراء ذلك أمر أعظم منه «فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا»

و ظاهر بعض المفسرين أن الأعمى الثاني في الآية تفيد معنى التفضيل حيث فسره أنه في الآخرة أشد عمى و أضل سبيلا و السياق يساعده على ذلك.

و المعنى: و من كان في هذه الحياة الدنيا لا يعرف الإمام الحق و لا يسلك سبيل الحق فهو في الحياة الآخرة لا يجد السعادة و الفلاح و لا يهتدي إلى المغفرة و الرحمة.

مَ تُنْسى‌» فيؤمر به الى النار

.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo