< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

40/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تتمة الأسراء10

﴿وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‌ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾[1]

لقد تحدثنا حول هذه الآية المباركة في الاسبوع الماضي بنظرة خاطفة وقلنا ان المفسرين قد تفننوا و تشتتوا في المراد من التكريم، فبعضهم جعلوا تكريم الانسان في ابعاده النفسية كقوّة عقله و منطقه، و الاستعدادات المختلفة و حرية الإرادة. و منها كرم الله إنسان بأن اقدره على معرفته، وعلى إطاعة أوامره.

و بعضهم فسروا الكرامة بما يعود الى بعد المادي منه: بأن أعطاه جسماً متزناً و جسده عمودياً على الارض، و آخرون اشاروا في تكريمه بالأصابع التي يستطيع القيام بواسطتها بمختلف الأعمال الدقيقة، و منها القدرة على الكتابة. ومنهم من اعتبر التكريم في جعله كائناً يأكل طعامه بيده. و هناك من يقول: إنّ السبب يعود إلى سلطة الإنسان على جميع الكائنات الأرضية.

ولكن كما اشرنا في الاسبوع الماضي التكريم يشمل جميع هذه الامور مما يعود الى الجسم او ما يعود الى النفس وما ذكر انما هي مصاديقٌ لمواطن التكريم.

و قال في الميزان: فقوله: («وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ» المراد بالتكريم تخصيص الشي‌ء بالعناية و تشريفه بما يختص به و لا يوجد في غيره، و بذلك يفترق عن التفضيل فإن التكريم معنى نفسي و هو جعله شريفا ذا كرامة في نفسه، و التفضيل معنى إضافي و هو تخصيصه بزيادة العطاء بالنسبة إلى غيره مع اشتراكهما في أصل العطية، و الإنسان يختص من بين الموجودات الكونية بالعقل و يزيد على غيره في جميع الصفات و الأحوال التي توجد بينها و الأعمال التي يأتي بها.[2]

و ينجلي ذلك بقياس ما يتفنن الإنسان به في مأكله و مشربه و ملبسه و مسكنه و منكحه و يأتي به من النظم و التدبير في مجتمعة، و يتوسل إليه من مقاصده باستخدام سائر الموجودات الكونية، و قياس ذلك مما لسائر الحيوان و النبات و غيرهما من ذلك فليس عندها من ذلك إلا وجوه من التصرف ساذجة بسيطة أو قريب من البساطة و هي واقفة في موقفها المحفوظ لها يوم خلقت من غير تغيير أو تحول محسوس و قد سار الإنسان في جميع وجوه حياته الكمالية إلى غايات بعيدة و لا يزال يسعى و يرقى. و بالجملة بنو آدم مكرمون بما خصهم الله به من بين سائر الموجودات الكونية و هو الذي يمتازون به من غيرهم و هو العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل و الخير من الشر و النافع من الضار).

هذا البيان كلام صحيح لا نقاش فيه الا ما ورد في مطلع كلامه في تفسير التكريم بانه: (تخصيص الشي‌ء بالعناية و تشريفه بما يختص به و لا يوجد في غيره) فقيد لا يوجد في غيره زائد مادام تعترفون بان التكريم معنى نفسيا وليس اضافياً واثبات الشيء لا ينفي غيره، فيتحقق التكريم بما يوجد في غيره وما لا يوجد في غيره. وفي التفضيل لابد من زيادة في المفضل مما لا يوجد في غيره.

قال في الميزان ايضاً: (و بالجملة بنو آدم مكرمون بما خصهم الله به من بين سائر الموجودات الكونية و هو الذي يمتازون به من غيرهم و هو العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل و الخير من الشر و النافع من الضار.

و أما ما ذكره المفسرون أو وردت به الرواية أن الذي كرمهم الله به النطق أو تعديل القامة و امتدادها أو الأصابع يفعلون بها ما يشاءون أو الأكل باليد أو الخط أو حسن الصورة أو التسلط على سائر الخلق و تسخيرهم له أو أن الله خلق أباهم آدم بيده أو أنه جعل محمدا ص منهم أو جميع ذلك و ما ذكر منها فإنما ذكر على سبيل التمثيل.

فبعضها مما يتفرع على العقل كالخط و النطق و التسلط على غيره من الخلق و بعضها من مصاديق التفضيل دون التكريم و قد تقدم الفرق بينهما، و بعضها خارج عن مدلول الآية كالتكريم بخلق أبيهم آدم ع بيده و جعل محمد ص منهم فإن ذلك من التكريم الأخروي و التشريف المعنوي الخارج عن مدلول الآية كما تقدم.

وبذلك يظهر ما في قول بعضهم: إن التكريم بجميع ذلك وقد أخطأ صاحب روح المعاني حيث قال بعد ذكر الأقوال. و الكل في الحقيقة على سبيل التمثيل و من ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال: إنما التكريم بالعقل لا غيره فقد ادعى غلطا و رام شططا و خالف صريح العقل و صحيح النقل. انتهى. و وجه خطأه ظاهر مما تقدم).

اقول: لا داعي لتخصيص التكريم بالعقل ما دام لا حاصر له وخصوصاً اذا كانت الروايات ناطقة بها ولكن تفضيل الانسان على موجودات الكونية صحيح والكثير هو بمعناه الظاهري في مقابل قليل.

ثم ان صاحب الامثل مصر على ان قوله تعالى وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً معناه على جميع ما خلقناه، قال: (قال بعض المفسّرين يعتبرون الآية الآنفة دليلا على أفضلية الملائكة على بني الإنسان، فالقرآن يقول بأنّ الإنسان مفضّل على أكثر المخلوقات، و تبقى مجموعة لا يكون الإنسان أفضل منها، و هذه المجموعة ليست سوى الملائكة. و لكن بملاحظة آيات خلق آدم و سجود الملائكة و تعليمهم (الأسماء) من قبل آدم، لا يبقى شك في أنّ الإنسان أفضل من الملائكة)[3] .

لذا فإنّ كلمة (كثير) تعني هنا (جميع). و كما يقول المفسّر الكبير الشّيخ الطبرسي في مجمع البيان، فإنّ استخدام كلمة (كثير) بمعنى (جميع) يعتبر عاديا و واردا في القرآن الكريم و في لغة العرب.)

قلنا: ان آيات خلق آدم لا تدل على افضلية مطلق الانسان على الملائكة، فان موضوع الحوار بين الله وملائكته ليس مطلق الانسان بل الحوار حول آدم عليه السلام وهو وحده كان مسجود الملائكة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo