< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : على اعتاب يوم القدس

﴿وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ بَني‌ إِسْرائيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً وَ قالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلي‌ وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ . فَبِما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى‌ خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَليلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ[1]

بما نحن في اعتاب يوم القدس العالمي اخترت لكم بعض الآيات التي تتعلق ببني اسرائيل، ولا يخفى عليكم أنّ قضايا بني اسرائيل واليهود قد ورد في القران بشكل واسعٍ جداً، فقد ورد عنوان بني اسرائيل في 17 سورة وفي المجموع 41 مرة مضافاً الى الآيات التي نزلت حول اليهود بنحو الاخص من دون ذكر بني اسرائيل وما ورد في أهل الكتاب، وأظن انّها تتجاور المآت من الآيات القرآنية.

ولعل أحد الدواعي لكثرة الذكر والتوسع في هذا المجال، هو التشابه الذي يكون بين الاُمّة الاسلامية و أمّة موسى عليه السلام حتى ورد في بعض الروايات مما مضمونها انّه سوف يحدث للأمّة الاسلامية ما حدث في بني اسرائيل طابق النعل بالنعل والقذة بالقذة. مضافاً الى ما في قصصهم من الاعتبار والدرس. فانهم الذين ورد في شأنهم في القرآن مرتين قوله تعالى: ﴿يا بَني‌ إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي‌ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمينَ[2] . كما ذكر لهم فضائل ومناقب، وكذلك عكسها رذائل وخيانات وجرائم، مما يكون فيها الاعتبار لمن يعتبر. فعلينا ان نجعل تاريخهم كمرآة امامنا بتحليل وامعان، نطبِّق في أنفسنا ومجتمعاتنا الفضائل ونبتعد عن الرذائل ونستجير بالله من الوقوع فيها.

انّ بني اسرائيل و هم اولاد يعقوب عليه السلام بعد ما اكرمهم الله بيوسف وجعلهم في نعمة و هداهم الى التوحيد والدين القويم، أخذتهم العزة بالاثم فبدّلوا نعمة الله كفراً فابتلاهم بفرعون الذي كان يسومونهم سوء العذاب قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيي‌ نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ . وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ . وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ[3] هذه الآية المباركة تفسيرها قضية موسى عليه السلام وتاويلها ظهور بقية الله العظمى حجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه.

وقال ايضاً في سورة الاعراف: ﴿ وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى‌ وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيي‌ نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ . قالَ مُوسى‌ لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ . قالُوا أُوذينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى‌ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ . وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون َ[4]

وقال في سورة البقرة: ﴿ وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ في‌ ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظيمٌ . وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ[5]

فأعز الله بني اسرائيل بموسي عليه السلام وجعلهم خلائف في الارض. قال تعالى: ﴿ وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتي‌ بارَكْنا فيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى‌ عَلى‌ بَني‌ إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ[6]

اما الآية المبحوث عنها: "وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ بَني‌ إِسْرائيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً" هذه تتحدث معنا عن قصة بني اسرائيل بعد العزّة والانتصار على فرعون وقومه ببركة موسي عليه السلام و دعوته. والميثاق هو العهد المشدد ومضمون الميثاق ما ذكره في هذه الآية بقوله: "لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلي‌ وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ أَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً" وقد ورد آيات اخري حول مضامين الميثاق ما يقرب بهذا المعنى لا نذكرها رعاية للاختصار.

و النقباء هم الذين اختارهم الله لهم من الأسباط الاثني عشر كانوا كالولاة عليهم يتولون أمورهم في أمور الدين و الدنيا. فهم الذين ميزهم الله بالفضائل والكمالات النفسية وورد في تفسير «روح المعاني» عن ابن عباس قوله:«إنّهم كانوا وزراء لموسى عليه السلام ثمّ صاروا أنبياء بعد ذلك».

وما ذكر كمضامين للميثاق من اقامة الصلاة اولا وهي نشر ثقافة الصلاة واحياء امرها تلك الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والتي احس المشركون انها لا تجتمع مع عبادة غير الله والفساد الاقتصادي فقالوا لرسول الله: "أصلاتك تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبائُنا اَوْ اَنْ نَفْعَلَ فِي اَمْوالِنا ما نَشاءُ"؟ وكذلك ايتاء الزكاة ليس مجرد دفعها بل هي ترويجها مما يقوي بنية المجتمه في اقتصاده لصالح المستضعفين فهي تشمل قسم كبير من مجمل انتاج القمح والشعير واللحوم و اذا عممنا الدرهم والدينار الى كل عملة رائجة فهي تشكل ثروة زخمة هائلة تصرف في رفع مستوي الفقراء الى معتدل الثروة في المجتمع. من الميثاق الايمان برسل الله وهم الرسل الذين جاءوا بأعداد كبيرة ولعل النقباء كانوا منهم ولم يكن لهم شريعة مختصة بهم بل كانوا يروجون شرائع الانبياء الي العزم كنوح وابراهيم وموسي والميثاق يشمل بعمومه او اطلاقه الايمان بعيسى ومحمد عليهما السلام. واشترط عليهم النصرة للرسل لا مجرد الايمان، وكذلك اقراض الله قرضا حسنا وهو الانفاق في سبيل الله زائداً على الحقوق الواجبة.

ثم ذكر وعد الله لمن وفي بميثاقه فقال: "لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ" كفران السيئات مضافاً الى الآخرة بالعفو عن السيّئات وامحاء اثرها، في هذه الدنيا ايضاً عبارة عن تغيير المعنويات والخلق اللئيمة الى الكريمة وتغيير سيرته واعماله وتغيير موقعه وشأنه بين الناس سواء على مستوى الفردي او الشعبي فان الشعب المتخلف الذي كان ذليلاً حقيراً مغلوباً على امره مستهيناً ينقلب الى شعب عزيز منيع مقاوم راقي متقدم ينظر اليه سائر الشعوب من العدو والصديق نظر احترام واعجاب، يعترفون بحقوقه ولا يجترؤن عليه وهذا الامر تحقق مر التاريخ في اجيال مختلفة ومنهم بني اسرائيل. وفي بلادنا الاسلامية رأينا كلما كان للناس قائد عالم شريف خضع له الناس واجتمعوا حوله وسمعوا كلمته عزوا واستطاعوا ان يحصلوا على بعض حقوقهم المنسية والمنهوبة و اكتسبوا مهابة في قلوب المستكبرين. واكبر مصداق في هذا العصر الجمهورية الاسلامية والشعب الايراني ومن مال ميلهم وسلك نهجهم كحزب الله و المقاومة السلامية في لبنان والمجاهدين الابطال في العراق في مقاومتهم ضد الاحتلال الامريكي و في مقارعتهم لداعش التكفيري وبعض الفصائل الفلسطينية والشعب السوري المقاوم و انصار الله المقاوم في اليمن والشعب المظلوم في البحرين.

ولكن في ذيل الآية يشير الى حالة عدم الوفاء بالميثاق فقال: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ" لانه تمت عليه الحجة فخسرت الدنيا والآخرة هنا نكتفى ونعتذر من الاطلة ونتابع البحث في الآية التي تليها في الليلة القادمة وهي الليلة الأخيرة من محاضراتنا التفسيرية انشاء الله


[1] سورة المائدة، اية13.
[2] سورة البقرة، ایة47.
[3] سورة القصص، ایة64.
[4] سورة الاعراف، ایة127و130.
[5] سورة البقرة، ایة49و50.
[6] سورة الاعراف، ایة137.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo