< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الانسان ونشأته التكوينية

﴿ كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَ مُنْذِرينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ[1]

ذكرنا في الليالي الماضية بعض المقدمات حول نشأة الانسان و حقيقته تمهيدا للتفهم الاكثر من الآيات اعلاه، و استخلصنا بان الخلاف ليس ناشئا عن الرسل او الشرائع بل كما يفيدنا الآية أن الاختلاف نشأ بين النوع مما أوجده حملة الدين ممن أوتي الكتاب المبين: من العلماء بكتاب الله بغياً بينهم و ظلماً و عتواً، قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‌ وَ عِيسى‌ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، إلى أن قال، وَ ما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ:﴾[2] فالاختلاف في الدين مستند إلى البغي دون الفطرة، فإن الدين فطري لا تضل فيه الخلق و لا يتبدل فيه حكمه كما قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ:[3] .

فلابد ان نبحث عن طريق علاج المشكلة و صيانة المجتمع من اضرار الاختلاف، فما هو العلاج؟ : العلاج بيد الناس انفسهم بأن لا يخضعوا للطواغيت والظلمة: قال تعالى: ﴿ لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‌ لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ[4] .

و النصوص الدينية من القرآن والسنة حذّرتنا تحذيراً شديداً من اتّباع الأعمى عن الأحبار والرهبان والاكابر و علماء السوء:

قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ كَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [5] والله يعاتب علماء الدين لعدم شعورهم بالمسؤولية تجاه صيانة الدين وقال: ﴿ لَوْ لاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [6] .

هناك تحذير على بعض الخواص الذين يستغلون موقعهم في الناس للم المال والثروة فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَ الرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[7] .

وفي آية اُخرى يبيّن لنا ربُّنا عواقب الخيانة في الدين قال: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ نَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَ لاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [8] .

في آية اعتبر الخيانة في الدين تسرعاً الى الكفر ويسلّي رسوله فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذَا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [9] .

فبيان امكان الضلالة للعلماء قال: ﴿ أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلاَ تَذَكَّرُونَ[10] .

وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً[11] .

هناك باب في الكافي في المستأكل بعلمه ورد فيه بسنده: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبّاً لِدُنْيَاهُ فَاتَّهِمُوهُ عَلَى دِينِكُمْ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْ‌ءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ وَ قَالَ ص أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ ع لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ عَالِماً مَفْتُوناً بِالدُّنْيَا فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي فَإِنَّ أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي عَنْ قُلُوبِهِمْ.[12] .

قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولاَ . وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبيلا َ﴾[13] .

روي‌ أنّ رجلا قال للصّادق‌ عليه السّلام: إذا كان هؤلاء العوامّ‌ من اليهود، لا يعرفون الكتاب إلا ما يسمعونه من علمائهم، لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمّهم‌ بتقليدهم و القبول من علمائهم؟ و هل عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا؟ يقلّدون علماءهم. فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم. فقال- عليه السّلام: بين عوامّنا و علمائنا و بين عوامّ اليهود و علمائهم، فرق من جهة و تسوية من جهة: أمّا من حيث استووا، فإنّ اللّه قد ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذمّ عوامّهم. و أمّا من حيث افترقوا، فلا. قال: بيّن لي ذلك، يا بن رسول اللّه! قال- عليه السّلام: إنّ عوامّ اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّراح و بأكل الحرام و الرّشاء و بتغيير الأحكام عن واجبها بالشّفاعات و العنايات و المضايقات. و عرفوهم بالتّعصّب الشّديد الّذي يفارقون به أديانهم. و أنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه و أعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم و ظلموهم من أجلهم. و عرفوهم يقارفون المحرّمات و اضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه، فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على اللّه و لا على الوسائط بين الخلق و بين اللّه. فلذلك ذمّهم لمّا قلّدوا من قد عرفوا و من قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكايته و لا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه. و وجب عليهم النّظر بأنفسهم، في أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إذ كانت دلالته أوضح من أن تخفى و أشهر من أن لا تظهر (ص) لهم. و كذلك عوامّ أمّتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظّاهر و العصبية الشّديدة و التّكالب على حطام الدّنيا و حرامها و إهلاك من يتعصّبون عليه. و إن كان لإصلاح أمره مستحقّا. و بالرّفق‌ و البر و الإحسان على من تعصّبوا له. و إن كان للإذلال و الإهانة مستحقّا. فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم اللّه تعالى بالتّقليد لفسقة فقهائهم. و أمّا من‌ كان‌ من‌ الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلدوه. و ذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم. فأنّ من يركب‌ من القبائح و الفواحش، مراكب فسقة فقهاء العامّة، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا. و لا كرامة لهم.

وللكلام تتمة نذكرها في الليلة القادمة.

 


[1] سورة البقرة، اية213.
[2] سورة الشورى، آیة14.
[3] سورة الروم، آیة30.
[4] سورة البقرة، اية256.
[5] سورة المائدة، آیة44.
[6] سورة المائدة، آیة63.
[7] سورة التوبة، آیة34.
[8] سورة المائدة، آیة13.
[9] سورة المائدة، آیة41.
[10] سورة الجاثية، آیة23.
[11] سورة النساء، آیة150.
[13] سورة الاحزاب، آیة66و67.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo