< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الانسان ونشأته التكوينية

﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَ مُنْذِرينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ[1]

قبل ليلتين اطلنا اطلالة سريعة على مضمون الآية الكريمة ونريد الليلة أن نعرض عليكم بحثاً مكملا وممهداً يساعد على تعميق الفهم للآية المباركة قد تلقيناه مما افاده المرحوم العلامة الطباطبائي في الميزان لما فيه من الفوائد بتلخيص وتعديل في الالفاظ و تهذيب في المضامين، بحيث يختلف عن ما قاله رضوان الله عليه تجنباً من اطالة الكلام بذكر التفاصيل و ما لم ارتض به من المواضيع ومناقشتها.

الإنسان و نشأته التكوينية والمسيرية على ضوء الوحي:

اولاً : تكوين الإنسان:

و محصل ما تبيّنه آيات عديدة على تفرقها، أن النوع الإنساني نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض و ما عليها و السماء، ولم يكن إنسانٌ، ثم خلق زوجان اثنان من هذا النوع و إليهما ينتهي هذا النسل الموجود، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‌ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ:﴾[2] ، و قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها:﴾[3] ، و قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ:﴾[4] ، و أما ما افترضه علماء الطبيعة من تحول الأنواع و أن الإنسان مشتق من القرد، أو متحول من السمك على ما احتمله بعض فإنما هي فرضية، غير مستندة إلى العلم اليقيني. بل النصوص الدينية تبطل هذا الرأي. واوضح الآيات في تفنيد هذه الفرضية قول الله تعالى: ﴿وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ . قُلْ يُحْييهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَليمٌ[5] وقوله: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عيسى‌ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[6]

ثانياً : تركيب الانسان من الروح و البدن:

و قد أنشأ الله سبحانه هذا النوع، حين ما أنشأ مؤلفا من جوهرين، مادة بدنية، و جوهر مجرد هي النفس و الروح، و هما متلازمان و متصاحبان ما دامت الحياة الدنيوية، قال تعالى في نشأة آدم ابو البشر عليه السلام: ﴿ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ . فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‌ فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ [7] وقال تعالى في بني آدم: ﴿ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ:[8] ، و قال في معنى الموت ﴿... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‌ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ:﴾[9] ويتوفاكم معناه الاستيفاء الروح من البدن .

ثالثاً : اعطاءه الادراك والعقل:

قد خلق الله سبحانه هذا النوع، و أودع فيه الشعور، و ركب فيه السمع و البصر و الفؤاد ففيه قوة الإدراك و الفكر، بها يستحضر ما هو ظاهر عنده من الحوادث و ما هو موجود في الحال و ما كان و ما سيكون و يستنبط الاسباب والمسببات والعلل والمعاليل و قال تعالى: ﴿وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ:﴾

رابعاً : نوعية الادراكات والعلوم التي يملكها الانسان:

الاول : المفاهيم التي ينتزعها من الخارج من خلال حواس التي تربطنا بالخارج عن وجودنا: كمفاهيم الأرض و السماء و الماء و الهواء و الإنسان و الفرس و نحو ذلك من التصورات، و كمعاني قولنا: الماء جسم سيال و التفاح أحد الثمرات، و غير ذلك من التصديقات.

الثاني: الكليات المعقولة: وهي على قسمين:احدهما ما تسمّى بالعقل النظري، كادراكنا بان الكل اكبر من الجزء والاربعة ضعف الاثنين وسائر مسائل علم الرياضيات، و المفاهيم المنطقية ومما يوجب تصورها تصديقها وكثير من الاصول الفلسفية و المباني العقلية، مما لا حاجة في العلم بها الى العلم بالاشياء الخارجة عن ذهن الانسان ولا تحتاج الى تجربة سابقة ولكن بعضها بسيطة تحصل بالتفاتة بسيطة وبعضها تحتاج الى الدقة والامعان فيها.

الثالث : ما يسمى بالعقل العملي: وهي التي ليس لها ما بازاء في الخارج كادراكنا بالحُسن و القُبح و ما ينبغي أن يفعل و ما يجب أن يترك، و الخير ينبغي رعايته، و العدل حسن، و الظلم قبيح و كثير من مصاديق العدل والظلم، كقبح الكذب ونهب اموال الاخرين وشكر المنعم وحسن الوفاء بالعهد وقبح الخيانة.

خامساً : المفاهيم المجعولة الاعتبارية التي جعلت لترتيب الامور و حفظ الحدود والثغور في تطبيق ما يحكم به العقل العملي، مثل الرئاسة و المرءوسية، و العبدية و المولوية والملكية والزوجية وغيرها مما يعتبرها العقلاء لتنظيم امورهم، فهذه سلسلة من الأفكار و الإدراكات نستعملها و لا يتم فعل من الأفعال الإرادية إلا بتوسيطها و التوسل بها لاقتناء الكمال و حيازة مزايا الحياة. تبتني على الإدراكات في العقل العملي من معنى الحسن و القبح، و ينبغي و لا ينبغي، و يجب و يجوز، إلى غير ذلك، ثم بتوسطها بيننا و بين المادة الخارجية و فعلنا المتعلق بها يتم لنا الأمر (و هي المسماة بالعلوم العملية او احكام العقل العملي).

و الله سبحانه هو الذي ألهمها الإنسان قال تعالى في الإنسان خاصة: ﴿وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها:﴾[10] ، فأفاد أن الفجور و التقوى معلومان للإنسان بإلهام فطري منه تعالى، و هما ما ينبغي أن يفعله أو يراعيه و ما لا ينبغي، فمفاهيم الرئاسة و المرءوسية، و العبدية و المولوية والملكية والزوجية وغيرها ليس لها ما بازاء في الخارج و إنما هو حركات طبيعية يتصرف بها الإنسان في المادة. فالموجود بحسب الواقع من «الإنسان الرئيس» إنسانيته، و أما رئاسته فإنما هي في الوهم، و من «الثوب المملوك» الثوب مثلا، و أما إنه مملوك فأمر خيالي لا يتجاوز حد الذهن، و على هذا القياس. وفي المصطلح يقال لها انها امور اعتبارية.

سادساً : ( استخدام الانسان لغيره في الانتفاع به)

الانسان بفطرته وطبيعته يشعر بوجوب إستخدامه كل ما يمكنه استخدامه في طريق كماله، وتأمين منافعه، و لإستبقاء حياته بأي سبب أمكن ما دام لا يصادم منافع الآخرين فيستخدم العناصر المودعة في الطبيعة من الجمادات والنباتات والحيوانات و سائر الافراد من بني آدم. فيستثمر الاشياء الكثيرة لتأمين حاجاته و تتطور وتتقدم في الاختراعات قال تعالى:﴿ وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ إِنَّ في‌ ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[11] ﴿اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ﴾[12] ﴿ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ ﴾ [13] ﴿ وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾[14]

﴿ وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‌ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظيمٍ ﴾[15] ﴿ أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾[16] ﴿ وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ﴾[17]

 


[2] سورة الحجرات.، آیة13
[3] سورة الأعراف، آیة.189
[8] سورة المؤمنون، آیة16.
[9] سورة السجدة، آیة.11
[10] سورة الشمس، آیة8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo