< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لماذا وجوب الصوم في شهر رمضان دون غيره

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[1] أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[2] شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‌ ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[3]

كان بحثنا في الآية الثانية في الفرق الثلاثة الذين سقط عنهم وجوب الصوم وقلنا ان الفرقة الاولى والثانية وهما المريض والمسافر لا يجوز لهما الصوم بشروط معينة ذكرت في الكتب الفقهية، اما الفرقة الثالثة فلا يجب عليهم الصوم و يجوز ان يستبدلون الصوم بالفدية وهي اطعام مسكين.

وهنا كلامنا في المراد من قوله تعالى: ﴿ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[4] فاراد الله ان يبين حكم الفريق الثالث الذي لا يجب عليه الصيام ويطيقونه هو الذي يبذل قصارى جهده فالصوم له حرجي، فهذا الفريق بخصوصه مخير بين الصوم والفدية والصوم اولى له.

ولكن هناك من استفاد التخيير لكل المكلفين في بادئ الامر ثم نسخ هذا التخيير فتعين الصوم على المكلفين وانما استثني المريض والمسافر والطاعنين في السنّ فجعلوا هذه الآية دليلاً على التخيير في اصل الصوم بجعل يطيقونه بمعنى قادرون على الصوم: قال في المجمع: ﴿وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ[5] الهاء يعود إلى الصوم عند أكثر أهل العلم، أي يطيقون الصوم ، خيّر الله المطيقين الصوم من الناس كلهم بين أن يصوموا و لا يكفّروا و بين أن يفطروا و يكفّروا عن كل يوم بإطعام مسكين لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصوم، ثم نسخ ذلك بقوله ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [6]

على هذا المعنى ذيل الآية: ﴿ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[7] بيان لرجحان الصيام على بديله لا تعيّنه على القادر.

و قد ذكروا احتمالات أخرى في معنى الآية: أحدها: أن قوله: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[8] انّها بيان لكبرى كلية يعني من يأتي بعمل خيرٍ طوعاً ورغبة خيرٌ من يأتي به عن استكراه واستثقال، ولو يسقط عنه التكليف في الفرض الثاني أيضاً، وذلك يشمل الصوم والفدية ايضاً كجميع الخيرات.

ثانيها: ان المراد من التطوع يعود الى الفدية فاراد ان يقول ومن تطوع بالزيادة على الفدية الواجبة فهو خير له اي مستحب فمعناه من زاد على في عطاء الفدية بان يضعفها بمدّين فهو خير له.

وثالثها: نفس المعنى باطعام مسكينين بدلا من مسكين واحد فذالك خير له.

وهناك وجوه آخر نغمض العين عنها رعاية للاختصار.

اما قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ[9] ففي هذه الآية ورد مواطن للكلام: شهر رمضان، انزال القرآن فيه ، وكون القرآن هدايةً وبيناتٍ وفرقاناً.

اما شهرُ رمضان: فالشهر معناه معروف و جمع القلة له أشهر و جمع كثرته شهور، و أصله من اشتهاره بالهلال‌ فالشهر في الاصل كان اسما للهلال ثم اطلق على الفترة الفاصلة بين الهلالين. و أصل رمضان من الرمض و هو شدة وقع الشمس على الرمل و غيره، و قيل إنما سمّي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها.

وذكر في المجمع في وجه كون الشهر مرفوعاً ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون خبر مبتدإ محذوف يدل عليه قوله أَيَّاماً أي هي شهر رمضان (و الثاني) أن يكون بدلا من الصيام فكأنه قال كتب عليكم شهر رمضان (و الثالث) أن يرتفع بالابتداء و يكون خبره «الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» و يجوز في العربية شهر رمضان بالنصب من وجهين (أحدهما) صوموا شهر رمضان و الآخر على البدل‌.

واما اهميته: فقد ورد في حديث في علل الشرائع عن الرضا عليه السلام وفيه مطالب كثيرة اخترنا فقرة منها تناسب الكلام: "....فان قال: فلم جعل الصوم في شهر رمضان دون ساير الشهور؟ قيل: لان شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‌ وَ الْفُرْقانِ، و فيه نبئ محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر: و فيها يفرق كل امر حكيم، و فيه رأس السنة يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل و لذلك سميت القدر

وعن حفص بن غياث النخعي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "ان شهر رمضان لم يفرض لله صيامه على أحد من الأمم قبلنا، فقلت له، فقول الله عز و جل، «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»؟ قال، انما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضل الله به هذه الامة، و جعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و على أمته"[10]

وفي دعاء (45) وداع شهر رمضان من الصحيفة ورد: «ثم آثرتنا به على ساير الأمم، و اصطفيتنا دون أهل الملل، فصمنا بأمرك نهاره، و قمنا بعونك ليله».

وفي الكافي بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: "كنا عنده ثمانية رجال، فذكرنا رمضان، فقال: «لا تقولوا: هذا رمضان، و لا ذهب رمضان، و لا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز و جل لا يجي‌ء و لا يذهب، و إنما يجي‌ء و يذهب الزائل، و لكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم، و الاسم اسم الله عز ذكره، و هو الشهر الذي انزل فيه القرآن جعله مثلا وعيدا»[11]

وفي دعاء الامام علي بن حسين عليه السلام لدخول شهر رمضان: "وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَ شَهْرَ الْإِسْلَامِ، وَ شَهْرَ الطَّهُورِ، وَ شَهْرَ التَّمْحِيصِ، وَ شَهْرَ الْقِيَامِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنّٰاسِ، وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ (4) فَأَبَانَ فَضِيلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ، وَ الْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيهِ مَا أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إِعْظَاماً، وَ حَجَرَ فِيهِ الْمَطَاعِمَ وَ الْمَشَارِبَ إِكْرَاماً، وَ جَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لَا يُجِيزُ- جَلَّ وَ عَزَّ- أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَ لَا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ. (5) ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْرٍ، وَ سَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلٰائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهٰا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلٰامٌ، دَائِمُ الْبَرَكَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ.الصحيفة السجادية، ص: 188‌ (6) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَ إِجْلَالَ حُرْمَتِهِ، وَ التَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ، وَ أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، وَ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيكَ حَتَّى لَا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إِلَى لَغْوٍ، وَ لَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إِلَى لَهْوٍ (7) وَ حَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ، وَ لَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إِلَى مَحْجُورٍ، وَ حَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ، وَ لَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، وَ لَا نَتَكَلَّفَ إِلَّا مَا يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَ لَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئَاءِ الْمُرَاءِينَ، وَ سُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لَا نُشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَ لَا نَبْتَغِي فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ".

نترك البحث حول نزول القرآن لليالي القدر وانما نقف معكم في الاوصاف الثلاثة المذكورة في هذه الآية المباركة للقرآن


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo