< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة احدى والعشرون

إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‌ لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [1]

ضمير الهاء في انّا أنزلناه يعود إلى القرآن كله، لا بعضه كما زعم البعض، ولو أنّ مرجع الضمير غير مذكور في الكلام ولكن سياقها سياق قوله تعالى: "حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ"[2] وما فيها من نسبة الله الانزال إلى نفسه يدل على عظمة القرآن كما أن استعمال صيغة المتكلم مع الغير للتعظيم والتفخيم او لأن فعل الله صادر عن الاسباب التي سبّبها الله لكل شيء وهي أيضاً مخلوق من الله قائم به.

اما الانزال فهو من باب الافعال و بمعنى نزول الشيء دفعة ويقابله التنزيل من باب التفعيل وهو بمعنى النزول التدريجي فتدل هذه الآية بكل وضوح على أنّ القرآن نزل كله في ليلة القدر، ثم ينبغي علينا قبل أن نبحث عن ليلة القدر، نتكلم حول نزول القرآن ونجيب عن سؤال قد يطرح نفسه بان القرآن ان نزل في ليلة القدر فما معنى ما نسمع ونرى في النصوص أنّ الآية الفلانية نزلت في مناسبة كذا و...

الجواب : أن القرآن نزل أكثر من مرّة، فنزل مرّة في ليلة القدر ثم نزل تدريجاً في مدة 23 سنة، حياة النبي صلى الله عليه واله بعد البعثة، وتدل على ذالك آيات من القرآن، منها قول الله تعالى: "وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى‌ مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا"[3] هذه الآية تُصرِّح على تفريق القرآن لقراءته تدريجاً.

وكذلك قوله: "وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًاً" هنا ذُكر ايراد الكفار على عدم نزول القران بالجملة فلم ينكر مقالتهم وانما بيّن سبب ذالك وأكّد على نزوله تدريجاً.

وقوله: "وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فيهِ مِنَ الْوَعيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً . فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‌ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْني‌ عِلْماً)[4] في هاتين الآيتين دلالة على كلا النزولين، النزول الاول بقوله انزلناه والنزول الثاني يقضى اليك وحيه.

وقد وردت روايات على هذا المعنى منها ما روي عن ابن عباس وهو كان تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام قال: "أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم كان ينزله جبريل (ع) على محمد ص نجوماً و كان من أوله إلى آخره ثلاث و عشرون سنة)[5]

أن هذه الرواية تتحدث معنا عن نزول القران بالسماء الرابعة، ولكنّنا نرى في سورة الشعراء نص يدل على نزول القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى: " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمينُ . عَلى‌ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ . بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ" [6] ولا منافات بينهما لانّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

متى تكون ليلة القدر؟

اذا جمعنا بين قوله تعالى: "إنّا اَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ" و قوله تعالى: "شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ" (البقرة 185) نستنتج أن ليلة القدر هي في شهر رمضان.

ولكن هناك خلاف شديد بين المفسرين، في تعيين موقع ليلة القدر من أيام السنة واليك بعضها:

قيل: إنّها كانت ليلة واحدة بعينها نزل فيها القرآن من غير أن يتكرّر،

قيل: أنّها كانت تتكرّرُ بتكرُّر السنين في زمن النبي صلى الله عليه وآله ثم رفعها الله،

قيل: أنّها ليلة معينة في جميع السنوات لا تتغير،

قيل: أنّها ليلة واحدة في جميع السنة غير أنها تتبدل بتكرر السنين فسنة في شهر رمضان و سنة في شعبان و سنة في غيرهما.

قيل انها ليلة 27 من رمضان وهو المشهور عند السنّة،

وقيل انها مردّدة بين ليالي الفرد من العشرة الاخيرة من رمضان.

ولكن كل هذه الأقوال غير مدعومة برواية موثقة وانما الاحتمال القوي انّها إحدى الليالي الثلاثة و أقواها أحدى الليلتين 21-23 . فعن الصادق عليه السلام قال: "التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، و الإبرام في ليلة إحدى و عشرين، و الإمضاء في ليلة ثلاث و عشرين"

وعنه عليه السلام: "و روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّها الليلة الحادية و العشرون أو الثّالثة و العشرون. و عند ما أصر عليه أحدهم في تعيين واحدة بين الليلتين لم يزد الإمام على أن‌ يقول: "ما أيسر ليلتين فيما تطلب"

عن زرارة عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال سألت أبا جعفر (ع) عن ليلة القدر؟ قال في ليلتين ليلة ثلاث و عشرين و إحدى و عشرين فقلت أفرد لي أحدهما فقال و ما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما"

عن شهاب ابن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني بليلة القدر فقال ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين"‌

وعن حماد بن عثمان عن حسان بن أبي علي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر قال اطلبها في تسع عشرة و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين‌.

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه عن علي بن حمزة قال كنت عند أبي عبد الله (ع) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى أي ليلة هي فقال هي ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين قال فإن لم أقو على كلتيهما فقال ما أيسر ليلتين فيما تطلب قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا و جاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى فقال ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها جعلت فداك ليلة ثلاث و عشرين ليلة الجهني قال إن ذلك ليقال قلت جعلت فداك إن سليمان بن خالد روي أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج فقال يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر و المنايا و البلايا و الأرزاق ما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى و ثلاث و صل في كل واحدة منها مائة ركعة و أحيهما إن استطعت إلى النور و اغتسل فيهما.‌

وفي رواية عبد الله بن بكير عن زرارة عن أحدهما قال سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان فقال ليلة تسع عشرة و ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين و قال ليلة ثلاث و عشرين هي ليلة الجهني و حديثه أنه قال لرسول الله ص إن منزلي نأى عن المدينة فمرني بليلة أدخل فيها فأمره بليلة ثلاث و عشرين‌.

وأما معنى القدر فالمشهور الذي تدل عليه الآيات والروايات: هو ليلة تُقدّر فيها أمور السنة من الليلة إلى مثلها من قابل. وقيل فيه: أن القدر بمعنى المنزلة و إنما سميت ليلة القدر للاهتمام بمنزلتها أو منزلة المتعبدين فيها، و قيل: القدر بمعنى الضيق و سميت ليلة القدر لضيق الأرض فيها بنزول الملائكة. و صاحب الميزان بعد ما يذكر الوجهين الاخيرين قال: (والوجهان كما ترى). ولكن لا داعي لرفضها حيث لا تمانع بين الوجوه الثلاثة.

ما يجري في ليلة القدر: "إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِى(دخان)3-4)

و قد ورد في الأحاديث ان في هذه الليلة من كل سنة تنزل أفواج من الملائكة بالتقديرات لتلك السنة، إلى الإمام الحي من الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيعلم الإمام بما قدر اللّه سبحانه للخلائق من الآجال و الأرزاق و الأعمال و سائر الأمور المرتبطة بهم (نور الثقلين)

جاءت الرواية عن أبي ذر أنه قال قلت يا رسول الله ليلة القدر هي شي‌ء تكون على عهد الأنبياء ينزل فيها فإذا قبضوا رفعت؟ قال: لا، بل هي إلى يوم القيام.

عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال سألت أبا جعفر (ع) عن ليلة القدر قال في ليلتين ليلة ثلاث و عشرين و إحدى و عشرين فقلت أفرد لي أحدهما فقال و ما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما


[1] القدر1-5.
[2] الدخان3.
[3] إسراء 106.
[4] طه113-114.
[5] مجمع البيان.
[6] الشعراء193-195.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo