< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة السادسة عشر

﴿وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[1]

قد تحدثنا حول الآيتين فوقها وبينا أهمية غزوة بدر ومسيرتها في تطوير المجتمع الاسلامي كما مررنا على قصّتها وعرفنا أن المشركين كان في قلوبهم رعب عن المسلمين رغما لكثرة عِدّتهم و عُدّتهم وكان كبارهم يتمنون عدم وقوع الحرب الا أبي جهل الذي كان مصراً على القتال و مغروراً بقوتهم ، كذلك المسلمون أكثرهم كانوا لا يريدون الحرب لقلة عددهم وعدم جهوزيتهم نفسياً و من حيث العتاد. والله يصور حالهم مرة بقوله " لقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة" وهنا يبين حالهم بقوله: "إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفينَ (9) وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى‌ وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى‌ قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11)إِذْ يُوحي‌ رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنُوا سَأُلْقي‌ في‌ قُلُوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرينَ عَذابَ النَّارِ (14)

ففي الآية الثالثة من هذه الآيات أشار إلى التجاء المسلمين على الله لما قارنوا عِدّتَهم و هي: 313 نفراً و عُدّتَهم و هي كانت 70 بعيراً و فرسين. في مقابل عدد جيش العدو 950 نفر و عُدّتُهم 700 بعير و100فرس، فقال تعالى: إِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفينَ )[2]

أن الاستغاثة إلى الله ترفع المعنويات و تزول الخوف وتشدّ العزائم وليست عيباً أن يستغيث العبد ربه و التجأ اليه، و لذا نرى في هذه القصة رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي شجعهم على الاستغاثة، قال في المجمع : (ان النبي صلى الله عليه و آله لما نظر الى كثرة عدد المشركين و قلة عدد المسلمين استقبل القبلة و قال: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" فما زال يهتف به ماداً يديه حتى سقط رداؤه من منكبه، فأنزل الله تعالى: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ» الآية و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام).

فلا ينبغي اللوم لمن يذكر الله في مواجهة الخطر و اتهامه بالجبن، و لا وجه للاستحياء عن الاستغاثة.

كما أن رسول الله في غزوة الأحزاب أيضاً طلع إلى الجبل و رفع يديه إلى السماء واستغاث ربه، وقد ورد في الحديث: (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و آله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد الى مسجد الفتح و هو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم.فدعا الله عز و جل و ناجاه فيما وعده و كان مما دعاه أن قال: "يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين و يا كاشف الكرب العظيم أنت مولاي و وليي و ولى آبائي الأولين، اكشف عنا غمنا و همنا و كربنا، و اكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك و حولك و قدرتك")[3]

ونحن قد جرّبنا في زمن الحرب المفروضة كل عملية عسكرية اعتمد المجاهدون على سلاحهم وقوتهم لم تنتهي إلى الانتصار وعندما كان اتكالهم والتجائهم إلى الله وأقاموا مجلس التوسل والابتهال إلى الله كان النصر حليفهم. وهناك كلام متعارف في الفارسية عندما يريدون أن يؤكدوا على لزوم التهيئة للأمور و ترك الاقدام بدون تدبير، يقولون: - با ميد خدا كه نميشود كار كرد-. ولكني رأيت أن الامام الخامنئي يقول: -بأميد خود نميشود كار كرد-. يعني لا ينبغي الاتكال على النفس دون الاسباب التي جعلها الله لكل شيء وهذا هو معنى التوكل على الله.

فاستجاب الله لاستغاثتهم بأمدادهم "بإلف من الملائكة مردفين" في معنى المردفين قالوا ترادف الف بعد الف. جمعاً بين قول الله في سور آل عمران «وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى‌ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‌ لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ»[4] حيث أن في هذه الآية ذكر ثلاثة آلاف فجمعوا بين الآيتين بأن في سورة آل عمران ذكر جملة العدد وفي سورة الأحزاب تعرض لبيان العدد في كل دفعة، ولكن لا داعي لهذا الجمع لأن ما جاء في آل عمران انما هو سؤال وطمئنة وليس فيها اخبار عن عدد النازلين من الملائكة فعلاً. ويمكن ترجمة المردفين في الآية المبحوث عنها بالصفوف المنظمة وهو الاظهر.

ثم هناك كلام بين المفسرين من انه هل الملائكة قاتلوا المشركين فعلا او لا؟ وقد ذكر انه كان الرؤوس تسقط من دون قاتل مشهود، ولكن بما أن مقتولي غزوة بدر وهم سبعون رجلاً ذكر قاتليهم من المسلمين، فصحّة هذه الاقوال وهي لا سند معتبر لها، بعيد جداً والله يقول: " وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‌ لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ" فهذا التعبير يفيد أن نزول الملائكة انما كان اثره بشارة المسلمين وطمئنة قلوبهم و تصعيد معنوياتهم وتشديد عزائمهم، خصوصاً عند ما نتأمل في قول الله تلو ذالك حيث يقول: "وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" فيتقوى هذا الاحتمال.

في الآية التي تليها ذكر الله تعالى جانباً من لطفه ورحمته للمسلمين ويذكرهم بها فيقول: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ" والغشيان شمول الشيء لشيء آخر والنعاس مرحلة خفيفة من النوم، فبعض المفسرين اعتبروا ذالك بياناً لشدة خوف المسلمين بحيث لم يستطيعوا أن يناموا ليلتهم، و لكن يحتمل أن يكون المراد بيان فضل الله عليهم حيث غلب عليهم النوم فاستراحوا وشعروا بهدوء وسكينة وهذا المر يناسب مقام الامتنان و وصف الله النعاس أمنة من الله وهذا الوجه اقرب إلى سياق ومضمون الآية. ثم يذكرهم بطف آخر منه تعالى بقوله: "وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" انزال المطر كان له دور كبير في تحفيز الهمم لأن قليب الماء كان تحت الجبل حيث عسكر العدو والمسلمون كانوا في صفح الجبل بعيد من الماء وفي منطقة الرمال فتوسخوا وتعطشوا فكثرة المطر ملأت الوديان ماءً فتنظفوا وترووا منها و فائدة أخرى ذكره الله فقال: " وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ" ولعل المراد من رجز الشيطان الجنابة ويمكن المراد حالة التعب و الانزجار النفسي، ومن الفوائد المذكورة للمطر حينه قوله: "وَ لِيَرْبِطَ عَلى‌ قُلُوبِكُمْ" اي قوة الجأش لان الانسان التعبان والكسلان والضمأن ليس له قوة الجأش فمجيء الماء زال عنهم حالة الاحباط النفسي، ثم يقول: " وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ" كما ذكرنا كان قطاع المسلمين الرمال وقطاع المشركين الاتربة الثابتة فهم كانوا في مكان مناسب للحرب والمسلمون عكس ذالك فلما نزل المطر انقلب الأمر فتلبد الرمال وتوحل التراب ، و في هذا كان مساعدة كبيرة لصالح قتال المسلمين.

في الآية التي تليها قال تعالى: "إِذْ يُوحي‌ رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنُوا" فيشير إلى دور الملائكة في الحرب، ثم هناك خلاف في مرجع الضمر في –معكم- هل يعود إلى الملائكة فالله معهم في اداء رسالتهم او يعود إلى المجاهدين في جيش الاسلام فهو بيان لمضمون الوحي وحصيلة المعنى أن الله قال للملائكة قولوا للمسلمين ان الله معكم وبذلك ثبتوا الذين آمنوا، ولعل الوجه الثاني أقرب إلى مراد الآية لأن كون الله مع المجاهدين يثبِّتهم ويقويهم على عدوهم، وفي مقابل هذا التثبيت. في جانب العدو بشر المؤمنين وقال: "سَأُلْقي‌ في‌ قُلُوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ" ويستنتج من ذالك اي مادام انتم المثبتون وعدوكم المرعوبون: "فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ" والامر بالضرب متوجه إلى المجاهدين، نعم من ارجع الخطاب في –معكم- إلى الملائكة، هنا جعل المخاطب في ضرب الاعناق والبنان الملائكة وعناه انها شاركت في الحرب بمباشر قتل المشركين والله أعلم بالصواب.

والآية الاخيرة من هذه الآيات يبين لنا سر نصرة المسلمين وهزيمة المشركين شقاق الكفار و عصيانهم لله ولرسوله مضافا إلى عذاب يوم القيامة فقال: "ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرينَ عَذابَ النَّارِ)[5]

هذا خلاصة غزوة بدر الكبرى وبعض الدروس التي تستفاد منها بمقدار ما وسعنا الوقت.


[1] الاحزاب7-8.
[2] الاحزاب9.
[3] نور الثقلين ج4ص254.
[4] آل عمران: 126.
[5] الأحزاب7-14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo