< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الثانية عشر

قال تعالى: ﴿وَسارِعُوا إِلى‌ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ (133) الَّذينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكاظِمينَ الْغَيْظَ وَ الْعافينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ (134)وَ الَّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‌ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ (136)[1]

في هذه الآيات الكريمة أمرنا ربنا بالمسارعة وهي التسابق والتنافس ولم يقل اسرعوا لأن الانسان اذا أسرعَ إلى شيء ولم يجد من ينافسه فهو في معرض الفتور وعدم افراغ الجُهد في سبيله، بخلاف ما إذا وجد المنافسين له، فيزداد سرعة ويبذل قصارى جهده للوصول إلى الهدف المنشود، والتنافس في الخيرات هو الغبطة التي تكون أمراً مرغوباً، وتخالف الحسد بانّه حالة للنفس تبعث الانسان على التخريب على الآخر و حقد صاحب النعمة، و لكنّ الغبطة حالة تبعث الإنسان إلى السعي في تحصيل النعمة التي وصل اليها الآخر. كأنّ الله اراد أن يحرّضنا إلى النظر إلى عاملي الخير لنسعى أن نسبقهم في ذالك. ليحصل لنا التسابق، وهناك سؤال يطرح نفسه، لماذا ما قال سارعوا إلى الخيرات او القيام بالأعمال الصالحة؟ يمكن السر في ذالك بيان حاجتنا الملحة إلى ذالك فالمغفرة منجية للإنسان وتدارك لما فاتته، و لنعرف كلّما سعينا فنحن مقصرون، وبعبارة أخرى دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة في نظر العقل فتطهير النفس عن المعاصي ودفع الخسارة أولى من الحصول على الربح، فلا نغفل عن فعل الصالحات ونحن في حياتنا يدور أمرنا بين الخسارة والربح وليس أمامنا الشق الثالث و هو –لا ربح ولا خسران- كما عن الصادق عليه السلام: "من ساوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ومن لم يرى الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة"

والأمر الملفت للانتباه ايضاً في قوله تعالى: "وَ سارِعُوا إِلى‌ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" الملاطفة في القول حيث قال: - من ربّكم- ولم يقل مغفرة من الله، فنسب نفسه الينا ليثير الأمل عندنا أكثر.

اما قوله تعالى: " وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ" فهي نعمة تترتب على تلك المسارعة.

وهناك كلام في أن المراد من كون عرضها السماوات والارض، جعلا مقياساً أي سعة الجنة تساوي سعة السماوات والارض. ويحتمل أن يكون المراد أن الجنة مكانها هو السماوات والارض وقد يظهر من بعض الآيات أن الجنة موجودة فعلاً: حيث قال الله تعالى في سورة التوبة: "أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ...)[2] ومثله في آية 100 أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الْأَنْهارُ..." وفي سورة الحديد: " وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذينَ آمَنُوا"

كما بالنسبة إلى جهنم نرى قريب من هذه التعابير واليك بعضها: ففي سورة الفتح6 قال: "وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصيراً" وفي البقرة24: قال: " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي‌ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرين" وظاهر هذه الآيات أن الجنة والنار مُعدّتان فعلاً، ولكن هل هما خارجان عن هذا العالم؟، لا دليل على ذالك بل هناك شواهد على وجودها في نفس العالم الذي نعيشه مما ورد في معراج النبي صلى الله عليه وآله انه رأي الجنة والنار، قال تعالى: "وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‌ . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‌ .عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‌)[3]

فيمكن أن تكون الجنة والنار نفس ما نسكن فيه من العالم ولكن نحن لا نحسّه ولا نشعره لأننا انما ندرك المحسوسات بحواسنا وكثير من موجودات العالم لا نراه ولا ندركه والله يكشف عنّا الغطاء و يزوّدنا بما ندرك كثيراً مما خفي علينا: قال: "فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد".

ثم وصف الله المتقين بصفات خمسة:

الاولى : "الَّذينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ" انهم ينفقون سواء كانوا في الرخاء او الشدة فينبغي للمؤمن أن لا يترك الانفاق ولو كان فقيراً قال تعالى: وَمَن قُدِرَ عَليهِ رِزقُهُ فَليُنفِق مِمّا آتاهُ اللهُ" والصدقة يجوز في السر والعلانية قال تعالى: " إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ)[4] ففي العلانية تشجيع للآخرين و ترويج لسنة الصدقة، وفي السر مصون من الرياء وأقرب إلى الاخلاص، ولعل الأحسن أن يكون إخراج الصدقة في العلن واعطائها إلى الفقير سراً، صوناً لكرامته و ماء وجهه.

الثانية : "وَ الْكاظِمينَ الْغَيْظَ" قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما من عبد كظم غيظا الا زاده الله عز و جل عزاً في الدنيا و الاخرة"، وعنه عليه السلام: "من كظم غيظاً و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملاء الله قلبه يوم القيامة رضاه، و ايضاً عنه عليه السلام قال: ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل خصال الايمان، من صبر على الظلم و كظم غيظه و احتسب و عفى و غفر كان ممن يدخله الله تعالى الجنة بغير حساب، و يُشفِّعه مثل ربيعة و مضر.

الثالثة : "وَ الْعافينَ عَنِ النَّاس وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ" عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "انّا أهل بيت مروّتنا العفو عمن ظلمنا."

و روى أنّ جارية لعلى بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الا بريق من يدها فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية: ان الله تعالى يقول: «وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ» فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: «وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ» قال: قد عفى الله عنك، قالت «وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله". [5]

والرابعة : "وَ الَّذينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ" وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ" الفاحشة تشمل كل عمل قبيح، وقيل المراد منها هنا المعاصي الكبيرة و من ظلموا انفسهم المعاصي الصغيرة، ولكن أظن انه لا وجه لهذا المحمل بل الأولى ان نقول الفاحشة فعل المحرمات والظلم بالنفس ترك الواجبات، او الاولى ما يتجاوز إلى الآخرين والثانية: ما لا يضر إلى نفسه، والاستغفار باب مفتوح أمام كل من عصى ربه فقد روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص قال: "قال إبليس: يا رب و عزتك لا أزال أغوي بني آدم- ما كانت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله: وعزتي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني".

والخامسة : "وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‌ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ" فعن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‌ ما فَعَلُوا الآية- قال: الإصرار أن يذنب المذنب فلا يستغفر الله- و لا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار."

و في تفسير العياشي، عن الصادق ع في حديث قال: "و في كتاب الله نجاة من الردى، و بصيرة من العمى، و شفاء لما في الصدور- فيما أمركم الله به من الاستغفار و التوبة- قال الله: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ- ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ- وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‌ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، و قال: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ- ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً، فهذا ما أمر الله به من الاستغفار، و اشترط معه التوبة و الإقلاع عما حرم الله- فإنه يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، و بهذه الآية يستدل أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله- إلا العمل الصالح و التوبة".

ثم في الأخير بشّر الله المتقين المتصفين بتلك الخصال الخمسة بأنّهم الذين ينالون أهدافهم السامية فقال: " أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ".

 


[2] سورة التوبة، اية89.
[3] النجم13-15.
[4] البقرة271.
[5] نور الثقلين ذيل الآية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo