< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الحادية عشر

قال تعالى "مَنْ كانَ يُريدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً . وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى‌ لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً . كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً . انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضيلاً" [1]

هذه الآيات المباركة تقارن بين رؤيتين في تقييم الحياة في هذه الدنيا: طائفة قصرت اهدافها على الدنيا ، وطائفة همتها عالية تجاوزت عن الدنيا إلى الآخرة فبالنسبة إلى

الطائفة الأولى : قال: "مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ" هذا وصف وقع في مقام الموصوف و العاجلة هي شيء سريع الزوال فعدل عن الدنيا بالعاجلة وهي من صفات الدنيا للإيعاز بهذه الخصوصية فعمر الدنيا في جنب العقبى كلحظة من دهر، كما ان حياة كل واحد منا في جنب عمر الدنيا كلحظة من دهر فاين عمرنا من الآخرة؟ !! "عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" الواعد هو الله والموعود ما شاء الله، لا ما شاء العبد، والموعود له هو العبد الذي قصّر هدفه على الدنيا، وليس لكل من اراد العاجلة بل من اراد الله أن يعطيه. فيستفاد منه أن كل من طلب الدنيا لا يصل اليها، ومن وصل منهم لا يصل بكل ما اراد.

وله كذلك نصيب في الآخرة وهو قول الله: ثم جعلنا جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً"

فأولا يحترق بنار جهنم مقروناً باللوم والطّرد من مقام القرب إلى الله، نعم الانسان حينما يبتلى بألمٍ في جسمه يمكن ان يتحمّل ذالك، ولكن اذا كان مقرونا باللوم فهذا يضاعف له العذاب لمقارنة تعذيب الروح والوجدان مع عذاب الجسم. كمن قتل انسانا صالحاً لغضب او مبادرة غير مدروسة وتنبّه بعد ذالك بقبح عمله فهو يعيش عذاب الوجدان وقد زجوه في السجن.

الطائفة الثانية : "من أراد الآخرة وسعى لها سعيها" فهنا لابد من توفر أمرين اولاً الارادة، و ثانياً السعي المناسب لها قال سعيها ولم يقل سعيه فليس لمجرد التأكيد على السعي كما زعم بعض المفسرين بل الكلام عن نوع السعي الذي يناسب الآخرة. وما يناسب الآخرة هو الفعل الحسن والصالح الذي يأتي به لله، فالعمل و لو كان صالحاً ما دام ليس لله لا يستحق فاعله على الله شيئاً فهنا يأتي الكلام عن امثال إديسون الذين قدّموا خدماتٍ كبيرةٍ فان كانت لله فيستحقون الأجر وان كان لكسب المال او الشهرة فهم مصنفون فيمن يريد العاجلة. ثم قال تعالى لهذه الطائفة التي أرادت الآخرة: "فأولئك كان سعيهم مشكوراً" والله خير الشاكرين فهؤلاء يجتنون ثمرة عملهم مضمونٌ لهم، و لكن من أراد الدنيا لا ضمان له في الوصول إلى النتيجة، بل قلّ من يصل إلى مبتغاه بل كامل مطلوبة غير ممكن الوصول.

ثم يبين الله أصلا مهمّاً في الحياة الدنيا وهو تعميم النعم، لجميع الناس سواء الطائفتين في ذالك فقال: "كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً" هذه الآية فيها طمئنه للمؤمنين وحجّة على من يريد العاجلة، وهنا أودّ أن نطل اطلالة إلى بعض كلمات مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان من اروع الأمثلة لمن يري الآخرة وطلق العاجلة كي نعرف من كلامه قيمة الدنيا في جعلها منطلقا للآخرة واستغلالها للتزويد ليوم "كل نفس بما كسبت رَهينةٌ"

عن علي عليه السلام: "مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَ مَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ"[2]

وَ قَالَ عليه السلام وَ قَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُّ الدُّنْيَا: "أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا، أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا؟ أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ؟ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ؟ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ؟ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى؟ أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى؟ كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ‌ الْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَ لَا يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَ لَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطَلِبَتِكَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ)[3] فنترك التأمل العميق في هذه الحكم العالية كي تبذلوا قصارى جهدكم لكشف تلك الدرر منها.


[1] الإسراء18-21.
[2] نهج البلاغة خطبة 82.
[3] الحكمة131.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo