< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الثامنة

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى‌ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمينَ فيها جِثِيًّا"[1]

و اختلف العلماء في معنى الورود على أقوال:

أحدهما : أن المراد من الورود ليس الورود حقيقة بل هو الوصول إليها و الإشراف عليها لا الدخول فيها و هو قول ابن مسعود و الحسن و قتادة وغيرهم من المفسرين و استدلوا لهذا القول بأدلة:

منها : أن الله نفي قرب الصالحين إلى النار. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‌ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها" فهذا يدل على أن أهل الحسنى لا يدخلونها،

منها: استعمال الورود في غير الدخول كقوله تعالى: "وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ" وهذا في قصة موسى والماء كان في البئر وموسى لم يدخل الماء وانما حضر مكان الذي كان فيه الماء داخل البئر. وكذا قوله تعالى: "فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى‌ دَلْوَهُ" في قصة يوسف حيث ارسلوا ساقيهم إلى جنب البئر. وكذلك قول القائل: وردت بلد كذا و ماء كذا أي أشرفت عليه دخله أو لم يدخله.

ثانيها : المراد من واردها إنهم واردون حول جهنم، قال تعالى: " فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)[2] ثم يدخل النار من هو أهلها.

ثالثها : معناه إنهم واردون عرصة القيامة التي تجمع كل بر و فاجر.

رابعها : أن نقول قوله: "إن منكم الا وارها" خطاب للمشركين خاصة و يكون قوله «وَ إِنْ مِنْكُمْ» المراد به منهم كما قال سبحانه وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً أي لهم فهذا من انصراف الخطاب من الغائب إلى الحاضر و روي في الشواذ عن ابن عباس أنه قرأ و إن منهم .

خامسها : وهو قول الأكثر أن الورود بمعنى الدخول واقعا والخطاب لجميع المكلفين ‌ و يدل عليه قوله «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» و لم يقل و ندخل الظالمين و إنما يقال نذر و نترك للشيء الذي قد حصل في مكانه. فلا يبقى بر و لا فاجر إلا و يدخلها فيكون بردا و سلاما على المؤمنين و عذابا لازما للكافرين.

وهنا نقف عند الوجوه المذكورة وأدلتها حتى نختار الوجه الاصح.:

اما الاشكال في الوجه الاول : وهو الاستدلال بقوله تعالى: " لا يَسْمَعُونَ حَسيسَها وَ هُمْ في‌ مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ)[3] فهذه الآية تتحدث عن مكان الصالحين في الجنة والشاهد على ذالك آية التي تليها وهي قوله تعالى: "لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"[4] فلا تنفي ورودهم جهنم قبل ذالك.

اما الاشكال على الوجه الثاني : أن الاستعمال اعم من الحقيقة ولا يجوز حمل الكلام إلى المجاز الا اذا كان هناك صارف كالقرينة اللفظية او العقلية وهي منتفي فيما نحن فيه.

اما الاشكال في الوجه الثالث : انه خلاف الظاهر لان الضمير مرجعه جهنم المذكور قبل آيتين، فلا وجه لإرجاعه إلى المحشر غير المذكور سابقاً هذا اولاً و ثانياً: هذا المحمل لا ينسجم مع قوله تعالى: "نذر الظالمين فيها جثياً" فهل الظالمين يتركون في المحشر؟!

اما الاشكال على وجه الرابع : أن ظاهر قوله منكم خطاب متوجه إلى الجميع. مضافا إلى أن تخصيص الخطاب بالمشركين لا ينسجم مع الآية التي تليها حيث قال: " ثُمَّ نُنَجِّي الَّذينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمينَ فيها جِثِيًّا"

فلا محيص من اختيار قول الخامس القائل بأنّ كلّ الناس يدخلون جهنم و لكن الصالحون لا يتأثرون منها شيئاً ويشهد لهذا القول، روايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآية.

واليك بعضها: روى أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد عن أبي سمينة قال: اختلفا في الورود فقال قوم لا يدخلها مؤمن و قال آخرون يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأومئ بإصبعيه إلى أذنيه و قال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله ص يقول الورود الدخول لا يبقى بر و لا فاجر إلا يدخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردها"[5]

قال السدي: سألت مرة الهمداني عن هذه الآية فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول الله ص قال يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم فأولهم كلمع البرق ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب ثم كشد الرجل ثم كمشيه‌(المصدر)

روي في بعض الأخبار "أن الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة حتى يطلعه على النار و ما فيها من العذاب ليعلم تمام فضل الله عليه و كمال لطفه و إحسانه إليه فيزداد لذلك فرحا و سرورا بالجنة و نعيمها و لا يدخل أحد النار حتى يطلعه على الجنة و ما فيها من أنواع النعيم و الثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له حسرة على ما فاته من الجنة و نعيمها"(المصدر)

امام صادق (ع) : «الناس یمرون على الصراط طبقات و الصراط أدق من الشعر و من حد السيف . فمنهم من يمر مثل البرق و منهم من يمر مثل عدو الفرس و منهم من يمر حبوا و c متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا و تترك شيئا؛[6]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo