< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الرابعة

قال تعالى: "وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجيبُوا لي‌ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‌ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"[1]

هذه الآية المباركة من ألطف ما ذكر الله فيه عباده حيث ورد فيها ضمير متكلم الوحدة سبع مرات الذي يعود إلى الله جلّ وعلا وذكر في سبب نزولها أنّ رجل سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن اللّه سبحانه، أهو قريب ليناجيه بصوت خفي أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟ فنزلت الآية (مجمع البيان)

قال في الميزان: (أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون و أرق أسلوب و أجمله ثم اشار إليها بما يتلخص في الامور التالية:

1- أنه تعالى أسس كلامه في هذه الآية على صيغة المتكلم وحده دون الغيبة و نحوها، و فيه دلالة على كمال العناية بالأمر.

2- أنه تعالى قال: عِبادِي، و لم يقل: الناس، و العبودية علاقة قائمة بالطرفين من العابد والمعبود وأضافهم إلى نفسه بضمير المتكلم وهذه النقطة فيها عناية زائدة من المولى لعبده.

3- ثم حذف الواسطة في الجواب حيث قال: "فَإِنِّي قَرِيبٌ" و لم يقل فقل لهم أنّه قريب،

4- ثم التأكيد بإنّ فقال: "فانّي قريب" ولم يقل انا قريب.

5- ثم الإتيان بالصفة دون الفعل ‌الدال على القرب ليدل على ثبوت القرب و دوامه،

6- ثم أتى بصيغة المضارع فقال "أجيب" الدالة على تجدد الإجابة و استمرارها،

7- ثم تقييده الجواب أعني قوله: "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ" بقوله: "إذا دَعانِ"، و فيه دلالة على أن دَعْوَةَ الدَّاعِ مجابة من غير شرط و قيد كقوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»: المؤمن[2]

فهذه سبع نكات في الآية تنبئ بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء و العناية بها، مع كون الآية قد كرر فيها- على إيجازها- ضمير المتكلم سبع مرات، و هي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف.

ثم لا يخفى ان كل من السؤال والدعاء قد يستعملان في مورد واحد وهو الطلب من الله. ولكن الفرق بينهما أن السؤال قد يرد في الاستفهام وقد يرد في معنى المحاكمة والمؤاخذة . قال تعالى: "و قفوهم انهم مسؤولون" وقال: "لايُسأل عما يفعل وهم يُسألون" و قد يسمى رئيس المؤسسة والدائرة بالمسؤول لانه مؤاخذ على افعاله. وقد يأتي بمعنى الطلب كما يقال للسائل بالكف المتسوّل وبهذا المعنى يشترك مع الدعاء فنحن سائلون حوائجنا عن ربنا وهو المسؤول عنه.

والدعاء قريب المعنى من النداء ويشمل كلاً من التسبيح والتحميد وكل ذكر وكل ثناء للمولى تعالى. كما يشمل الاقرار بالضعف والهوان عند الله والاعتراف بالذنوب والتقصير في الطاعة وكذالك يشمل ما نتزلف و نتقرب به إلى ربنا و أخيراً يشمل ما نسأل ونطلب به حاجاتنا الدنيوية والأخروية من ربِّنا. وقد يكون دعائنا شاملا لجميع هذه الأنماط، ولكن علينا أن نتعلم الدعاء من اوليائنا محمد وآله عليهم السلام في جميع الشقوق المذكورة آنفاً، فاننا لانعرف ما هي الصفات اللائقة لربنا وما هي وجوه ضعفنا و هواننا وماهي المعاصي التي صدرت منا ولا نعرف اللغة التي نستعملها في مناجات ربنا وما هي الاولويات في حاجاتنا. فالرجوع إلى الادعية المأثورة منهم عليهم السلام كدعاو الكميل والشعبانية والافتتاح ودعاء الجوشن ودعاء عالية المضامين و مكارم الأخلاق وما ورد في صحيفة السجادية من علي ابن الحسين عليهما السلام كلها دروس عظيمة ترشدنا إلى ما نحتاج اليه في هذا المضمار.

وهنا أود أن أذكر بعض الآيات التي تدل على أهمية الدعاء في حياة الانسان: قال تعالى: "قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ" (الفرقان- 77) [3] فجعل قيمة الانسان عند ربه بدعائه ايّاه، و قوله تعالى: "قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ" (الأنعام- 41)،[4] ففيه اشارة إلى أن الرجوع اليه تعالى عند الاضطرار أمر طبيعي جعل الانسان مفطوراً عليه، و قوله تعالى: "قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ" ففيه اشارة إلى حكم العقل برجوع الانسان إلى ربه في مضايق الحياة وهناك كثير من الآيات والروايات دالة على هذه المعاني نكتفي عنا بما ذكرناه، وللكلام ابعاد أخرى نذكرها في البحث القادم ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo